الكاتبة المغربية فتيحة النوحو: نحتاج إلى إخراج التجارب الجيدة من الهامش

2024-06-12

‏حوار: عبد العزيز بنعبو

بعد «الوغودية» الذي حقق عاملي الدهشة والصدمة لعموم المشهد الثقافي المغربي، على اعتبار خوضه في موضوع غير مسبوق أولا، وحساس ثانيا، لارتباطه بالمعاناة اليومية التي يتكبدها المتعرضون لكيد «الأوغاد»، واصلت الكاتبة والإعلامية المغربية فتيحة النوحو، فتح الشرفة على مصراعيها للإطلالة على غابة المعيش، من خلال مجموعة قصصية جديدة اختارت لها عنوان «اللائي وقصصهن»، وهي حكايات من واقع نساء وثّقها قلم الصحافية سردا مهنيا، ثم حولها قلم المبدعة قصصا أدبية نالت بدورها الترحيب اللازم من متتبعي الإبداع المغربي.

صاحبة «الوغودية» تصر على النبش في أرض ملغومة، بسبب أحكام المجتمع الجاهزة من جهة، ولكونها كاتبة أنثى من جهة ثانية، وهي بذلك تنتمي لما اصطلح عليه بالأدب النسائي، الذي يبدو غير جدير بالاعتماد لأنه لا جنس في الإبداع أو فعل الكتابة. وعلى إيقاع مواصلة المسير في الطريق الشاق للكتابة، أطلقت فتيحة النوحو مؤخرا صيحة إبداعية أخرى في عالم القصص الواقعية، من خلال مجموعة قصصية اختارت لها عنوان، «اللائي وقصصهن»، صادرة عن منشورات دار التوحيدي بدعم من وزارة الشباب والثقافة والتواصل قطاع الثقافة، والغلاف من إنجاز الفنانة التشكيلية نعيمة الملكاوي.

المجموعة الجديدة التي تضاف إلى تراكم النوحو الإبداعي والمهني أيضا، وصفها الناقد المغربي أحمد العمراوي بـ«قصص واقعية جدا»، وصنّفها في «جنس الكتابة الواقعية المرتبطة بعالم المرأة، من خلال سبر أغوار حالات نسائية واقعية جدا. تستقي عملها من الواقع وتحوله إلى سرد ممتع من الناحية اللغوية ومثقل بمضامين تستقيها ميدانيا من عالم النساء». وحسب العمراوي، فإن «الكاتبة تحسن الإنصات وتسوق لنا عدة حالات لنساء عشن حالات قلق ذاتي، انطلاقا من واقع قد تكون فيه سلطة الرجل والأسرة والقبيلة هي المتحكم، عالم مختلف ومتخلف كما يحلو للكاتبة نعته، عالم حادة ورقية وحليمة ومريم ومليكة وشريفة وفاطمة وغيرهن»، من المنتميات إلى مدن الدار البيضاء وفاس ومكناس وصفرو والعرائش والبوادي المغربية، وهو «الفضاء التي تتحرك فيه شخصيات اللائي بقصص مملوءة بالحق والاحتقار والهزيمة للزمان وأهله».

مجموعة «اللائي وقصصهن» تراها الكاتبة لطيفة باقا على أنها «نصوص عن مصائر نسائية»، و»صور قاسية ومؤلمة لمصائر هشة وسريعة العطب»، وهي «مصائر لنساء على حافة الضياع والنسيان، بل الموت». أما الفنانة التشكيلية نعيمة الملكاوي صاحبة غلاف المجموعة القصصية، فتقول إن مجموعة «اللائي وقصصهن» تسائلنا «عن حدود التماس بين المرأة الأنثى والمرأة الإنسان، أي منهما تزيح الأخرى عن أحقيتها في البوح، في العتاب، في النحيب، في القصاص في الندم في الانتفاض، في الحلم؟».

النوحو لا تتردد في التعبير عما تفكر فيه وتحسه، مباشرة تصيب الهدف بكلمات قليلة لكنها نافذة إلى العمق، وهو ما قامت به في هذا الحوار المركز والمليء بفلسفة الوجود ومعرفة حقيقة الذات:

نال مؤلفك «الوغودية» نصيبا وافرا من اهتمام الإعلام والمشهد الثقافي عموما، هل يعود ذلك الى ثيمته الأساسية التي تخصصت في نقد الأوغاد و«عقيدة الوغودية» إن صح التعبير؟

ربما تعزى تحفيزية التلقي والتفاعل مع التباس الصيغة التي لبست العنوان كعتبة أولى، فـ«الوغودية» كمفردة غريبة عن معجم اللغة، تحرض على استثارة الفضول لغويا ثم دلاليا، فضلا عن لوحة الغلاف المنجزة من قبل الفنانة التشكيلية نعيمة الملكاوي التي يمكن اعتبارها نصا بصريا إضافيا لتفكيك الشخصية المحورية في المتن السردي، الذي يتحمل اسمه أكثر مما يحمل، أبعادا موغلة في التضاد، «فمفلس» الذي يمكن اعتباره بطلا نفسيا تتوارى شخصنته خلف لغزيته وهويته المبهمة، قاد النص السردي، الذي لم أضع له تصنيفا أدبيا محددا، إلى حتفه بتعرية أكذوبة الجموع /المجتمع، فالمفرد هو المسؤول عن الشرط الوجودي لذاته في صحته، أو إفلاسه، لذا يحتمي «بالكم» المتحلل من فرديته، حتى تضيع المحاسبة في خضم خلط الأوراق من جانب، ومن جانب آخر تصبح تلك الجموع قوة ضاغطة طاغية لتغوير الظلم والبطش وتقديسهما كعقيدة لا يمكن المساس بها.

الوغودية» عرّت جزءا من النفاق في مجتمعنا نتعايش معه، فهل كان الكتاب بمثابة إطلاق سراح الأفكار التي تحاول التحرر من ممارسات المجتمع؟

«الوغودية» تسائل النفس البشرية المجردة من أي انتماء عرقي أو ديني أو إثني، وعارية من أي هوية جنسية أو أيديولوجية، لأنه بتقديري المتواضع تبقى كل تلك الأشياء بدعا اختلقت، فيما هذه النفس، وإن كانت من مادة خلق واحدة، فإنها تحمل الكثير من العلل التي تدفع بها لاقتراف انحراف ما، أو انزياح ما حينما تتفاعل مع بيئات مختلفة، ما يجعلها إما تنأى بنفسها عن طبيعتها بالانصهار في أجواء أخرى تحولها لأجسام صلبة أو هشة مرنة أو متشنجة، تسكن أجسادا تتجول، تتحرش، تظلم تبطش و..و..و، قد تكف برادع زجري، فيما الرادع الأخلاقي لا ترتكن إليه إلا النفس الصامدة أمام جشع الحياة.

لو سألناك عما تحقق لك بعد ممارسة الكتابة وإصدار المؤلفات، ماذا تقولين، وهل تغير شيء نحو الأفضل؟

صراحة مفهوم الأفضلية لا أعتنقه، أعيش على إيمان الرضا الداخلي، أحاول قدر الإمكان ان أمارس شعيرة الإخلاص لصلاتي الجوانية، التي تترجم على لوح مكتوب.

أمام هجوم منصات التواصل الاجتماعي ويوتيوب وسيل التفاهة الجارف في مجتمعنا، هل ما زلت تؤمنين بجدوى الكتابة؟

أعتبر الكتابة كناية عن ملمح من ملامح شخصيتي، عندما أتذمر من المحيط من أحداث من مواقف، تنطلق الصرخة جملة غاية في التركيب، وهذا مذهل أن ترى كيف تعبر ذاتك عن ذاتها، كيف تعلن عن هويتها الجوانية، لذا، فلندع ما هو واه لواه.

الأصوات النسائية في الأدب المغربي معدودة وليست بالكثرة نفسها مقارنة بالأصوات الرجالية، لماذا في رأيك هذا الحيز الضيق أمام المرأة المبدعة، وهل من إمكانية للخروج من هذا الهامش إن كان هناك هامش؟

مسألة الجنس في الإبداع عموما غير مطروحة بالنسبة لي، لذا، لم أهتم بفكرة العددية في الأدب المغربي، أو حتى العربي والعالمي، لأنني أستمتع بالنص المميز، لكن ما نحتاجه فعليا هو إخراج التجارب الجيدة من الهامش والاحتفاء بها، عوض أن يظل المشهد الأدبي حبيس التكريس.

حاليا يبدو المشهد الثقافي المغربي في حالة رمادية لا هو بالمتحرك جدا ولا هو بالراكد، فهل يعزى ذلك إلى إخفاق المثقف، أم المجتمع وأقصد المتلقي، أم هناك أسباب أخرى؟

حركية الأنشطة الثقافية تكاد تتلون بجميع الألوان من مهرجانات ومعارض وندوات وغيرها من البرمجة الثقافية والفنية، سواء التي تنظمها الوزارة الوصية أو المؤسسات الثقافية غير الحكومية، لكن ماذا عن كيفية التلقي واستثماره واستشعار نتائجه بأهمية الفعل الثقافي على نماء وعي المجتمع؟

في رأيك، لماذا تراجع دور المثقف في المجتمع، هل هي الهزيمة أمام الوسائط الجديدة؟

المثقف أو المبدع الحقيقي دائما متوار بوسائط أو من دونها، لأنه لا يتقن فن الظهور، وبالتالي لا يساير الذوق السائد، اختلافه يجعله مبعدا، لذا، قوة حضوره بالنسبة لي تتجلى في منجزه الإبداعي والفني، حتى إن غاب وجوده المادي فيبقى أثره ممتدا في الزمن.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي