ليست عراقة التاريخ فحسب هي ما يميز صناعة العود السوري الذي يُعد من أهم الأنواع التي تضمنتها مدرسة العود العربي، بل هناك أيضا إصداره الكثير من النغمات التي تجعله مختلفا عن غيره، وجمعه بين عدة أنواع من النغمات؛ ولذلك حظي بإقبال مكثف من قبل هواة هذه الآلة الشرقية الوترية، وحقق لصانعيه المزيد من الربح، وفقًا ل العرب.
وصناعة العود السوري بهذه المواصفات تطلبت مهارات كثيرة من المعرفة العميقة بعلم الموسيقى، وتعلم عدة حرف كالموزاييك والصدف والنجارة والبخ؛ لأنها ستستخدم في صناعة العود.
براعة الحرفيين السوريين في صناعة وتطوير هذه الآلة ورثها الأبناء عن الآباء، كما نجد ذلك عند شيخ كار وفراس السلكا، الذي جعله حبه وشغفه بالعود يعمل على ابتكار جديد صُمم لأول مرة في العالم وهو العود النحاسي، والذي أنجزه بإتقان ويتميز بصوت له رنة معدنية جديدة (ميتاليك). وقد وصف الصوت الناتج عن العود النحاسي بأنه مزيج من صوت حنين الخشب ورنين صدى صوت النحاس لإخراج صوت مميز.
وأكد السلكا لوكالة الأنباء السورية (سانا) أن العود يُعتبر ملك الآلات الموسيقية الشرقية، ويحمل في طياته تراثًا ماديًا وغير مادي يعكس تاريخ أمة بأكملها.
وابتكر الحرفي السلكا شكلاً انفرد به هو، وذلك بتصميم طاسة العود بسماكة تتراوح بين 3 و5 ملم، قام بحفرها يدويا وتصديفها ليشكل مظهراً جمالياً جديداً لا مثيل له، قادراً على الوصول إلى ثلاثة مناح لا يمكن تحدي العود من بعدها في الحجم والصوت والزخرفة.
ويعيد السلكا نجاحه في تصميم هذا الابتكار إلى أنه حرفي سوري ورث الكار من أساتذة كبار، معرباً عن اعتزازه بصناعة العود كآلة مشهورة عالمياً وموضوعة على لائحة التراث اللامادي العالمي.
وفي مجال صناعة العود فإن أكثر ما يتباهى به السلكا صناعة العود الصدفي الذي يعتبر من أغلى وأجود وأجمل أنواع الأعواد، حيث استطاع دمج حرفتي الصدف والموزاييك في هذه الصناعة باستخدام مختلف أنواع الأخشاب، وخاصة الغوطاني، وصمم أعواداً بمختلف النقوش والأشكال والأحجام بحيث يلبي طلبات جميع الراغبين في اقتناء آلة العود.
وعن تاريخ صناعة العود الدمشقي قال السلكا إنها من أعرق الصناعات السورية، حيث يعتبر حنا النحات وعائلته من أبرز العائلات التي صنعت العود بدءاً من عام 1880. وأضاف السلكا أن “هناك العديد من العائلات والأشخاص الذين اشتهروا بصناعة العود كعائلة خليفة وعائلة الكبة، وهناك أشخاص مهمون جداً في صناعة العود كإبراهيم سكر وحافظ سليمان وحسين سبسبي”، لافتا إلى أن “سكر، وهو مهندس ميكانيك، أول من أسس معملا وورشة لصناعة العود”.
وأشار إلى أن “دمشق هي عاصمة صناعة الآلات الموسيقية الشرقية في العالم العربي بلا منازع، كالعود والرق والدف، والتي يتم تصديرها بكميات كبيرة إلى معظم أنحاء العالم”.
وذكر السلكا أنه “لا يوجد منافس عربي للعود الدمشقي حالياً، على الرغم من أن هناك العديد من الدول التي تصنع العود، كالعودين العراقي والمصري”، مشيراً إلى أن “صناعة العود مزدهرة في مدينة إسطنبول التركية، مستفيدةً من الدعم الذي تتلقاه في مكونات إنتاج وتصنيع العود، كالاستيراد والغابات والأخشاب في تركيا، إلا أنها لا تعتبر منافسة لصناعة العود الدمشقي رغم الأزمة التي نشهدها”.
السلكا الذي يقوم بالتسويق لمنتجاته داخل سوريا وخارجها من خلال مشاركته في معارض حرفية تخصصية، يقوم أيضاً بصناعة أدوات موسيقية وترية مختلفة وبشكل يدوي كالقانون والربابة والبزق والغيتار للحد من استيراد هذه المواد، ولاسيما الغربية منها.
ولا يقتصر عمل السلكا على صناعة الآلات الوترية، بل يصمم أيضا الآلات الجلدية الإيقاعية كالطبل والمزاهر والرقوق والدفوف، والآلات النفخية كالناي. وبهدف الحفاظ على هذه الآلات لفترة زمنية أطول وجودة استخدامها يصنع السلكا أيضاً حقائب خاصة للآلات الموسيقية من الفيبر أو حقائب خشبية ملبسة بالجلد أو حقائب قماشية.