
في خطوة بائسة تدلّ على عكس معناها، نشر بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة إسرائيل، صورة له على موقع «إكس» تظهره، كما قال، وهو يصادق على قرار اغتيال حسن نصر الله، زعيم «حزب الله» اللبناني.
غير أن وجود نتنياهو، في نيويورك، وحديث الصحافة الإسرائيلية عن تخطيطه للقاءات عائلية، ثم ما تسرّب عن مطالبته الجيش بتأجيل الضربة يوما، يدلّ على أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، واستخباراتها، فرضتا القرار عليه فكان نشر الصورة دليل نتنياهو على أنه هو الذي اتخذ القرار!
لا يعني هذا طبعا أن نتنياهو ليس المتحكّم بأمور السياسة في إسرائيل، ولكنّه يعني أيضا، وخصوصا بعد الكارثة الاستخبارية والعسكرية التي تلقّتها إسرائيل في 7 تشرين أول/أكتوبر، أن المؤسستين العسكرية والأمنية الإسرائيليتين تعيدان بناء هيبتهما التي تعرّضت لجرح نرجسيّ خطير، عبر الاشتطاط في تنفيذ عمليّات شديدة التأثير والخطورة والتداعيات، وأن نتنياهو، وشركاءه العنصريين الإرهابيين المنفلتين من عقالهم، يحصدون نتائج إعادة البناء هذه، ويوظفون ذلك في تنفيذ أجنداتهم الاستئصالية ضد الفلسطينيين.
كشفت مؤسسات الأمن والجيش الإسرائيلية عن قدرات هائلة تحتاج إلى تقنيات معقدة وخطط لوجستية، ونفذت ضربات كبرى بعيدة الأثر في أماكن بعيدة، كما فعلت عند اغتيال إسماعيل هنية، زعيم حركة «حماس» في مواقع تابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني في قلب طهران، وأثناء مراسم تنصيب رئيس جمهوريتها الجديد مسعود بزشكيان.
يشكّل اغتيال نصر الله ذروة إظهار هذه الأجهزة قدراتها، لكنّها تبيّن أيضا أخطاء «حزب الله» الأمنية الفادحة، التي تعني، على الأغلب، اختراق نظام الاتصالات المشفّر، وانكشاف سلسلته الهرمية القيادية (مما يفسر تعرضها لاغتيالات دقيقة) وشبكة أعضائه (التي هوجمت عبر تفجير أجهزة البيجر واللاسلكي) وربما شبكة أنفاقه وتموضع أسلحته وطرق إمداداته.
فرغم الحصار الرهيب، والسيطرة العسكرية والأمنية وتحليق طائرات الاستطلاع والتجسس والرصد، ووجود شبكات تجسس و«مستعربين» وحتى مرتزقة أجانب، ومشاركة الطائرات والسفن الأمريكية، فإن اغتيالات إسرائيل لقادة «حماس» داخل قطاع غزة المدمّر والمفقر والذي يتعرض لمجازر يومية، كانت أقل فاعلية وتأثيرا.
تحدّثت صحيفة فرنسية عن وجود جاسوس أبلغ إسرائيل عن اجتماع نصر الله مع أركان قيادته، كما نُشرت تحليلات مختلفة لسيناريوهات جاسوسية عديدة، لكنّ هذه التحليلات تتجاهل وجود «حزب الله» ضمن بلاد، رغم كونها مهددة بأكملها من قبل إسرائيل، فإنها منقسمة حول سلاح الحزب وسلطته ونفوذه وتعاني من فراغ رئاسي وتعطّل المؤسسات والإفلاس المالي وأزمة اللاجئين.
ويشهد لبنان منذ عقود طويلة انقساما سياسيا وطائفيا، وعقب عملية الاغتيال، ينفذ الجيش انتشارا داخل العاصمة بيروت، وأصدر بيانا دعا فيه المواطنين لـ«الحفاظ على الوحدة الوطنية وعدم الانجرار وراء أفعال قد تمس بالسلم الأهلي في هذه المرحلة الخطيرة والدقيقة من تاريخ وطننا».
يحصل ذلك في ظل استمرار الإبادة الجماعية للفلسطينيين، وخطوات بن غفير ـ سموتريتش لضم الضفة الغربية، التي يدخل في أفقها المستقبلي تنفيذ خطط تهجير جماعي للفلسطينيين باتجاه الأردن، فيما يعاني النظام العربي الرسميّ من انعدام وزن وفاعلية وتأثير، وهذه العناصر كلّها هي التي اغتالت حسن نصر الله، وليس إسرائيل وحدها.
*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس