لوموند: إذا أردنا تجنب حرب واسعة النطاق فمن الضروري أن نعمل على بناء السلام الإسرائيلي الفلسطيني  

2024-04-22

 

كان بوسع صدام حسين في الواقع أن يدين “المعايير المزدوجة” للتعبئة التي ألهمتها الولايات المتحدة ضد احتلال الكويت (أ ف ب)قال جان بيير فيلو، الأكاديمي الفرنسي، وأستاذ العلوم السياسية، في مقال رأي بصحيفة “لوموند”، إنه من المثير للدهشة أن التعليقات على الهجوم الضخم الذي نفذته إيران ضد إسرائيل في 13 أبريل/ نيسان، لم تأخذ في الاعتبار سابقة الضربات العراقية ضد الدولة العبرية في يناير/ كانون الثاني عام 1991، فالخوف آنذاك كان جدياً من اندلاع حريق إقليمي، بعد خمسة أشهر من غزو الكويت من قبل نظام صدام حسين.

وبالإضافة إلى ذلك، ساهم خطر تجهيز الصواريخ العراقية برؤوس حربية كيميائية في إضفاء طابع درامي على الأزمة. وأثار بنيامين نتنياهو، نائب وزير الخارجية آنذاك، ضجة كبيرة عندما ارتدى قناع غاز أثناء مقابلة مع قناة “سي إن إن” الأمريكية، بينما انطلقت صفارات الإنذار. وشدد قائلا: “لا أستطيع أن أخبرك متى، ولا أستطيع أن أخبرك أين، ولا أستطيع أن أخبرك كيف، لكننا سنضمن أمن إسرائيل”، وهي تعليقات ربما لن يتنصل منها بعد مرور ثلاثة عقود.

العراق يراهن على التصعيد

أضاف الكاتب القول إنه بطبيعة الحال، كان السياق الإقليمي مختلفا تماما. ففي أغسطس 1990، أرسل صدام حسين قواته لمهاجمة الكويت، التي سرعان ما تم احتلالها وضمها. وقد أثارت هذه الحرب العدوانية إدانة دولية واسعة النطاق، بما في ذلك في العالم العربي. وشعرت السعودية بالتهديد المباشر من النزعة التوسعية العراقية، إلى درجة أنها طلبت نشر مئات الآلاف من الجنود الأمريكيين على أراضيها.

وأدت هذه العملية، التي أطلق عليها اسم “درع الصحراء”، إلى إنشاء تحالف واسع مناهض للعراق، تحت رعاية الولايات المتحدة. وقد ضمنت واشنطن انضمام سوريا في عهد حافظ الأسد، ومصر في عهد حسني مبارك إلى هذا التحالف، معتمدة على العداء العميق الذي يكنه هذان المستبدان تجاه صدام حسين، إضافة إلى رغبة دمشق والقاهرة في التنافس مع بغداد على رقعة الشطرنج في الشرق الأوسط. وكان رد فعل الدكتاتور العراقي هو التظاهر بأنه بطل القضية الفلسطينية في مواجهة القمع الإسرائيلي للانتفاضة في غزة والضفة الغربية المحتلة منذ عام 1967، يوضح جان بيير فيلو.

وتابع الكاتب القول إنه كان بوسع صدام حسين في الواقع أن يدين “المعايير المزدوجة” للتعبئة التي ألهمتها الولايات المتحدة ضد احتلال الكويت، على الرغم من أن واشنطن كانت قد قبلت استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية طوال جيل كامل. لكن صيحات الدعاية العراقية لم تخف بشكل جيد رغبة بغداد في تخفيف قبضة التحالف الذي تقوده واشنطن، من خلال إشراك إسرائيل في الأزمة، وبالتالي محاصرة سوريا ومصر والجزيرة العربية.

في 17 يناير/ كانون الثاني عام 1991، أطلق جورج بوش الأب، تحت اسم “عاصفة الصحراء”، حملة قصف ضد قوات صدام حسين في الكويت والعراق. وفي اليوم التالي، أطلق العراق حوالي عشرة صواريخ من نوع سكود على إسرائيل. ومنع الرئيس الأمريكي رئيسَ الوزراء الإسرائيلي إسحق شامير من القيام بأي شكل من أشكال الانتقام ضد العراق، لكنه أمر بنشر بطاريات باتريوت المضادة للصواريخ في إسرائيل، والتي يديرها جنود أمريكيون، مما حد من الخسائر الإسرائيلية. والواقع، أن صدام حسين لم يستخدم الأسلحة الكيميائية ضد إسرائيل أكثر مما استخدمها على جبهة الكويت، التي طُردت قواته منها في غضون أيام قليلة في نهاية شباط/ فبراير 1991.

الالتزام الأمريكي بعملية السلام

اعتبر جان بيير فيلو أنه من الصعب اليوم قياس الطاقة التي استثمرتها الولايات المتحدة من أجل إجبار إسرائيل، للمرة الأولى في تاريخها، على عدم الرد على هجوم مباشر على أراضيها. وذلك لأن الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب (1989-1993) كان يعتزم إرساء أسس “النظام العالمي الجديد”، في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفياتي، في الشرق الأوسط. وكان من غير الوارد بالنسبة للبيت الأبيض أن يسمح لإسرائيل بالتنازل عن مثل هذه الخطة الطموحة، والتي تم الانتهاء منها في أكتوبر 1991، من خلال مؤتمر مدريد للسلام، الذي كان على إسحق شامير أن يشارك فيه تحت ضغط قوي جدا من الولايات المتحدة.

ولا شك في أن الفارق الرئيسي يمكن بين هذا التسلسل التاريخي والأزمة الحالية: فقد عزز بوش الأب عام 1991 في الشرق الأوسط المكاسب الاستراتيجية لانتصاره في “الحرب الباردة” ضد الكتلة السوفياتية، في حين أن الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، يكافح من أجل التوفيق بين دعمه العلني “الثابت” لإسرائيل، ورغبته في تجنب تصعيد لا يمكن السيطرة عليه، كما يقول الكاتب.

وتميزت أزمة 1990-1991 بطابعها “الكلاسيكي” الشامل للصراع بين الدول. بينما افتُتح الصراع الحالي بـ”حمام الدم” الذي ارتكبته حماس في 7 أكتوبر، وفق تعبير الكاتب، مما وضع إيران أمام الحقيقة المنجزة. وقد تطلب الأمر هجوم إسرائيليا على القنصلية الإيرانية في دمشق لإقناع طهران بالقيام برد على نطاق غير مسبوق. مثل هذا التصعيد في هذه المرحلة يفيد نتنياهو الذي أصبح استمرار الحرب على غزة في نظره غاية في حد ذاتها.

ولم يكتف رئيس الوزراء الإسرائيلي بشن عمليات انتقامية ضد قاعدة جوية في إيران في 19 أبريل/ نيسان الجاري، بل إنه يظل عازماً على تنفيذ هجوم ضد رفح في جنوب قطاع غزة، على الرغم من العواقب الكارثية التي قد تترتب على ذلك في منطقة مزدحمة بالسكان. أما بالنسبة لرجل الدولة الروسي فلاديمير بوتين، فلا يسعه إلا أن يشعر بالسعادة عندما يرى الجيوش الغربية تحشد بشكل أكثر فعالية لصالح إسرائيل مقارنة بأوكرانيا.

ورأى جان بيير فيلو، أنه إن كان هناك درس يمكن تعلمه من المقارنة مع عام 1991، فهو أن عملية السلام التي تتم بتصميم وأسلوب، هي الشيء الوحيد القادر على وقف التصعيد العسكري. وبخلاف ذلك، فمن المحتم أن تؤدي الأولوية المعطاة للقوة، ولا شيء غير القوة، إلى تصعيد أكثر خطورة من أي وقت مضى. “إذا كنت تريد السلام، استعد للحرب”، يقول المثل الروماني الشهير.

ولكن اليوم في الشرق الأوسط، إذا أردنا تجنب حرب واسعة النطاق، فمن الضروري أن نعمل على بناء السلام الإسرائيلي الفلسطيني. الآن، قبل فوات الأوان، كما يحذر جان بيير فيلو.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي