
معجب الزهراني
(السعودية/باريس)
مطلع :
في بابل الأندلس
يعشق الناس لغة واحدة
و لذا قلت .. ومنذ البداية
سوف أغني
كي لا تورطني اللغة البائدة
في حكاياتها الباردة .
خبر :
ورد في كتاب - وأظنه لصاعد الأندلسي - أن حكيما قال :
"عناصر الحضارة أربعة أولها ماء السماء، وثانيها ماء البحر، وثالثها ماء الحبر، ورابعها ماء الحياة الذي يستقطرونه من الأعناب وحتى من النخيل والتين والتفاح وثمار أخرى، ولم تجتمع كل هذه العناصر الشريفة لغير سكان هذه الجزيرة الحسناء ".
قفل :
جادك الغيث إذا الغيم همى في عيون تنتشي بالنرجس
لم يكن ما بينها فضل هوى أو خداعا لجيوش الحرس
بل هو الحب وقد فاض وطاااااااااب الراح بأشهى مجلس
ياسقا الله زمان الوصل بالأندلس
قناديل أشبيلية :
1-
هاهي إشبيلية تشعل الموسيقى
لتغني وتراقص ألوان الربيع
(وقد حسبناها تحتفل بذاكرة أندلسية مشتركة رأينا بعض مخزوناتها الثمينة تطل من هذه العربات المزركشة التي تجرها أحصنة أنيقة وثيران قوية فشاركناها الفرح حتى منتصف الليل .. والتقطنا عشرات الصور ، أعجبني منها واحدة بين عريسين أنيقين، وأخرى بصحبة راع أعارني عصاه وابتسم لزوجتي ، وثالثة مع فلاحة شابة فاحت منها رائحة الأرض ، ولولا وقع الطبل وأنين الجيتار لدخت وملت عليها وانكشفت كل الأسرار ، ورب الزهرة) .
وحين مرت المواكب
وغاب القمر
ظل الغريب حزينا يتساءل فوق الجسر
كيف ضاعت هبة النهر وربة الشعر ؟ ! .
2-
وأنا أتجول في حديقة القصر الكبير
رأيت المعتمد بن عباد
متنكرا في زي سائح معتاد
تذكرت الشاعر فيه فسألت
- من قالت لابنها :
ابك مثل النساء ملكا مضاعا لم تحافظ عليه مثل الرجال ؟
فبكى وهو يردد : لم أسمع هذا من قبل ! .
أشفقت عليه وقلت أسليه :
- وأي ملوك الطوائف كان الأعظم ؟ .
فزاد بكاء .. !
خفت عليه فحولت الأمر إلى مجرى آخر؟
- أي جواريكم كانت أجمل ؟ .
إنطوى على كبد متصدعة وتهاوى !.
ولكي لا أتهم بقتل ملك أو أسير
تشاغلت بتصوير حديقة أنيقة
بدت لحظتها تحفة جمالية .. أو قصيدة لنزار قباني لا غير ! .
3-
حين قال الدليل السياحي :
" .. في مكتبة هذا الدير الأشبيلي العتيق كان كريستوفر كولومبس
يداوم على قراءة الكتب ومناقشة الأساتذة واثقا أن للأطلسي ضفة ثانية " تذكرت " الفتية المغررين " و "بحر الظلمات " وصحت : يا لعطالة التسميات ! .
وبعد هدوء جاد به الوقت
أدركت أهمية علوم الطبيعة
حين تزود مراكب المخيلة
بما يلزم لتلك الرحلة
التي ستغير صورة الأرض
وتدمر مسارات التاريخ ! .
4-
في المقهى المطل على الوادي الكبير
صحا الجو لنا
وهاهي السماء تنفتح على وجه القمر
وعلى نجوم كثيرة زاهية
تعجبت كيف لم يرها الأسلاف
إلا وهم خارجون من الأندلس ! .
5-
في مطعم الفلامنكو الأنيق
ذكرتني الأغاني والراقصون
بحكمة نسيت متى وأين وممن سمعتها
- لو استعمل بعض البشر رؤوسهم كما يستعمل هؤلاء الغجر أرجلهم لكانوا أحسن حالا مما هم فيه -
فقلت وأنا أصفق : هولي .. هولي .. وإن من الفن لسحرا، ومن النثر لشعرا"!.
(في الطريق إلى قرطبة، كان لا بد من احترام الطقوس ، فالزيارة فريضة، ولا بد من أدائها وفق التعاليم، وفاء لحلم قديم، لا لتاريخ منعني منها خمسة قرون ! ) .
1- تماثيل قرطبة :
( تزهو قرطبة بثلاثة تماثيل لم نر مثلها في أي مدينة عربية أو إسلامية ، ولذا كان لا بد من الوقوف عليها واحدا واحدا ).
أ-
يا ابن رشد الحفيد ..
سلام عليك
قيل لي لم تحج ..
فقلت أحج إليك
منذ عمر ونصف وأنا أبحث عنك
ولا يوصلني الدرب إلى قرطبة
وكم كان أعمى بوينس أيرس
مرحا وهو يسخر مني
حين رآني أبحث عنك وعنه وعني
بعيدا عن المكتبة !.
ب –
حيرتني يا ابن حزم
تؤلف طوق الحمامة
لتدشن فكر المحبة في الأندلس
ثم تحتفي بأنساب قبيلة مشرقية
تؤاخذك على التعلق بنعم
ولا تسلم لأحفادك
بشيء من منافع القراءة الظاهرية !.
ج –
هاهو موسى بن ميمون
يقف في منتصف المسافة بين صاحبي
ليذكر زوار قرطبة
بأن الشريعة فصل والحكمة وصل .
2- في فندق ابن رشد :
قلت : هذه لحظة شيقة
فما بين صوت العصافير وظل الغيوم
يستطاب المقام
وتتسع الغرفة الضيقة .
قالت : وأنا لم أعد مرهقة ! .
3-
والتين والزيتون وطيور هذا النهر الحنون
إن مدينة الزهراء
ما تحولت إلى أثر بعد عين
إلا ليحتفي البشر
بنجاة قرطبة من عبث أسلافهم المجانين ! .
4-
سر فوق الجسر الروماني
تمهل وتأمل ...
ولن تسمي الغزاة الذين مروا من هنا برابرة
لأن قرطبة التي ترى
فتنة لم ينج أحد منها ! .
5- ميسكيتا
تجدد ماء التاريخ
حتى اجتمع الجامع والكاتدرائية
في جسد واحد
فكيف لا يصلي بنا عاشق كابن عربي
باتجاه آياصوفيا ؟ ! .
6 –
وداع قرطبة هو الشقاء
إن لم يشفعه وعد باللقاء
وسأستنجد بفيروز وكارمن، وبشريط قديم أوصاني به طلال مداح!.
مناديل غرناطة :
1- غرناطة التي أرى
ليست مدينة ( ومعك الحق ياهوجو ..)
هذه رمانة مشرقية تباهي بثمارها
ولا تخفي عن الزوار شيئا من مفاتنها
فحين تراها تغسل جذورها في ماء الواديين
وفروعها في أفلاج تتدفق من ثلج الجبل
لا تقاوم شيئا من شهواتك
فالفلاح العاشق في مقام الشعر
لا يفرق بين شجرة وامرأة ! .
2-
هذه لوحة واقعية عادية ..
و لا تخلو من أصوات عدائية تزعج صمت المتحف .
ولذا شدني مشهدان فحسب :
في المنتصف
ملك يسلم المفاتيح لآخر
واثقا أن " لا غالب إلا الله "
وفي الطرف الأيسر
عاشق يعانق حبيبته
واثقا أن سيعود إليها .. أو تلحق به ذات صبح ! .
3-
أدركت الآن لماذا وجدنا جماعات
تشرب وتغني أمام الفندق
فهاهو غارسيا لوركا أمامي
يدشن الصحيفة الأولى في غرناطة
والقصيدة الأولى عن غرناطة
والثورة الأولى من غرناطة
وكم هو عظيم أن يحلم الشاعر
ثم يفعل ما يريد
غير مبال بالأصوات
التي تنذر زهرة الرمان بنهاية غامضة .
4-
من أعلى حصن في القصبة
رأيت صقرا يحلق فوق المكان
وكم بدا طائر النار حرا
لا تغريه خضرة السهل الفسيح
بل ذلك البياض الذي يشع رأس الجبل
معلنا نهاية قصد وبداية قصيدة ! .
5- حوارية الوداع
- هاك المنديل..
- ... ...
- ليست هذه أطلال فلماذا تبكي ؟ .
- أعرف هذا .. ولذا لا أفعلها عمدا
- أو كانت لك حبيبة أندلسية ؟ ! .
- لا أذكر .. وإنجيليكا من شيلي ..
- رجاء قف .. ما جئت لأحزن في غرناطة .
- معك الحق يا حبيبتي .. لكن لهذه المدن العامرة أريجا سريا يفك السحر من الجسد فيتكلم بكل لغاته السعيدة والشقية .. ولأنني لم أحسن مقاومة الجمال قط فلابد من الاحتفال .
- سأحضر المزيد من المناديل ..
- ...وسأتدبر أمر القناديل .
1-6-2008