
واشنطن- نشرت مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية تحليلا بعنوان “النخب المؤيدة لبوتين في روسيا.. كيف جندهم الدكتاتور لأجندته المناهضة للغرب؟” للباحثة في مؤسسة كارنيغي تاتيانا ستانوفايا، تناولت فيه اصطفاف النخب الروسية إلى جانب الرئيس فلاديمير بوتين في حربه ضد أوكرانيا، وتبني أجندته المعادية للغرب.
وبدأت الكاتبة تحليلها بمواقف تلك النخب من حادثة هجوم مسلحين، في مارس/ آذار الماضي، على قاعة كروكوس سيتي الموسيقية داخل مجمع تجاري في ضواحي موسكو، والذي أسفر عن مقتل أكثر من 140 شخصا، وانهيار المبنى.
وأشارت إلى أنه رغم أن “تنظيم الدولة- ولاية خراسان” أعلن مسؤوليته عن الهجوم، فإن الحكومة الروسية أنحت باللائمة على أوكرانيا، ومن ثم على الغرب.
وأكدت أنه في ما اعتبر الكثير من غير الروس الحادثة دليلا على فشل ذريع للمخابرات الروسية، وإهانة للرئيس بوتين، نظرا لأنها تلقت تحذيرا مسبقا من الولايات المتحدة خصمها اللدود، ومن حليفتها إيران، فإن نظام بوتين أصر على تسويق روايته وبمساعدة النخب المتحالفة معه.
واعتبرت الباحثة أنه لو أن هجوما بهذا الحجم وقع في دولة ديمقراطية لأحدث غضبا عارما وتبعته تحقيقات وتداعيات على المسؤولين بسبب إخفاقهم في اتخاذ الحيطة اللازمة.
ولكن ذلك لم يكن الحال في روسيا، فبدلا من أن يحدث انقسامٌ وتشظٍ في المجتمع الروسي، أصبحت النخب الروسية أكثر عدائية، وآثرت الاصطفاف إلى جانب النظام.
واعتبرت ستانوفايا، التي تشغل أيضا منصب المديرة التنفيذية لمؤسسة “آر بوليتيك” للتحليل السياسي، أن الهجوم أظهر تماسك المجتمع الروسي ورباطة جأشه، وليس أدل على ذلك من اصطفافه خلف الدولة، وتقبله نزعة بوتين “العدائية الحازمة” تجاه أوكرانيا والغرب.
وقالت إن ما يؤكد ذلك هو تبني كبار المسؤولين الروس وجهة النظر التي تلقي اللوم في الحادثة على أوكرانيا، بعد أن كانوا يحذرون من تهديد تنظيم الدولة، مما جعلها الرواية الوحيدة المستساغة لبوتين، إذ أتاحت لأجهزة الأمن الروسية فرصة للتعتيم على فشلها في منع الهجوم.
ولم يكن هذا التحول في مواقف أولئك المسؤولين مفاجئا، برأي ستانوفايا التي تعتقد أنه أشعل الصراع مع أوكرانيا، كما أن المواجهة “الوجودية” مع الغرب عززت، بدورها، رؤية النخب الروسية الضيقة للأحداث.
ومضت الباحثة إلى القول إن الخطاب الروسي المعادي للغرب بات شائعا وسط النخب كافة، بما فيها عناصر الأجهزة الأمنية والتكنوقراط داخل النظام، والليبراليون السابقون الذين لا يزالون في خدمة بوتين.
وبحسبها، فمن شأن تناسق هذه المواقف أن يحد إلى درجة كبيرة من أي حوار روسي مع الغرب في المستقبل.
وأكدت الكاتبة أن الحرب والمواجهة المتصاعدة بين بوتين والغرب “لا تدع مجالا للانقسامات والخلافات داخل روسيا”، حيث “نجح الرئيس بوتين في صياغة مشهد سياسي متجانس بشكل مثير للإعجاب”، إذ لا شيء يمكن أن يتحدى الالتزام بالحرب في أوكرانيا والعداء للغرب.
وشددت أنه “على الرغم من أن ثمة اعتقادا سائدا بين النخب الروسية بأن هزيمة عسكرية أو أزمة مالية خانقة وطويلة الأمدة هي وحدها القادرة على وقف الزخم الذي تشهده بلادهم، فإن حدوث ذلك لا يبدو وشيكا”.
ولفتت إلى أن اعتقاد الكرملين بأن تحدي الغرب، وإعادة النظر في النظام العالمي “المعيب والخطير”، سيجعل العالم أكثر أمنا، يبدو مسوقا بشكل مقنع وملحوظ.
وبحسب الكاتبة، فهدف موسكو إنشاء نظام سياسي في أوكرانيا صديق لروسيا، وبالتالي حرمان الغرب من موطئ قدم في الأراضي الأوكرانية، وهذا سيُعد هزيمة كبيرة للغرب.
ونوهت أنه على الرغم من أن هذا الهدف يبدو في ظاهره غير واقعي وصعب التحقيق، فإنه يقود إستراتيجية بوتين العسكرية.
وخلصت الباحثة للقول إن محاولة استرضاء بوتين غير مجدية، وأن تمني حدوث انقسام وتشظٍ داخل روسيا والسعي لتحقيقه لا طائل منه، طالما أن البلاد بقيت على قوتها المالية، وحافظت على تفوقها في أوكرانيا، وضمنت سيطرتها الكاملة على الداخل الروسي.