القدس العربي : صحوة ألمانيا على مآسي غزة: ضئيلة ومتأخرة وجوفاء

2024-03-20

المستشار الألماني أولاف شولتس يحضر المؤتمر الانتخابي لحزب الاشتراكيين الأوروبيين قبل الانتخابات الأوروبية المقبلة، في الثاني من آذار/مارس 2024 في روما (ا ف ب)منذ الساعات الأولى التي أعقبت عملية «طوفان الأقصى» وانطلاق حرب الإبادة الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين من أطفال ونساء وشيوخ قطاع غزة، دخلت ألمانيا في تسابق محموم مع الولايات المتحدة في مساندة جرائم الحرب الإسرائيلية على نحو مطلق وعشوائي وبلا حدود. والتنافس ذاك لم يقتصر على الحكومة الألمانية، وتجاوز الدعم الأعمى إلى التواطؤ تارة والتعامي عن الفظائع تارة أخرى، بل امتد ليشمل أصعدة إعلامية وحزبية وثقافية وحقوقية تجلت في فرض الرقابة على أنشطة ونشطاء دعم الشعب الفلسطيني، والذهاب إلى درجة التطوع بالدفاع عن الاحتلال أمام محكمة العدل الدولية.
كذلك كانت رئيسة المفوضة الأوروبية أورسولا فون دير لاين قد انطلقت من جنسيتها الألمانية وليس من موقعها السياسي والدبلوماسي في قيادة الاتحاد الأوروبي، فانضمت سريعاً إلى مواقف برلين الرسمية وهرعت إلى مستوطنات غلاف غزة لتعلن التأييد المطلق لحرب الإبادة الإسرائيلية، متجاهلة أن البرلمان الأوروبي لم يتخذ هذا الموقف ولم يفوضها النطق به أصلاً. وإذْ رأت جريمة حرب ترتكبها روسيا في قطع الماء والكهرباء والغذاء عن سكان أوكرانيا، فإنها لم تتخذ المقاربة ذاتها إزاء إقدام الاحتلال الإسرائيلي على إجراءات مماثلة أو أفظع.
صحيح أن ألمانيا تعاني من عقدة ذنب متأصلة بسبب جرائم المحرقة واضطهاد ملايين اليهود خلال هيمنة السلطة النازية، وأن محاولات التكفير عن الذنب يمكن أن تذهب بعيداً في مساندة دولة الاحتلال من باب الافتراض أنها حاضنة يهود العالم. غير أن غسل ضمائر ألمانيا لا يتوجب أخلاقياً أن يتم على حساب السكوت عن أشكال متجددة من المحارق بحقّ الفلسطينيين، كما أنه لن يفضي سياسياً إلا إلى تعطيل فرص السلام، فضلاً عن تشجيع الانحدار الإسرائيلي نحو المزيد من السياسات العنصرية والاستيطانية ومنظومات الأبارتايد.
واليوم، بعد أكثر من 31 ألف شهيد فلسطيني عدا الضحايا تحت الأنقاض، و166 يوماً على حرب الإبادة الإسرائيلية، تبدو ألمانيا الحكومية وكأنها صحت على الحقائق المريعة خلف حرب الإبادة الإسرائيلية، فاعترف المستشار الألماني أولاف شولتس أنه «كلما طال أمد الحرب، زاد عدد وفيات المدنيين» والوضع في غزة أصبح «مؤسفاً وكارثياً» و«لا يمكن ترك أهالي القطاع يتضورون جوعاً». من جانبها أقرت فون دير لاين بأن قطاع غزة «يواجه مجاعة، وهذا أمر لا يمكن قبوله» ودعت إلى اتفاق سريع لوقف إطلاق النار، خلافاً لمواقف سابقة حذت فيها حذو غالبية زعماء الغرب في تشجيع دولة الاحتلال على مواصلة حرب الإبادة ورفض دعوات إيقاف العدوان.
وهذه صحوة ضئيلة لأنها تنظر إلى مآسي قطاع غزة من زاوية الإشفاق والمساعدات الإنسانية، وبالتالي تتعامى تماماً عن جرائم الحرب الإسرائيلية وانتهاك القانون الدولي واستخدام أسلحة التجويع والعقاب الجماعي والتهجير. هي كذلك صحوة متأخرة أقرب إلى مسعى تجميل مواقف سابقة شهدت تلطيف الفظائع، ولهذا فإنها تظل جوفاء من حيث الشكل والمضمون معاً، ويصعب أن تغسل قبائح التواطؤ مع المحرقة الإسرائيلية المفتوحة ضد أهل القطاع.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي