هآرتس: هل سيكون "فيلادلفيا" بمثابة القشة التي تقصم ظهر "كامب ديفيد"؟

2024-09-05

يحاول رئيس الحكومة طمس سعيه لاحتلال القطاع لفترة طويلة، وهو التوق الذي يجب أن يقلق المواطنين في إسرائيل، كما يقلق مصر (أ ف ب)اتهامات إسرائيل لمصر بأنها لم تمنع دخول السلاح والوسائل القتالية والعبوات الناسفة عن طريق معبر رفح ومحور فيلادلفيا، أصبحت مملة. أول أمس، نشرت وزارة الخارجية المصرية بياناً استثنائياً من حيث شدته: “تصريحات نتنياهو (بخصوص محور فيلادلفيا) تستهدف إفشال الصفقة لوقف النار وتبادل المخطوفين والأسرى. ولكنها تصريحات موجهة لإفشال جهود وساطة مصر وقطر والولايات المتحدة. مصر ترفض كل الادعاءات التي قالها مسؤولون في إسرائيل بهذا الشأن، وتهدف إلى تبرير سياسة العدوان والتحريض الذي سيؤدي إلى التصعيد في المنطقة”.

في الحقيقة، هذه ليست المرة الأولى التي تدين فيها مصر نشاطات إسرائيل وترفض الاتهامات الموجهة إليها؛ فهكذا تصرفت أيضاً بعد أن سيطرت إسرائيل على معبر رفح في أيار الماضي؛ وعندما اتهمت إسرائيل القاهرة بمنع إدخال قوافل المساعدات الإنسانية إلى القطاع، بعد أن أوضحت مصر بأنها لن تتعاون مع إسرائيل في إدخال المساعدات من معبر رفح بسبب موقفها المبدئي القائل بأن هذا التعاون يعني إعطاء الشرعية للاحتلال الإسرائيلي. ولكن الرد المصري كان في هذه المرة فظاً جداً ومؤيداً بالرياح التي تهب من البيت الأبيض، ويستند إلى أقوال الرئيس الأمريكي بأن نتنياهو لا يفعل ما يكفي للمضي بصفقة التبادل ووقف إطلاق النار. مع ذلك، أوضح المصريون بأنهم هم والقطريون سيستمرون في المضي بالصفقة، ولكن الحديث يدور حتى الآن عن بيان لا ذخيرة فيه ما دام نتنياهو متمسكاً بالموقف الذي يفضل محور فيلادلفيا على تحرير المخطوفين، وكأن الأمر يتعلق بصفقة تجارية.

يحاول رئيس الحكومة طمس سعيه لاحتلال القطاع لفترة طويلة، وهو التوق الذي يجب أن يقلق المواطنين في إسرائيل، كما يقلق مصر. تقرير نير دبوري في القناة 12، الذي جاء فيه أن نتنياهو أصدر تعليمات للجيش الإسرائيلي للاستعداد لتوزيع المساعدات الإنسانية في غزة بدل منظمات الإغاثة، يدل على أن مصر تدرك أكثر من مواطني إسرائيل الهدف الذي تسعى إليه دولة إسرائيل في القطاع. إن عدم نفي المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي هذا التقرير، يعزز هذا الادعاء.

يدور الحديث عن عملية دراماتيكية لم تحصل على الاهتمام الذي تستحقه في إسرائيل، وتفسير ذلك لا يتلخص فقط بأنها خطوة أولية قبل الاحتلال العسكري الكامل. ترى مصر أن معنى ذلك هو نية الإبقاء على قوات الجيش في القطاع وفي معبر رفح ومحور فيلادلفيا دون تقييد للوقت، وبشكل قد يخرق اتفاق كامب ديفيد. محللون وجهات رفيعة سابقة في الحكومة المصرية، يقدمون إحاطات منذ أيار بأن خطوة إسرائيل تضع مصر أمام قضية سياسية وقانونية معقدة، ما يلزمها فحص مكانة اتفاق كامب ديفيد واتفاق المعابر والترتيبات التي تم التوقيع عليها في العام 2005، التي تقرر فيها أن تضع مصر 750 جندياً من حرس الحدود في الطرف المصري على طول محور فيلادلفيا، وبعد ذلك وافق الطرفان على عدم اعتبار ذلك خرقاً لاتفاق كامب ديفيد. وحتى الآن، أجريت نقاشات علنية في وسائل الإعلام المصرية، في حين امتنعت الجهات الرسمية عن التحدث عن خرق اتفاق السلام. ولكن إذا تبين أن إسرائيل لا تنوي سحب القوات من غزة وأن حجم القوات الثابتة وعدد الدبابات والسيارات المدرعة ونشاطات سلاح الجو تتجاوز ما تقرر في التفاهمات التي صيغت طوال السنين، فربما يخضع النظام المصري لضغط كبير من الشعب. وكلما ازداد الضغط ستضطر مصر في نهاية المطاف لاتخاذ موقف حاسم، وهو ما قد ينتهي بنقاشات في مجلس الأمن حول خروقات إسرائيل.

المساعدات التي لا تساعد

في هذه الأثناء، تتراكم في مدينة العريش كمية كبيرة جداً من قوافل المساعدات الإنسانية التي لا يمكن إدخالها إلى القطاع. وحسب تقارير في وسائل إعلام عربية، تم إتلاف مئات الأطنان من البضائع التي انتهت صلاحيتها أو تم توزيعها على مواطني المدينة بدلاً من توزيعها على أهدافها في قطاع غزة، لأن المخازن التي خصصت لاستيعاب المساعدات امتلأت ولا مكان لاستيعاب بضائع جديدة. مئات الشاحنات تقف في شوارع العريش وتشوش روتين الحياة هناك، وأيضاً على الشارع المؤدي منها إلى القطاع. يقول المواطنون إن سائقي الشاحنات يحصلون على أجرة مقابل إخراجها من المدينة إلى مناطق في الصحراء قريبة منها.

مصدر المساعدات في معظمه من دول أجنبية، وبالأساس دول عربية، وكان يمكن استخدام معبر رفح كمسار رئيسي لإدخالها إلى القطاع. ولكن إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق مع مصر على فتح المعبر، فستجد إسرائيل نفسها في وضع يجب فيه عليها توزيع المساعدات التي ستدخل من معبر كرم أبو سالم، وحتى ربما فتح معابر أخرى. وقد تضطر إسرائيل أيضاً إلى أن تمول بنفسها كميات الغذاء والأدوية إذا قررت الدول المانحة عدم إرسال المزيد من المساعدات. وهكذا سيتم إلقاء المسؤولية بالكامل على إسرائيل من أجل توفيرها.

إضافة إلى العبء المالي الكبير الذي يبلغ مليارات الدولارات التي يتسبب بها هذا التطور على مدى السنين، سيجعل حياة جنود الجيش الإسرائيلي ورجال الشرطة ورجال الحماية معرضة للخطر في مهمات غير عسكرية، غير مشمولة في أهداف الحرب. سيكون من المهم رؤية كيف سيرد الجمهور في إسرائيل على قتل الجنود أثناء توزيع الغذاء في مخيمات اللاجئين في غزة، وكيف سيرد شركاء نتنياهو عندما يعرفون أن إسرائيل هي التي تمول المساعدات الإنسانية من الميزانية التي قد تتقلص بعشرات مليارات الشواقل.

الشراكة مع مصر مطلوبة

إذا قررت إسرائيل تحمل كامل عبء الاحتفاظ بالقطاع والصمود أمام الضغوط الدولية وفرض العقوبات عليها عندما تتبين نيتها احتلال قطاع غزة “بشكل كامل”؛ وتعريض اتفاق السلام مع مصر للخطر، وربما مع دول عربية أخرى، فستحتاج إلى خدمات مصر. إسرائيل تحتاج مصر شريكة في إدارة القطاع حتى لو من أجل ترتيب انتقال المرضى والمصابين والسماح بخروج المدنيين الذين يريدون إيجاد ملجأ لهم في دول أخرى.

في هذه الأثناء، لا تعمل القاهرة على الحفاظ على الوضع الراهن، وتعمل على إيجاد قنوات سياسية جديدة لتثبيت نفسها في المنطقة. أمس، لأول مرة بعد 11 سنة قطيعة، قام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بزيارة رسمية إلى أنقرة ووقع على عدة اتفاقات اقتصادية وتكنولوجية واستراتيجية مع تركيا. وربما تشتري مصر طائرات بدون طيار من إنتاج تركيا، وربما حتى سفن دوريات.

لقد شكلت مصر وتركيا مجلساً أعلى للتنسيق الاستراتيجي، الذي سيعقد للمرة الأولى هذا الأسبوع، وهكذا سيتم استكمال ترميم العلاقات بين الدولتين بعد قطعها في 2013 عندما عزل السيسي الرئيس محمد مرسي، رجل الإخوان المسلمين وحليف تركيا. محادثات التقارب بين الدولتين تستمر منذ سنتين، لكن الأمر الذي رجح الكفة لصالح استئناف العلاقات هو المصالح المشتركة، الاقتصادية بالأساس، التي تغلبت على معظم الخلافات. مفهوم “صديقي الرئيس المصري” استبدل بشتيمة “السيسي قاتل”، الذي استخدمه اردوغان طوال سنوات.

 في الوقت نفسه، تواصل إيران جهوداً لاستئناف العلاقات الدبلوماسية مع القاهرة في إطار استراتيجية “السلام مع الجيران”. هذه الاستراتيجية تبناها الزعيم الروحي الأعلى آية الله علي خامنئي بعد أن ساعدت هذه الاستراتيجية في التوصل إلى المصالحة مع الإمارات والسعودية. استئناف العلاقات بين طهران والقاهرة لا يتوقع أن يكون في الغد، لكن الحديث لا يدور عن قناة نظرية. مع ذلك، تعتبر مصر حتى الآن عاملاً حيوياً في التحالف المناوئ لإيران برئاسة الولايات المتحدة، الذي قد تنضم إليه دول الخليج والأردن وإسرائيل. لكن في الوقت الذي تعتبر فيه إسرائيل عاملاً معادياً، وعندما تدين السعودية نشاطات إسرائيل في القطاع، وفي الوقت الذي تخشى فيه مصر من سيطرة إسرائيل على غزة، فإن هذا التحالف الذي يستهدف تأسيس “سور دفاع” استراتيجي إقليمي بدأ يميل إلى التلاشي.

 

تسفي برئيل

 هآرتس 5/9/2024









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي