رصد تأثير جائحة كوفيد-19 على العالم : «أوراق الكفاف»: شهادة فنية وفكرية على هشاشة العالم

2025-01-23

الطاهر الطويل*

يتناول كتاب «أوراق الكفاف: عن الذات والفن والقناع» للباحث والفنان التشكيلي المغربي بنيونس عميروش، تأثير جائحة كوفيد-19 على العالم، من خلال عدسة الفنون والتجربة الإنسانية. ويناقش القضايا المعقدة التي أثارتها الجائحة، والتي تداخلت مع ملامح الحياة اليومية، مسلطا الضوء على تأثيرها العميق على الإبداع والذات والعلاقات الاجتماعية. وفي تقديم هذا الكتاب الصادر عن مؤسسة بتانة الثقافية للنشر في القاهرة، أشار الباحث المغربي عبد الرحمن بن زيدان إلى أن مؤلف عميروش يتسم بجهد نقدي وفني متكامل، حيث يقوم الكاتب بمهمة تحليل دقيقة للواقع الفني الذي أفرزته جائحة كورونا، مبرزا العلاقة بين الجائحة والفنون، ومسلطا الضوء على كيفية تأثير الظروف الاستثنائية التي مرت بها البشرية على الإبداع الفني.
وركز بن زيدان على أهمية الكتاب في التأريخ والتحليل الفني، حيث جمع المؤلف بين دراسة التجارب الفنية وتأمل التحولات التي طرأت على المفاهيم الجمالية والفنية أثناء الجائحة. وأكد على القيمة النقدية للكتاب بوصفه شهادة توثق إسهامات الفنانين وتحدياتهم خلال تلك الفترة.
يشير بنيونس عميروش إلى أن الجائحة فرضت ظروفا استثنائية غيرت ملامح الحياة، حيث أصبح الحجر الصحي مجالا جديدا للتأمل والإبداع. ولجأ فنانون إلى التفاعل مع هذه الظروف الصعبة عبر إنتاج أعمال فنية تعبر عن المعاناة المشتركة. فكانت الكمامة، على سبيل المثال، رمزا مركزيا للواقع الجديد، حيث لم تكن مجرد وسيلة وقاية، بل أصبحت دلالة على التغيرات الاجتماعية والنفسية، و»أيقونة الفضاء العمومي» التي غيرت ملامح الوجوه، وأثرت على مفهوم الهوية.
كما تناول المؤلف تأثير العزلة الإجبارية التي فرضتها الجائحة على الإبداع، مشيرا إلى أنها لم تكن مجرد تقييد جسدي، بل شكلت فرصة لإعادة تقييم الذات. ويؤكد أن الفنانين المغاربة تحديدا، استخدموا الجائحة كموضوع لتجاربهم الفنية، وقدموا أعمالا تعكس محاولاتهم للتفاعل مع هذا الواقع الجديد، من بينهم أحمد جاريد ومحمد بوعبيد.
ويمضي الكتاب في مناقشة الأبعاد الفلسفية والنقدية للجائحة، مستندا إلى أفكار فلسفية وجودية، مثل تلك التي قدمها سارتر وميرلوبونتي، لبحث مفهوم الحرية والحتمية في ظل القيود التي فرضتها الجائحة. ومن هنا، يرى المؤلف أن العزلة الإجبارية ليست فقط قيودا جسدية، بل هي دعوة للتأمل وإعادة صياغة العلاقة مع الذات والعالم، كما يؤكد أن الجائحة أظهرت هشاشة النظام النيوليبرالي وأجبرته على مراجعة أولوياته.
ويكرم الكتاب أيضا عددا من المبدعين الذين رحلوا خلال الجائحة، مثل نور الدين الصايل، أحد أبرز رواد السينما المغربية، ومحمد المليحي، الفنان التشكيلي المعروف بأعماله التجريدية. ويقدم المؤلف قراءات تحليلية لأعمال هؤلاء المبدعين، مسلطا الضوء على إسهاماتهم الفنية والفكرية، ومبينا كيف عبرت أعمالهم عن التحولات الاجتماعية والثقافية. ويشير الكتاب إلى أن الجائحة أظهرت هشاشة العالم، ليس فقط على المستوى الصحي، بل أيضا على المستويات الاجتماعية والاقتصادية. ويرى أن الفنون لعبت دورا محوريا في توثيق هذه الفترة العصيبة من تاريخ البشرية، حيث استطاع الفنانون التعبير عن مشاعر الخوف والقلق، وأحيانا الأمل. ومن خلال الأعمال التشكيلية والسينمائية، صور الفنانون لحظات الأزمة بأسلوب مبتكر يبرز المعاناة الإنسانية.
ويناقش الكتاب تجارب الفن التشكيلي التي تناولت موضوع الجائحة، مشيرا إلى تنوع الأساليب والرؤى التي استخدمها الفنانون للتعبير عن تأثير الجائحة على حياتهم ومجتمعاتهم. كما يتناول تأثير الجائحة على الصناعة السينمائية، حيث توقف العديد من المهرجانات، وتم تأجيل إنتاج الأفلام، في حين أن بعض الأفلام استبقت الجائحة بتناول موضوع الأوبئة، كإشارة إلى هشاشة العالم.
ومن ثم، يقدم المؤلف تأملات عميقة حول التغيرات التي أحدثتها الجائحة على الصعيدين الفردي والجماعي، مشددا على أهمية الإبداع كوسيلة لفهم الأزمات ومواجهتها، ما يجعلنا نخلص إلى أن الكتاب يعدّ شهادة فنية وفكرية عن فترة استثنائية في تاريخ البشرية، حيث يجمع بين التأريخ والنقد والتأمل الفلسفي، ليقدم رؤية شاملة لتأثير الجائحة على الحياة الإنسانية.

*كاتب مغربي








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي