هآرتس: الجيش الإسرائيلي قدم للحكومة صور نصر لكنها مشغولة بالهجوم على إيران

صحافة اسرائيلية
2024-10-25

رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو (يسار) يلتقي بوزير الدفاع يوآف جالانت (وسط) وقادة عسكريين في مقر جيش الدفاع الإسرائيلي في تل أبيب لإجراء تقييم أمني في 8 أكتوبر 2023. (مكتب رئاسة الوزراء الاسرائيلي))إن سلسلة النجاحات العملياتية الأخيرة التي سجلتها إسرائيل، كان يمكن أن تمكنها من عرضها كسلسلة صور نصر، وتمهد الأرض لاستراتيجية خروج من الحرب الإقليمية. فالمس الممنهج بحزب الله، وقتل معظم قادة حزب الله وحماس وتدمير البنى التحتية العسكرية في جنوب لبنان، والاضرار العسكري بحماس في قطاع غزة – كل ذلك يعكس ترجيح الكفة لصالح إسرائيل بعد سنة وأكثر على حرب قاسية وباهظة الثمن.

عمليا، يبدو أن العكس بالضبط هو الذي يحدث، فإسرائيل تصمم على مواصلة الغرق في وحل غزة ولا تعمل حقا من أجل الدفع قدما بصفقة التبادل رغم التقديرات التي سُمعت بعد موت زعيم حماس يحيى السنوار.

أما في لبنان فرغم أن الجيش يسعى إلى انهاء العمليات إلا أن الحكومة لا تظهر أي إشارة على أنها تنوي تبني أي تسوية سياسية قريبا. وعشية العيد قتل أربعة جنود من لواء المشاة في الاحتياط في مواجهة مع رجال حزب الله قرب الحدود، وأمس قتل جندي آخر. وفي صليات الصواريخ على الشمال أصيب مواطن بإصابة بالغة وصفارات الإنذار وصلت خلال العيد أيضا إلى مركز البلاد. ونحن بعد، لم نتحدث عن جولة اللكمات البالستية المتوقعة بين إسرائيل وايران في الأيام القريبة القادمة. الورطة تستمر بدرجة كبيرة بسبب حلف غير مقدس للمصالح التي كانت بدايتها في الخطأ الأول، وهو تشكيل الحكومة الحالية في كانون الأول 2022.

التحقيقات ضد بنيامين نتنياهو بدأت في عام 2017 وبعد خمس سنوات من ذلك كان وضعه بائسا إلى درجة أن يراهن على شراكة اعطى فيها لرؤساء الحزبين من اليمين المتطرف، قوة يهودية والصهيونية الدينية، مكانة حاسمة في الائتلاف ومناصب رفيعة في الحكومة والكابينت. أيضا الأحزاب الحريدية عرفت أنه يمكنها الحصول منه على كل ما تريد.

مصير الـ 101 مخطوف، المحتجزين في ظروف فظيعة في أنفاق غزة، هو موضوع على كفة الميزان، ولكن بالنسبة للائتلاف هناك أمور ملحة أكثر، فكل واحد له مصالحه. نتنياهو وعائلته غارقون في الحاجة إلى تعديل “الفترينا” في بيتهم في قيساريا التي تضررت بسبب المُسّيرة التي اطلقها حزب الله. اليمين المتطرف يدفع قُدما بإعادة الاستيطان في قطاع غزة. بالنسبة للحريديين فإن المهم لهم هو تمرير قانون الاعفاء من الخدمة (العسكرية)، ومهم للجميع السيطرة على ميزانيات ضخمة على حساب احتياجات الجمهور الواسع. كل الاحتياجات الحزبية هذه تدفع إلى أسفل سلم أولويات الأمور الملحة حقا وهي انقاذ المخطوفين وإعادة سكان الشمال إلى بيوتهم وترميم غلاف غزة وتخفيف العبء عن الجنود في الخدمة النظامية وفي الاحتياط. الائتلاف بكل مكوناته يرد على هذه الطلبات باستخفاف كبير، فبعد المذبحة في 7 أكتوبر من السنة الماضية كان يبدو أن الأرض ستهتز، وأن كل ما اتفقنا بشكل ما على تحمله لا يمكن تحمله بعد الآن. لقد مرت سنة وبضعة أسابيع والحكومة عادت لتركز على شؤونها، البعض بالدفع قدما بالانقلاب النظامي، والبعض برحلات مشكوك فيها إلى الخارج. أما بشأن إنشاء لجنة تحقيق رسمية وهي الخطوة الوحيدة المطلوبة اذا تم الأخذ في الحسبان حجم الكارثة، فإنه بات من المعروف أنه لا يوجد أي شيء نتحدث عنه بشأن تلك اللجنة.

بالنسبة لهيئة الأركان مشكوك فيه اذا كان من الممكن التوصل إلى موقف تفوقٍ (ميداني)، أكثر وضوحا في الحرب. ربما من هنا يمكن فقط أن نهدأ. اللقطة القريبة لجثة السنوار بين انقاض المنزل في رفح واللقطة البعيدة للرافعة التي تخرج جثة حسن نصر الله من بين انقاض المخبأ تحت الأرض في بيروت، قدمت صور رمزية للنصر، ولها أيضا معنى واهمية معينة. ولكن صور النصر الحقيقية، اذا تحققت، لن تتحقق إلا عندما يعود المخطوفون والجثث إلى عائلاتهم، وعندما يتمكن سكان البلدات على الحدود الشمالية من العودة إلى بيوتهم، وتتم إعادة اعمار حقيقية للبيوت في كيبوتسات بئيري ونير عوز وكفار عزة.

في الشمال وفي الجنوب يجد رئيس الأركان هرتسي هليفي ووزير الدفاع يوآف غالنت نفسيهما في موقف متدني في الخلاف مع نتنياهو. عندما يشير رئيس الحكومة بأنه ينوي الاستمرار حتى النهاية فما الذي يعنيه ذلك في الواقع؟ هل يقصد إعادة احتلال جنوب لبنان حتى نهر الليطاني؟ هل سيستمر في الضغط العسكري في القطاع إلى حين موت آخر المخطوفين؟. مصر اقترحت هذا الأسبوع حلا وسطا، لا تبدو فرصته كبيرة، بشأن اطلاق سراح عدد من المخطوفين مقابل وقف اطلاق النار لمدة أسبوعين. لكن من بقوا في قيادة حماس في القطاع، الذين ما زالوا مقيدين بشروط المفاوضات التي أملاها السنوار، لا يسارعون إلى تبني هذا الاقتراح. ويوم الاحد سيتم في قطر استئناف المحادثات بعد توقف لمدة شهرين مع دول الوساطة حول صفقة التبادل، لكن فرصة التقدم ما زالت ضئيلة.

في الطرف الإسرائيلي الصورة لا تختلف كثيرا عما هي في غزة، حيث أن الوزراء ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش أيضا غير مستعدين لاعادة أي سجين فلسطيني مقابل المخطوفين. بالنسبة لهما الحرب ستستمر مع الوعد العبثي بتحرير جميع المخطوفين بالقوة. بالفعل، بهذه الشروط أيضا نحو نصف المخطوفين الذين ما زالوا على قيد الحياة سيموتون في الانفاق وفي عمليات القصف الإسرائيلية، أو أن يقتلوا على أيدي آسريهم. وربما هذا هو القصد. هكذا بالتدريج، سيتم حل المشكلة من تلقاء نفسها دون أن يطلب من حكومة اليمين المتفاخرة تقديم أي تنازلات أخرى.

بدون وقف اطلاق النار وبدون تحرير المخطوفين مقابل السجناء لن تكون هناك أي تسوية دولية تحدد جوهر اليوم التالي في غزة. الشركاء المحتملون، الامارات والسعودية ومحمد دحلان ورجاله والسلطة الفلسطينية، لن يكونوا في غزة بدون اتفاق يدفع حماس إلى الزاوية ويشمل اعترافا رمزيا بحلم الدولتين. ولأن نتنياهو لا يريد أن يعطي أي موطئ قدم للسلطة أو حتى لمحمد دحلان، الذي يحظى برعاية دولة الامارات، هذا ليس السيناريو المقلق بشكل خاص من ناحيته. الخسارة الوحيدة بالنسبة له تكمن في فقدان احتمالية عقد صفقة التطبيع مع السعودية، لكن يبدو أنه في الأصل يأمل بفوز دونالد ترامب في الانتخابات الامريكية بعد أسبوع ونصف على أمل أن يستأنف المحادثات مع الرياض.

صفقة التبادل ستكون جزء من خطة النهاية- حتى لو بشكل مؤقت – للقتال في الجنوب، وستؤثر أيضا على تهدئة القتال في الشمال. ولكن رئيس الحكومة كالعادة هو شخص تابع أكثر من أن يكون شخصا مبادرا. تنتظرنا حرب استنزاف سيقُتل فيها الجنود (الإسرائيليون) كل يوم في لبنان وفي قطاع غزة. أيضا على الجبهة الدولية سيحدث تدهور اذا هددت الدول الغربية إسرائيل بفرض عقوبات في مجلس الأمن وفرضت اتفاقا احادي الجانب سيمنع إسرائيل من استخدام أي من الإنجازات العملياتية. شركاء نتنياهو في اليمين المتطرف توجد لهم خطط أكبر مثل طرد الفلسطينيين من شمال القطاع، وإقامة مستوطنات في المنطقة التي سيتم اخلاؤها، وربما بعد ذلك طرد المزيد من الفلسطينيين في جنوب القطاع. وكل ذلك لا يمكن تحقيقه بواسطة إعادة المخطوفين وانهاء الحرب.أما في القطاع فإن تحقيق أحلام اليمين المتطرف يمر في العملية الأخيرة للجيش الإسرائيلي في مخيم جباليا. وما يعرضه الجيش كجهد لاجتثاث البنى التحتية لحماس التي نمت في هذا المخيم من جديد، يشمل آخر جانب مظلم أكثر، هو دفع المدنيين نحو الخارج. الهدف النهائي، طبقا لـ “خطة الجنرالات” التي ينفي الجيش تبنيها، هو اخلاء السكان بالقوة نحو جنوب القطاع، إلى خلف ممر نتساريم الذي احتله الجيش الإسرائيلي في بداية الحرب. وحتى الآن فإن السكان الفلسطينيين يرفضون الرضوخ لهذه التهديدات.

نتنياهو، في لقائه هذا الأسبوع مع وزير الخارجية الأمريكي، وعد الضيف بأنه لا توجد أي عملية كهذه. لكن عمليا، شوشت إسرائيل خلال أيام طويلة على ادخال أي مساعدات إنسانية إلى تلك المنطقة من أجل جعل السكان الفلسطينيين يخرجون منها. وفقط بضغط كبير من أمريكا تم استئناف ادخال المساعدات بشكل جزئي.

قبل 14 سنة حاولت مجموعة من المتطرفين في الجيش الإسرائيلي القاء اللوم على يوآف غالنت- الذي كان في حينه مرشحا لرئاسة الأركان- بشأن ارتدادات الوثيقة المزورة في قضية هرباز، والتي شلت القيادة العليا في جهاز الأمن لبضع سنوات. المفارقة الموجودة الآن هي أن بعض المشاركين في هذه القضية يدفعون بقيادة الجنوب خطوات لتطبيق خطة الجنرالات. والفوضى التي هم و”غيرهم” يمكن أن يجروا اليها الدولة والجيش ستكون أكثر خطورة وبدرجة لا تقدر من هذه تلك القضية التي صارت في خانة النسيان، فغالنت، الذي يتولى الآن منصب وزير الدفاع، يمكن أن يجد نفسه متورطا بشكل أكبر في (محكمة) لاهاي بسببها. بالمناسبة، الإجراءات القانونية في المحاكم الدولية تقترب من إعادة التحريك، وربما حتى قبل موعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.

ومع نتنياهو في دور العراب، فإن الحرب في قطاع غزة تحصل على غطاء إيماني أكثر مما هو استراتيجي. الاحاديث عن النصر المطلق والحرب الخالدة، والآن تغيير حدود القطاع كعقاب للفلسطينيين على مذبحة 7 أكتوبر، ليست أحاديث فارغة. يوجد هنا مضمون ديني أيديولوجي عميق، يستند إلى أبعاد زمنية مختلفة وعالم قيم بديل للمنظار الذي رأت إسرائيل الرسمية من خلاله الحروب السابقة.

