
اختار الشيخ نعيم قاسم، أمين عام «حزب الله» اللبناني، توقيت خطاب طويل له، أول أمس الثلاثاء، ليسبق اجتماع مجلس الوزراء في اليوم نفسه. بدا الأمر مثل هجوم استباقي يقوم بنزع حجج الحكومة على أمل انكفائها عن إعلان قرار نزع سلاحه.
بدا خطاب الشيخ قاسم خارجا عن سياقه ومنتميا إلى زمن مضى، سواء ما تعلّق منه بتهديد إسرائيل بإسقاط «كل الأمن» الذي بنته منذ ثمانية أشهر باستخدام الصواريخ التي يفترض أنها سلّمت للجيش اللبناني، أو بإعلان الحزب لاحقا، أنه سيتعامل مع قرار تجريده من السلاح «كأنه غير موجود».
يذكر اللبنانيون، طبعا، كيف تعامل الحزب، مع حدث أقلّ بكثير من القرار الأخير، حين أعلنت الحكومة اللبنانية عام 2007 شبكة اتصالاته الهاتفية غير شرعية، وأقالت قائد أمن مطار بيروت، فتعامل مع القرار على أنه «إعلان حرب»، وقام في 7 أيار/ مايو 2008 بالسيطرة على بيروت وفرض إلغاء القرار على الحكومة.
يشير امتناع الحزب عن تصعيد مشابه إلى اختلاف واضح في الظروف وموازين القوى، وكان حصيفا أن تحسّبت الدولة اللبنانية، على أي حال، لاحتمالات التصعيد، فنفذ جيشها انتشارا واسعا في العاصمة، واعتمد بذلك تكتيك اعتاد الحزب استخدامه للضغط على الدولة والقوى السياسية، عبر نشر عناصره في مختلف مناطق بيروت وضمن شوارعها وأحيائها.
تثير التهديدات التي أطلقها الشيخ قاسم ضد إسرائيل، تساؤلات بدورها، حول حكمتها، أو مناسبتها لأوضاع لبنان، الذي تسعى حكومته إلى (ويأمل مواطنوه، بغض النظر عن ولاءاتهم السياسية) حل الأزمات الطاحنة، السياسية والاقتصادية والأمنية التي تضرب جذورها عميقا بسبب عقود من الفساد والوصاية، وهو حل لا يمكن أن ينطلق قبل بسط سيادة الدولة على البلاد، ووقف الاعتداءات الإسرائيلية وإخراج الجيش الإسرائيلي من التلال المحتلة.
إضافة إلى الحديث عن إمكانية عودة الحزب إلى الحرب الشاملة، واستخدام صواريخ تدمّر «أمن الكيان» الإسرائيلي، سرد الشيخ قاسم خلال خطابه حديث الورقة الأمريكية عن وجود أسلحة بيولوجية وكيميائية لدى الحزب، وهو اتهام أمريكي يذكّر بالمزاعم الخطيرة حول حصول إيران على سلاح نووي (كما يذكّر بحكاية «أسلحة الدمار الشامل» العراقية التي كانت الحجة الكاذبة لاحتلال العراق)، وكان الأجدر بأمين عام «حزب الله» تجاهل هذه الاتهامات، وعدم الانسياق إلى «ترند» البروباغاندا الحربية التي كلّفت اللبنانيين والعرب، أثمانا باهظة.
حسب مصادر لبنانية فإن الحكومة تسلمت ورقة أمريكية معدّلة تتضمن خطة عمل تمتد على 120 يوما، تبدأ مع إعلان الحكومة حصر السلاح، تتبعها ثلاث مراحل يتم فيها سحب السلاح من جنوب وشمال نهر الليطاني وأخيرا من البقاع وبيروت، ويمهد ذلك لفتح ملف ترسيم الحدود البرية.
يشير خطاب الشيخ قاسم، وتصريحات الحزب اللاحقة، كما تصريحات حليفته حركة «أمل»، إلى توجّه للتصعيد السياسيّ، غير أن «صرف» هذا التصعيد السياسيّ بـ»العملة الحربية» أمر قد يكون مستبعدا، فما دامت الظروف وموازين القوى، الداخلية والإقليمية قد تغيّرت، فالأجدر بالحسابات أن تتغيّر أيضا، لأن أكلاف الأخطاء السياسية الكبيرة سيدفعها اللبنانيون، من جديد، وليس الحزب فحسب.