لوفيغارو: سقوط بشار الأسد يخلط الأوراق في لبنان

2024-12-27

يكمن الخطر، بحسب جوزيف باحوط، في أن يصبح لبنان مرة أخرى مسرحا للعبة جديدة من النفوذ الإقليمي في حال لم تستقر سوريا بسرعة (أ ف ب)تحت عنوان “سقوط بشار الأسد يخلط الأوراق في لبنان”، قالت صحيفة لوفيغارو الفرنسية إن هذا البلد منقسم بين الشعور بالارتياح لرؤية نهاية النظام القمعي في دمشق، والقلق بشأن زعزعة استقرار جديدة.

وأضافت الصحيفة الفرنسية أنه إذا كان سقوط بشار الأسد بمثابة زلزال على نطاق الشرق الأوسط، فإن توابعه الأقوى ستكون على لبنان، إذ إن مصير البلدين الجارين مرتبط منذ عقود، فمنذ أن حصل البلدان على الاستقلال في منتصف القرن العشرين، حتى قبل وصول حافظ الأسد إلى السلطة، توترت العلاقات بينهما.

ولعب النظام السوري دوراً مركزياً وقمعياً في كثير من الأحيان في لبنان، خاصة منذ الحرب الأهلية عام 1975، حيث كان حليفاً أو عدواً أو منافساً لمختلف الفصائل اللبنانية. وأدّت هذه العقود من عدم الثقة والتدخلات إلى تراكم الاستياء لدى جميع الطوائف اللبنانية. لكن إغلاق هذه الدورة التاريخية الطويلة يفتح مجالاً من المجهول، مع ثابت جيوسياسي يُعبَّر عنه في مقولة: “إذا عطست في دمشق أصيب لبنان بالبرد.”

وتتابع صحيفة لوفيغارو نقلا عن جوزيف باحوط، مدير مركز IFI في الجامعة الأمريكية في بيروت، قوله إنه من الناحية النظرية، حتى لو كان لهذه الاضطرابات مذاق مرير لأنها نتيجة للهجوم القاتل غير اللائق الذي قام به بنيامين نتنياهو، فهي اللحظة المثالية التي يمكن لمختلف الأحزاب اللبنانية اغتنامها لتوحيد البلاد التي تواجه تحديات هائلة. أما عملياً، فإننا نشهد اللعبة المعتادة المتمثلة في التموضع على الساحة الداخلية معتمداً على الدعم الخارجي.

ويكمن الخطر، بحسب جوزيف باحوط، في أن يصبح لبنان مرة أخرى مسرحا للعبة جديدة من النفوذ الإقليمي في حال لم تستقر سوريا بسرعة.

فهناك شيء واحد مؤكد – تتابع صحيفة لوفيغارو- وهو أن نهاية نظام الأسد، على المدى القصير، ستوجه ضربة جديدة لحزب الله الذي أضعفته بالفعل الحملة العسكرية الإسرائيلية، والتي أدت إلى اتفاق وقف إطلاق نار دخل حيز التنفيذ في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

واعترف الأمين العام للحزب نعيم قاسم في أول خطاب له بعد الحدث بأن “خطوط إمداد جماعته قد انكسرت”، في إشارة إلى نقل الأسلحة الإيرانية براً عبر نقاط العبور الحدودية العديدة بين سوريا ولبنان. وهذا الموقع الاستراتيجي هو الذي دفع الحزب الشيعي إلى تقديم الدعم العسكري للأسد عندما تعرضت سلطته للتهديد عام 2011.

وكان التدخل حينها حاسماً بالنسبة للنظام، ولكنه كان مكلفا في كثير من النواحي للحزب اللبناني. ومن الآن فصاعدا، يؤكد نعيم قاسم أن الأمر متروك للسوريين لاختيار قادتهم. “من الناحية العملية، يظهر حزب الله جديد، ويعيد التركيز على السياسة اللبنانية الداخلية”، كما يحلل حسين أيوب، مضيفاً أن عوامل عدة ستحدد مصير سلاح حزب الله، وهو موضوع مركزي على الساحة اللبنانية.

وكرر نعيم قاسم التزامه بسحب أي وجود مسلح جنوب نهر الليطاني، بعد أن بقي الأمر شمال هذا الخط مرهونا بالحوار الوطني. ويوضح حسين أيوب: “يصبح السؤال أكثر حساسية لأن سقوط الأسد يثير مخاوف جديدة”. لجأ عشرات الآلاف من الشيعة السوريين المقيمين في المناطق الحدودية إلى لبنان في الأيام الأخيرة، وتنتظر الطائفة ككل فهم الوضع الطائفي الإقليمي الجديد. وقد أدى سقوط صدام حسين عام 2003 إلى تحول في السلطة العراقية نحو الشيعة. فهل يمثل حكم الأسد هيمنة سنية على كل سوريا، أم أننا نتجه نحو التفكك حول الأقليات المختلفة؟ لا شيء واضح بعد”، يقول أيوب.

لكن المشهد السني نفسه ليس متجانسا – توضح صحيفة لوفيغارو – وينعكس الشعور بالنشوة المرتبطة بسقوط الأسد في عدد من المظاهرات في المدن السنية الرئيسية في لبنان، وخاصة في الشمال. كما أنها مصحوبة ببعض المخاوف بشأن الارتفاع المحتمل في التطرف الإسلاموي القادم من أنصار ما يسمى بالإسلام “المعتدل” الذي يُعدّ سعد الحريري وصيا عليه، على الرغم من وجوده في المنفى في الإمارات العربية المتحدة.

وكان الزعيم الدرزي وليد جنبلاط أول من أعلن عن رغبته في التوجه إلى دمشق للقاء أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، الذي هنأه هاتفيا على “انتصاره على طغيان عمره 54 عاما”. ويقاطع وليد جنبلاط النظام السوري منذ عام 2011، وتعقدت علاقاته معه منذ اغتيال والده كمال جنبلاط عام 1977، والذي نسبه إليه. ويؤكد حسين أيوب، “أنه يلعب دوراً متوازناً أكثر من أي وقت مضى، لأن الوضع الجغرافي للدروز معقد للغاية”.

وعلى الجانب المسيحي، كانت ردود الفعل معقدة بنفس القدر، حيث “يهيمن الارتياح الناتج عن التخلص من النظام البغيض، ولكن يخفف منه القلق من موجة إسلامية جديدة طالما أن التحول الذي أظهره (الرجل القوي الجديد الجولاني) لم يتم تأكيده”، يوضح جوزيف باحوط. فسياسياً، تأمل القوى المعارضة لمحور “حزب الله – دمشق – طهران” قبل كل شيء، في الاستفادة من انقلاب ميزان القوى الإقليمي، مع قناعة بأن ذلك يجب أن ينعكس على لبنان من خلال شخصية رئيس الجمهورية المقبل، وهو منصب مخصص للمسيحيين حسب العرف، شاغر منذ أكثر من عامين.

واعتبرت صحيفة لوفيغارو أن انعقاد الجلسة النيابية لانتخاب رئيس الدولة في التاسع من يناير/ كانون الثاني المقبل سيكون بمثابة اختبار أول لعملية إعادة التشكيل الجارية في لبنان.

 








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي