القاهرة - محمد عبد الرحيم - بعيداً عن صخب المعارض التشكيلية في مصر، وزخم التكرارات والاستنساخات والتقليد الأعمى، الذي لا يمل منه هذا الفنان أو ذاك ـ هكذا يطلقون على أنفسهم ـ تظهر بعض التجارب الفنية التي تخالف السائد، وتثير الدهشة لصدقها أولاً، كما أنها لا تعبّر إلا عن صاحبها، أو صاحبتها في حالتنا هذه.
لم أعرف «آسيا» ولوحاتها من قبل، توقفت أمام اللوحات مشدوها ـ لم أعرف أنها طفلة ـ وتخيلت لوهلة أن صاحبتها تجاوزت القواعد والنظريات الفنية وانتهجت أسلوباً عفويا يصعب الوصول إليه، إلا بعد تجارب عديدة ومحاولات مستميتة لنفض كل ما يقيّد الخيال، وفي الغالب تفشل هذه المحاولات، أو ربما تنجح في عمل دون الآخر.
«آسيا» طفلة في حوالي الثامنة من عمرها، وهي ابنة الفنان السيد عبده سليم، ومن خلال معرضه الذي أقيم من فترة في غاليري (ضي) تم عرض بعض أعمال آسيا، حيث كانت اللوحات مختلفة تماماً عن لوحات وأعمال الأب، حيث عالم طفولي لا يمتلك سوى منطقه الخاص، وبالتالي خياله غير المحدود، الذي يتصنّع الكبار بعضا منه، كاشفاً تهافتهم وضحالة أرواحهم.
الخيال الطفولي
تجربة تلق مهمة، وانت تقف أمام خيال طفل، ونظراً للحصيلة اللغوية المعقدة، فالأمر لا يتحقق في حالة الكتابة، لكن التعبير البصري هو الأدق لما يدور في مخيلة الطفولة. والنتيجة نرى عالما له منطقه وتفاصيله، حيث تتجاور الأشياء غير المنطقية بالنسبة لنا نحن الكبار، وغير مقصودة ومصنوعة ـ تلقائية ـ فالخيال الطفولي هو ما طمح السرياليون الوصول إليه طوال تجاربهم المتباينة في الأشكال الفنية المختلفة. فمن الممكن أن تقف مبتسما، وبدلاً من أن تحمل عصفوراً، أو كائناً أليفاً، يمكن أن تحمل (سمكة) وتقبّلها، وقد تحولت إلى كائن أليف يعيش معنا بعيداً عن بيئته المعهودة. كذلك يمكن أن يتأنسن (المقعد) الذي تجلس عليه الفتاة، ويصبح شخصاً مبتسما، أو أن تتجاور عناصر في اللوحة لا منطق لها إلا الخيال.. سكوتر، منضدة رسم، قطة ترتدي نظارة طبية، وموسيقى تتناسب في اللوحة، عن طريق رسم بعض العلامات الموسيقية، ولا تستعجب من طفلات ثلاث تصبح ملابسهن مسطحا للوحة، لطفلة تمسك ببالون، أو شرفة تجتلسها طفلة أخرى، ترى من خلالها العالم، دون نسيان الفراشات والأسماك معا، كعالم متناغم لا يعترف حتى بقيود بيئة هذه المخلوقات. وأخيراً اسم الفنانة، التي اتخذت من دودة مبتسمة في اندهاش ما يُشبه أيقونة لتسجيل اسمها من خلالها.
الألوان والتكوين
أغلب اللوحات مرسومة بالفلوماستر، ومن خلال ألوان تستشعرها الفنانة، دون أدنى اهتمام بحالات التوافق اللوني الأكاديمي المعهود، فقط إحساسها بالمخلوقات والكائنات التي تعبّر عنها.. كأن يحمل الوجه الإنساني ألواناً كالبرتقالي والبني والبنفسجي والأخضر. أما التكوين فتتوزع عناصر اللوحة ـ وفق منطقها ـ دون أي قيود ما بين مقدمة اللوحة وخلفيتها، من حيث عنصر كبير يتصدر اللوحة وآخر صغير في العمق، لكن اللافت والمتكرر في اللوحات أن العنصر الأساس في اللوحة يصبح بدوره مساحة لعناصر أخرى، كالفتاة الجالسة في شرفة تخرج من جسد لفتاة أخرى، وكذا يصبح جسد الرجل مجالاً لأدوات الرسم واللعب بـ(سكوتر) مثلاً. وفي الأخير يمكن للفنانين الكبار ـ كبار السن ـ ومُدّعي الفن ومدمني البروباغندا أن يروا أعمال (آسيا) التي بالتأكيد هناك الكثيرات والكثيرين مثلها ينتظرون الفرصة.