
في حزيران/ يونيو الماضي نظّم أتباع ستيفن ياكسلي لينون (المشهور باسم تومي روبنسون) من الفاشيين الجدد واليمين المتطرّف مظاهرة للتنديد بتساهل الشرطة البريطانية مع المتظاهرين المسلمين والمؤيدين لفلسطين.
بعد انتسابه للحزب القومي البريطاني ذي الجذور النازية أسس روبنسون «رابطة الدفاع البريطانية» وخلال مسيرته السياسية حُكم روبنسون عدة مرات لقيامه بأعمال عنف، واشتهر مؤخرا بقضيّة دافع فيها عن متنمرين بيض صوّروا هجومهم على طفل لاجئ سوري، ووفّرت له قضية مراهق بريطاني (من أصل افريقي) تسبّب بمقتل ثلاث فتيات، وما تبع ذلك من أكاذيب نشرتها مواقع روسيّة وشارك فيها إيلون ماسك مالك موقع «إكس» الفرصة لتحشيد مظاهرات أرهبت الأقليات واستهدفت المسلمين واللاجئين ومكاتب محاماة ومساجد ومكتبات فهزّت المجتمع البريطاني.
غير أن ما أعطى هذه المظاهرات هذه القدرة على الاتساع وإرهاب المواطنين وفرض أجندتها المتطرّفة على الشارع العام لم يكن، في الحقيقة، محض نشاط بلطجي الفاشيّة البريطانية هذا فقد كانت مكوّنات خطابه جزءا من «الخطّ العام» لمجمل الأحزاب السياسية البريطانية، فلم يقتصر ذلك على حزب «الإصلاح» الذي يقوده نايجل فراج، الذي يشكل الخلفيّة الحاضنة لليمين المتطرّف، ولا حتى على حزب المحافظين الذي تسابق قادته على تأييد إسرائيل بشكل مفضوح، وترديد المزاعم التي يستخدمها روبنسون حول «رخاوة» الشرطة مع «مؤيدي حماس» بل تضمن ذلك الطيف «الإسرائيلي الهوى» قائد حزب العمال، رئيس الوزراء الحالي، كير ستارمر، الذي برّر أكثر من مرة حصار وتجويع وتعطيش الفلسطينيين وقال إنه لا يتنافى مع القانون، وأدت سياساته الانتخابية ضد المرشحين المؤيدين لفلسطين إلى المساهمة في فوز بعض مرشحي اليمين المتطرّف بمقاعد في مجلس النواب.
تثير العلاقة الحميمة بين هذا التيار الفاشي وإسرائيل، بالخصوص من بين هذه الاتجاهات السياسية كلها، التفكّر، فدراسة هذا الأمر تتعلّق بجوانب لا يفسّرها فقط تأثير اللوبي الإسرائيلي وقوّته المالية والسياسية المعلومة ونفوذه التاريخي على المؤسسة السياسية البريطانية، ممثلة بحزبي المحافظين والعمّال.
معلوم طبعا أن العداء لليهود كان في صلب العقائد والممارسات النازية والفاشية في أوروبا، ما تسبّب في محاولة إبادة كبرى لليهود، ورغم الأزمة التي تسببها ذلك للضمير الغربي، فإن من دفع الثمن فعلا هم الفلسطينيون، فقد أدى التعاون بين الحركة الصهيونية الداعية لوطن قومي لليهود، وبريطانيا المستعمرة لفلسطين، لفتح باب الهجرة ليهود أوروبا، ولتمكينهم من تأسيس دولة إسرائيل.
ورث المستوطنون الإسرائيليون، عبر هذه المعادلة الظالمة، إرث الاستعمار الغربيّ، مدموجا مع المخيال اليهودي ـ المسيحي، والأيديولوجيا الصهيونية، بحيث انقلب تاريخ الضحايا اليهود المضطهدين في أوروبا إلى السياق الإبادي الذي نرى فيه وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش يقول فيه إن موت مليوني فلسطيني في غزة هو «أمر عادل وأخلاقي» وهو تصريح يصعب ربما أن نجد له شبيها حتى عند عتاة النازية الأوروبية، فتبرير قتل اليهود حينذاك كان أنهم من «عرق أدنى» وليس لكونه «عادلا وأخلاقيا».
ضمن السياق الآنف، فإن انخراط اليمين المتطرّف الأوروبي في الدفاع الشرس عن إسرائيل، ليس تنكّرا أو تنصّلا من العداء لليهود، بل هو تفهّم لدور إسرائيل الجديد في دعم الاتجاهات اليمينية المتطرّفة في العالم، واتخاذها، بالأحرى، مثالا للقدرة على ارتكاب الإبادة مجددا، ولكن، هذه المرّة، مع دعم صريح من الولايات المتحدة الأمريكية، والنظم الغربية لأشكال التجبّر والغطرسة واحتقار القانون الإنساني والشرع الأممية، وهو مساق أصيل في إرث الفاشيّة الغربية.