
“لا تعتقدوا أن مكاتب حماس في قطر ستغلق، لا لأننا نريد بقاء حماس فيها، بل لأننا نريد التسهيل على المفاوضات مع الطرفين للوصول إلى حماس بشكل مباشر”، هذا ما قاله وزير الدفاع في قطر، خالد بن محمد العطية، في محاضرة ألقاها الجمعة في مؤتمر عقد بجامعة البسفور في تركيا. العطية، وهو طيار حربي سابق ووزير خارجية سابق والذي يدمج بين أعماله الشخصية ومنصبه الرفيع، طرح موقف قطر التقليدي القائل إن استضافة حماس لا تستند إلى أسباب أيديولوجية، بل لأسباب عملية.
للوهلة الأولى، تبدو أقوال الوزير رداً على ما نشرته “وول ستريت جورنال”، التي مفادها أن مصر وقطر وبضغط من واشنطن، حذرتا قيادة حماس من طرد قادة الحركة من قطر وتجميد ممتلكات حماس. لكن لم تسمع حتى الآن ردود رسمية لقطر ومصر على هذا النشر. مع ذلك، سبق لقطر ورمزت في تشرين الثاني بأنها ستكون مستعدة لـ “إعادة فحص” علاقتها مع حماس دون التطرق إلى قضية إغلاق مكاتبها. وفي نيسان، عندما أوضح وزير خارجية قطر، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بأنه على خلفية صعوبات تواجهها المفاوضات وهجمات على قطر من أعضاء كونغرس أمريكيين، فإن “قطر ستعيد فحص مشاركتها في الوساطة”. هذه الأقوال التي أثارت عاصفة فُسّرت على أنها نية لإبعاد قيادة حماس من قطر. بعد فترة قصيرة، نشر أن إيران توجهت إلى سوريا وطلبت فحص استيعاب قادة حماس الذين سيطردون من قطر، لكن سوريا رفضت ذلك بشكل قاطع.
طرد قادة حماس، مثل إسماعيل هنية وخالد مشعل ومحمود الزهار وعزت الرشق، ربما هو عقوبة شخصية شديدة على زعماء يعيشون في ترف في الدوحة، والذين أصبحوا رمزاً يمثل فجوة كبيرة بين قادة الداخل التي تحارب في غزة بقيادة السنوار وقادة عز الدين القسام، وبين قيادة حماس الخارج. ولكن ثمة شكا بأن تؤثر هذه العقوبة على السنوار، الذي يمسك المخطوفين بيديه، لذا قرار مصير المفاوضات لإطلاق سراحهم وعلى مستقبل حماس بيده هو. قلب السنوار تركيبة قيادة حماس الهرمية رأساً على عقب؛ فقد نجح في استخدام الحرب واختطاف جنود إسرائيليين ومدنيين، ليس فقط من أجل إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين أو التوصل إلى وقف كامل لإطلاق النار، بل دفع قيادة حماس السياسية إلى مكانة ثانوية، مكانة مبعوثين ووسطاء يعتمدون عليه. “ترتيب العمل” هذا الذي يمليه السنوار، وضع مجلس شورى حماس (الجسم الأيديولوجي المخول باتخاذ القرارات الاستراتيجية والسياسية والعسكرية) في الظل أيضاً، الذي عين السنوار رئيساً للمكتب السياسي لحماس في غزة، وصالح العاروري الذي صفي في كانون الثاني في بيروت كمسؤول عن الضفة، وصادق على تولي هنية رئاسة المكتب السياسي لحماس.
من ناحية السنوار، لا أهمية لمكان إقامة قادة حماس الخارج. ولكن، كما أوضح وزير الدفاع القطري، فإن نقل مكان إقامتهم قد يصعّب ترتيبات الاتصال مع السنوار، لا سيما إذا اضطرت هذه القيادة للعثور على ملجأ في إيران أو الجزائر أو ماليزيا. صحيح أن جزءاً من نشاطات الوساطة يجري في فرنسا ومصر وتركيا، وأن بإمكان زعماء حماس إجراؤها حتى لو لم يكونوا في قطر، لكن العلاقة المباشرة بين القيادة في قطر والمنظمة لها أهمية كبيرة بسبب التجربة التي راكمتها قطر في الأشهر الثمانية الأخيرة، أو بفضل العلاقات القريبة التي بنيت مع ممثلي إسرائيل والولايات المتحدة.
مهمة بلينكن
في المقابل، إن قطر رغم الموقف الفعال الذي قدمه وزير دفاعها، لها مصلحة في استضافة قيادة حماس للحفاظ على مكانتها كوسيط، ما دامت تقدر بوجود فرصة لعقد صفقة تشمل إطلاق سراح الرهائن وإنهاء الحرب. تتمتع قطر منذ العام 2022 بمكانة رسمية بصفتها حليفة كبيرة للولايات المتحدة رغم أنها ليست عضوة في الناتو. وقد حصلت على هذه المكانة من خلال سلسلة وساطات ناجحة شملت الاتفاق بين الولايات المتحدة و”طالبان” حول ترتيبات انسحاب الجيش الأمريكي من أفغانستان، واتفاق تبادل الأسرى بين الولايات المتحدة وإيران، وتقديم خطة لحل الصراع الدموي في تشاد. جهود الوساطة بين الولايات المتحدة وإيران لم تثمر حول الاتفاق النووي الجديد، ومؤخراً نشطت في جهود حول حل الأزمة السياسية الخطيرة في لبنان، وأصبحت وساطة قطر في الصراعات الإقليمية أمراً استراتيجياً، الأمر المهم بالنسبة للإدارة الأمريكية، على خلفية لامبالاة أو عجز دول عربية أخرى مثل مصر أو الإمارات أو السعودية، لذا فإن قرار ترحيل قادة حماس سيفسر أنه استسلام قطر في قضية غزة، وقد يضر بالسجل والمكانة التي حصلت عليها بجهود كبيرة، وقد يضر بعلاقاتها مع الولايات المتحدة، لا سيما أنه تم إدراجها في قائمة أهداف أعضاء في الكونغرس الأمريكي، الذين يطالبونها باستخدام المزيد من الضغط على حماس، ويدفعون الرئيس بايدن لإعادة النظر في علاقاته مع قطر.
مشكلة إسرائيل والولايات المتحدة ليست هي ثقل الضغط الذي قد تستخدمه قطر على قيادة حماس الخارج. على الطاولة صفقة متفق عليها، يجب أن يصادق عليها نتنياهو والسنوار، وليس قطر أو إسماعيل هنية. طرد قادة حماس من قطر لن يحل هذا الخلاف. عندما يصل وزير الخارجية الأمريكي إلى المنطقة للمرة الثامنة منذ اندلاع الحرب، فلن تكون مهمته فحص كيف يمكن لقطر ليّ ذراع السنوار، بل لإقناع نتنياهو بالموافقة على الخطة التي سبق وصادق عليها، والعمل على إنهاء الحرب وتطبيق خطة لإدارة القطاع.
قبل عملية إنقاذ المخطوفين الأربعة، أعلنت حماس بأنها سترسل السبت رداً مكتوباً على الاقتراح. حيث طلبها الرئيسي هو إنهاء الحرب والحصول على تعهد أمريكي مكتوب بمسؤوليتها عن تنفيذ هذا الطلب. ومن غير الواضح إذا أرسلت حماس الرد حتى الآن، وكيف ستؤثر عملية الإنقاذ على موقفها. ولكن اتفاق وقف إطلاق النار، حتى لو تم التوصل إليه، فلا يحل القضية المتعلقة به بشكل وثيق، التي تتعلق بالإدارة المدنية في غزة، لأنه من المتوقع انسحاب الجيش الإسرائيلي من التجمعات السكانية في القطاع في المرحلة الأولى في الاتفاق، في الوقت الذي ما زالت فيه إسرائيل ترفض السماح لممثلي السلطة الفلسطينية بإدارة ولو منظومة المساعدات الإنسانية أو تشغيل الطرف الغزي في معبر رفح. وإذا كانت هناك اداة ضغط حقيقية على السنوار، فتكمن في الإدارة البديلة التي ستُشكل في غزة، وليس في سكن هنية بقطر أو الذي سيعرض عليه في دولة أخرى.
بقلم: تسفي برئيل
هآرتس 9/6/2024