الشهادة الأخيرة على الحروب الثقافية التي تجري على هامش المعارك العسكرية تم تقديمها عشية العيد، عندما احتج الجيش بشكل رسمي على فيلم دعاية للقناة 14، الذي استهزأ برئيس الأركان. هرتسي هليفي، بدا مصمما على إزالة شعارات تحمل كتابات “مسيحانية” لطائفة حباد، حول الزي العسكري للجنود الذين التقى معهم في جولاته الميدانية. قناة بيبي التي تتفاخر بطرح نفسها بأنها قناة وطنية، تخوض منذ سنوات معركة لاضعاف الجيش. وهذه المعركة اشتدت بعد المذبحة في الغلاف واضيف اليها هدف هام جديد وهو إلقاء كل المسؤولية عن المذبحة على جهاز الامن (الذي ذنبه معروف) بهدف تطهير رئيس الحكومة من المسؤولية. هذه هي نفس القناة التي تواصل باستمرار تسويق صورة نصر متخيلة لجمهور مشاهديها، مع طمس غير مريح للحقائق حول الحرب، وحتى إخفاء الانباء السيئة عن موت الجنود.

تصميم رئيس الأركان هو حالة نادرة نسبيا، يستخدم فيها هرتسي هليفي صلاحياته مع مرؤوسيه في القطاع. عمليا، فان هيئة الأركان وقيادة المنطقة الجنوبية يجدون صعوبة في السيطرة على الانضباط العملياتي لدى الجنود. الحديث لا يدور عن حالة شاذة بل عن سياسة، كانت في مرات كثيرة تنمو من الأسفل، وتتضمن أوامر متساهلة في فتح النار وقتل المدنيين وتدمير البنى التحتية والبيوت، حتى في حالات لا تكون فيها حاجة إلى ذلك. وأيضا فإن انشغال الجيش والشرطة المتردد في قضية التنكيل بالأسرى(الفلسطينيين)، وفي اعقاب ذلك اقتحام زعران اليمين المتطرف لقواعد الجيش الإسرائيلي، يعكس التدهور السريع لسلطة القانون والنظام على خلفية الحرب. في بعض الحالات ظهر وكأن الجيش حتى لا يدرك دوره الناشط في ذلك، فبعد موت السنوار علّق القادة في رفح لافتة قرب البيت الذي قتل فيه، موجهة لشعب إسرائيل وكتب فيها بأن “كل الجيش الإسرائيلي يتفاخر باعطائكم هدية في العيد رأس الفأر، السنوار”.

إن هذا السلوك الغريب لوسائل الاعلام المؤيدة لبيبي يندمج مع ظواهر أخرى تثبت لنا أنه بالتأكيد يمكن أن يكون لدينا الامرين: حرب أبدية وأيضا تآكل مستمر للديمقراطية. هذا ما حدث أيضا بعد محاولة اغتيال نتنياهو من قبل حزب الله بواسطة مسيرة ضربت نافذة غرفة نومه في بيته في قيساريا. اقوال الوزيرة ميري ريغف في جلسة الكابنت وكأن المتظاهرين “جاءوا لفعل ما لم ينجح حزب الله في فعله”، هي أقوال ليست صدفة، بل من المرجح أنها جاءت بترتيب مسبق، إذ أن عائلة نتنياهو ستحاول الحصول من هذه الحادثة (محاولة الاغتيال) ليس فقط على تعويضات مبالغ فيها وبسرعة، بل ستحصل أيضا على طبقة حماية أخرى لمنازلها الكثيرة، وعلى القيود التي سيفرضها الشاباك والشرطة على مظاهرات الإسرائيليين قرب هذه المنازل. وهكذا، أكثر فأكثر تتصرف إسرائيل وكأنها جمهورية موز، ولن يكون غائبا أيضا عامل آخر في نظام كهذا، وهو العبء الكبير على الاقتصاد، والتأثيرات السلبية بعيدة المدى التي ستلقي بظلها على الوضع الاقتصادي.

 









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي