معاريف: المصالحة الفلسطينية.. بين "هاتف واشنطن" والمحاولة الصينية  

2024-06-28

 

بعد حزب الله، سيكون العراق هو الجهة الأكثر دعماً لقطاع غزة هذه الأيام (أ ف ب)يتحدثون كثيراً عن الحاجة للخروج إلى حرب في عمق لبنان. أحياناً أشك إذا كان من يدعو للإعلان عن حرب على “حزب الله” وإنهائه مرة واحدة وإلى الأبد يدرك طبيعة المنظمة وعلى ماذا تنطوي مثل هذه المواجهة؟ صحيح أن المؤشرات لا تظهر أن جهاز الأمن يدفع إلى هناك، ولا رئيس الوزراء ووزير الدفاع، لكن ثمة وزراء يدفعون إلى ذلك، وثمة جوقة تشجيع وإن لم تكن كبيرة، من المغردين ومتصدري الرأي العام ممن يشجعونهم على ذلك.

كل هؤلاء يدعون للخروج إلى حرب إبادة تجبي ثمناً قاضياً من حزب الله مثلما يفعل الجيش الإسرائيلي هذه الأيام في قطاع غزة. لكن لحزب الله جيشاً أقوى من جيش حماس. وهناك، في بلاد الأرز، لن نلتقيهم وحدهم. فمحور المقاومة يتجند لمثل هذه المعركة كحرب وجود. يعرف أنه إذا كانت الفصائل في غزة قد سحقت، وبعدها حزب الله على بؤرة الاستهداف، فلا شيء يمنع إسرائيل وحلفاءها للمواصلة إلى إيران والعراق واليمين. وعليه، يرون أن معركة إسرائيل ضد حزب الله هي حرب إبادة على المعسكر كله ويستعدون لما يتناسب مع ذلك.

الخطط الاحتياطية أعدت في العراق، والميليشيات المؤيدة لإيران جاهزة لتبعث عشرات آلاف المقاتلين إلى لبنان. وسيأتي مجندون من اليمن وإيران. قد يجد الجيش الإسرائيلي نفسه، إذا ما فتح حرباً على لبنان، أمام تحالف جيوش، وإن كان أقل جودة، لكن حجم قوته البشرية ثلاثة وأربعة أضعاف. وهذا حتى قبل أن نذكر صواريخ حزب الله التي بعضها قادر على ضرب أهداف محددة وأخرى تغطي سماء البلاد حتى جنوبها. والطائرات الهجومية، التي تعد سماء إسرائيل مفتوحة أمامها، ولا جواب لجميعها.

لإبادة حزب الله أو لتوجيه صعقة له، سيتعين على الجيش الإسرائيلي الوصول إلى بيروت بأقدامه. والمطلوب لهذا بضع فرق مشاة في حالة أهلية عليا. القوات النظامية والاحتياطية للجيش الإسرائيلي ليست في وضع مالي لخوض معركة كهذه بعد الحرب في غزة. ولم نتحدث بعد عن كميات الذخيرة الهائلة المطلوبة لكنها غير مضمونة على الإطلاق من الأمريكيين، مثلما هي أيضاً المساعدة الجوية التي وعدونا في بداية المعركة في غزة. ستكون أعداد الخسائر أثقل من الاحتمال (في الجبهة الداخلية أيضاً)، وكذا مدى الدمار والخراب. الاقتصاد الإسرائيلي هو الآن في ركود، وسيدخل دوامة إذا ما اشتعلت جبهة ثانية. فرص الانتصار في هذه الحرب ليست مؤكدة، بل قد تسحق المجتمع الإسرائيلي.

دعوات كهذه تدل على أننا لم نتعلم الدرس المركزي في 7 أكتوبر. بمعنى أننا تعلمنا دروساً- عن أعدائنا فقط. الدرس الأساس الذي يجب أن نتعلمه هو أن إسرائيل، رغم كونها قبضة حديدية وقوة عظمى إقليمية، فإنها ليست كلية القدرة. أو بكلمات أبسط، هي ليست قوية كما اعتقدنا. لا يمكننا أن نقاتل طوال الوقت، في كل الجبهات، ونتوقع النصر؛ أو المحافظة على تأهب عال دائماً في الأيام العادية مثلما في الأعياد. الجيش الإسرائيلي لا يمكنه أن يضع جندياً ليحمي كل مواطن، أو كتيبة جاهزة على كل بلدة، وفرقة في كل جبهة. وحتى التفوق التكنولوجي الذي نملكه، فقد بات للعدو أجوبة عليه، مثلما رأينا في السبت إياه.

عندما أسمع سياسياً إسرائيلياً أو متصدراً للرأي العام يدعو إلى غزو لبنان، أو إلى تصفية حزب الله، أحذر منه. يمكن غزو لبنان، ويمكن تصفية حزب الله، ولكن بثمن باهظ جداً وليس في هذا الوقت، والجيش الإسرائيلي يعمل بقوة عالية في جبهة أخرى، والمجتمع الإسرائيلي ينزف. بعض التواضع لا يضر، هذه ليست حرباً اضطرارية.

من رفض السفر إلى الصين

ثمة لاعب جديد يسعى لأخذ مكان له في النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. حكومة الصين. في الأشهر الأخيرة، بدأت بكين في جهد لرأب الصدع بين حماس وفتح وإحلال المصالحة بينهما. الإثنين من هذا الأسبوع، يفترض أن يعقد هناك لقاء بمشاركة كل الفصائل الفلسطينية. في اللحظة الأخيرة، أمر أبو مازن ممثليه بالبقاء في رام الله، وهكذا انهارت الخطوة كلها. حماس غضبت جداً. “ألغى اللقاء بلا تفسير”، اشتكى المندوب المرشح من حماس للاتصالات، حسام بدران.

الصين ليست وحدها. فقد تبين هذا الأسبوع أن العراق أيضاً عاد ليلعب دوراً في المعسكر الفلسطيني. مثلما في عهد صدام الذي قدم الرعاية والقواعد للفصائل المسلحة وعانق القضية الفلسطينية، تعود بغداد لهذا أيضاً. وإن كان العراق لا يعمل وحده، بل بتعليمات وتشجيع من إيران.

في الأسابيع الأخيرة، فتح في بغداد، بعيداً عن الأضواء، الفرع العراقي للمكتب السياسي لحماس. هذه خطوة دق وتد في الأرض العراقية، وليست مرحلة أولى في الطريق لمغادرة قطر. سيعنى الفرع الجديد بالشؤون الخارجية وبلسان الحال، وسيقوم به نشطاء في مستوى متدن حتى متوسط من حماس.

بعد حزب الله، سيكون العراق هو الجهة الأكثر دعماً لقطاع غزة هذه الأيام. حكومته ترسل المساعدات الإنسانية على نطاق كبير نسبياً. الميليشيات المؤيدة لإيران في نطاقه تشارك في القتال من بعيد. فتح بغداد تعبير عن امتنان من جانب حماس للعراقيين. ولكنه دق وتد لكل حالة احتياطية. رؤساء المكتب السياسي لحماس واعون لتقرب قطر من الولايات المتحدة. هذا تقرب استراتيجي من ناحية قطر. وإذا ما احتاج القطريون يوماً، بضغط أمريكي أو كاضطرار لتحسين علاقاتهم مع واشنطن، لدفع الثمن برؤوس مسؤولي حماس، فلن يترددوا في طلب الرحيل منهم. حماس لا تعرض إسرائيل للخطر فقط. فهي نفسها في خطر وجود أيضاً. ولهذا، عليها أن تنتج لنفسها بوليصات تأمين كثيرة قدر الإمكان. لشدة المفاجأة، هي ليست وحيدة هذه الأيام. إذا ما انصرفت من الدوحة، يمكن لقادتها اختيار بيتهم الجديد في طهران، في بغداد، في الجزائر، في تركيا، في صنعاء أو في بيروت.

ولماذا التقرب من الصينيين؟ الكل يرغب في دق وتد ما هذه الأيام في قطاع غزة ببطء وبحذر، لكنهم يتحسسون الطريق. الأمريكيون أيضاً والاتحاد الأوروبي أيضاً، والدول العربية، كلهم يرون الإمكانية الاقتصادية الكامنة. إقليم مدمر، يحتاج إلى إعمار، سيكون جذاباً للمستثمرين عاجلاً أم آجلاً. تريد حماس، من جهتها، المصالحة مع حركة فتح. والصينيون مستعدون للمحاولة. بالنسبة لحماس، أصبحت هذه المصالحة حاجة وجودية – ما لا يمكن قوله عن السلطة.

في السيناريو الأكثر وردية الذي تسعى إليه قيادة حماس، تعود السلطة الفلسطينية إلى غزة. يبقون الحكم في أيديها لكن يبقون كقوة مقاتلة. هكذا يكسبون مرتين وثلاث مرات: ينجون، وينزعون عنهم عبء الاهتمام بمصلحة المواطن، وفي الوقت نفسه هم ذوو الكلمة الأخيرة في شؤون الخارجية والأمن. إذا أرادوا يمكنهم ضرب إسرائيل، وإذا أرادوا يمكنهم تهدئة الوضع. بالضبط مثل حزب الله في لبنان.

كل هذا يعرفه أبو مازن، ولهذا أفشل الخطوة الصينية وأرسل حماس لتتجفف في الزاوية قليلاً. ولعله تلقى مكالمة هاتفية من واشنطن تتضمن طلباً مؤدباً لإبعاد الصينيين عن كل تدخل في النزاع. مستشاره الخاص، محمود الهباش، أرسل للتشهير بالخصوم، كي يعرف الجميع من هم محبو المصالحة أولئك. “حركة حماس بعيدة عن الطريق السليم ومنشغلة بإطلاق الشعارات”، هكذا اتهم الهباش، “من ناحيتها، فلتقع الإبادة الجماعية في أماكن أخرى أيضاً”.

 

جاكي خوجي

 معاريف 28/6/2024









كاريكاتير

إستطلاعات الرأي