القدس العربي : لماذا تستعجل إسرائيل برفع العلم في مارون الراس؟

2024-10-10

قصف اسرائيلي على جنوب لبنان (أ ف  ب)تقصّدت قوات الاحتلال الإسرائيلي إحداث ضجة إعلامية أول أمس الثلاثاء، من خلال بثها صورة لجنود قالت إنهم رفعوا علم الدولة العبرية في قرية مارون الراس في جنوب لبنان. تبيّن لاحقا إن الجنود كانوا موجودين في «الحديقة الإيرانية» وهي متنزه على أطراف القرية، كما تبع ذلك إعلان عن انسحابهم مجددا خارج الحدود.
سبق لجنود إسرائيليين أن توغّلوا في القرية نفسها قبل أسبوع حيث قاموا بعمل رمزيّ آخر وهو تدمير مجسم للأقصى بُني قبل 12 عاما ودشنه حينها الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد، وأصبح بعدها نقطة لتجمع قوات «حزب الله» وموقعا لإصدار البيانات العسكرية، وكان ذلك المجسم، حسب تصريحات المستوطنين الإسرائيليين، وخصوصا في مستوطنتي يارون وأفيفيم، يثير الرعب في صفوفهم!
تعيد المناوشات الأخيرة التي جرت في مارون الراس التذكير بالمعارك التي وقعت عام 2006 في القرية الجنوبية نفسها وقاتلت فيها قوات النخبة من الجانبين وقد أدت تلك الاشتباكات الى مصرع ثمانية جنود إسرائيليين، ورغم زجها بآلاف الجنود بعد ذلك فإن إسرائيل لم تستطع أن تؤمن القرية الصغيرة تماما أو تتمكن من تحقيق أهدافها بالدخول بحدود 5 إلى 8 كيلومترات في الحدود اللبنانية.
للأسباب المذكورة، يبدو حدث إعلان رفع علم إسرائيل في مارون الراس تعبيرا عن هستيريا وجرح نرجسي مرتبط بتلك الأحداث التي كانت نقطة تحوّل في تاريخ ذلك الهجوم الإسرائيلي الذي أدى إلى قرار أودي آدم قائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي آنذاك، منع الهجوم على القرية «لأنه يمكن لمحمية طبيعية ابتلاع كتيبة بأكملها».
تناظر حدث رفع العلم في مارون الراس مع تصريحات تظهر الخلاف المتواصل بين بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية، ويؤاف غالانت وزير الحرب، على إدارة الحرب في غزة ولبنان والضربة المتوقعة على إيران، ففيما أسرع الأول إلى التأكيد على تصفية هاشم صفيّ الدين، أهم الأسماء لخلافة حسن نصر الله، الأمين العام الراحل لـ«حزب الله» وكذلك على «خليفة خليفته» تحدث الآخر عن احتمال ذلك، ثم خرج الناطق باسم الجيش للقول إنه لم يتأكد بعد من نجاح الاغتيال، وتبع ذلك منع نتنياهو لغالانت من السفر لأمريكا.
وفيما كان نتنياهو وغالانت يتسابقان على إعلان اغتيال مجمل قيادات الحزب اللبناني، وعلى أنه صار جماعة مكسرة منهكة وبدون قيادة كان الحزب يمطر حيفا وصفد وتل أبيب بمئة صاروخ، ويصد التوغل البري في القطاع الشرقي للجبهة، فيما أعلن جيش إسرائيل عن سقوط 30 من جنوده جرحى على الجبهة الجنوبية خلال 24 ساعة.
كان زعيم «حزب الله» الراحل قد اعترف بالضربات الأمنية الكبيرة التي تلقاها الحزب، غير أن اغتياله هو نفسه، واستمرار الضربات التي تتلقاها الجماعة أثبتت وجود عطب كبير، واختراق إسرائيلي هائل لمنظومات الاتصال والقيادة والأمن، ويمكن أن ينسحب هذا على منظومة الاتصال للنظام السوري، وصولا ربما إلى العراق وإيران.
كشفت الأحداث الأخيرة إذن عن جزء من الاختراقات الكبيرة التي قامت بها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، ويؤشر ذلك إلى تغيّر كبير تريد تل أبيب تأكيده وهو أن حرب 2024 لن تكون مثل حرب 2006، غير أن ما حصل في الأيام القليلة الماضية من تصد متكرر لتوغلات إسرائيل، واستمرار قصفها بالصواريخ، يشير أيضا إلى أن القاعدة العسكرية للحزب تستخدم منظومة اتصالات لم تنجح إسرائيل في اختراقها، وأن لديها إمكانيات عسكرية لإحداث أذى كبير بقوات الاحتلال، وهو ما يفسّر استكمال نتنياهو تصريحاته بالقول إن الجنوب اللبناني أصبح مستودع ذخيرة وأنه تحول إلى قلعة.
لا يمكن طبعا البناء على معطيات الأيام القليلة الماضية وحدها لكن الواضح أن تسرّع إسرائيل في انتقامها من مجسم الأقصى لن يعيد نازحيها قريبا، وأن عليها ألا تتعجل بإعلانات رفع العلم على مارون الراس.
ما يمكن قوله أيضا لـ«حزب الله» هو أن الصمود أمام قوة الاحتلال الإسرائيلية الغاشمة ليس معطى عسكريا فحسب، وهنا أيضا يظهر الفارق بين 2006 و2024، ورغم أن الظرف قد لا يسمح بمراجعات سياسية كبرى، لكن الأكيد أن عليه أن يقارن بين حربه السابقة التي كانت مدعومة بجبهة داخلية لبنانية عريضة، فيما أن حربه الحالية التي تحصل في وقت تعاني فيه البلاد من فراغ رئاسي، وتسيّرها حكومة تصريف أعمال، في ظل أوضاع اقتصادية شديدة البؤس.









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي