لوموند: هكذا تكثّف "فتح" و"حماس" اتصالاتهما بهدف المصالحة الفلسطينية

2024-02-19

الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أ ف ب)قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية إنه بينما تربط واشنطن وحلفاؤها العرب التفاوض على وقف إطلاق النار بين إسرائيل و”حماس” بمشروع شامل لحلّ الصراع، يمكن أن يبدأ باعتراف الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية، تتردّد الفصائل الفلسطينية. تعمل “فتح”، التي تسيطر على السلطة في الضفة الغربية، و”حماس”، التي ما تزال تحت القصف في غزة، على زيادة الاتصالات بهدف التوصّل إلى مصالحة مؤلمة، والتي تم تأجيلها باستمرار، منذ القطيعة في عام 2007.

وأضافت “لوموند” القول إن هذا الحوار عقده منشقون ومنتقدون للرئيس محمود عباس، من حزبه “فتح”، الذين أرسلوا مبعوثين إلى قطر، حيث يقيم المسؤولون التنفيذيون في “حماس” في المنفى. ثم حذا زعماء “فتح” حذوهم.

ويعتقد هؤلاء الخلفاء المحتملون للرئيس محمود عباس، الذي يبلغ من العمر 88 عامًا، أن الحزبين يحتاجان إلى بعضهما البعض من أجل البقاء.

الأمر الذي أَجبر محمود عباس على زيارة الدوحة بنفسه، في 11 فبراير/شباط الجاري. وليس هناك ما يشير إلى أن هذا الرئيس، الذي لا يحظى بشعبية، والذي يحظى بدعم مباشر من الغربيين، التقى بمنافسيه من “حماس” هناك، والذين يأملون في إزاحته على المدى القصير. لكن السيد عباس استفسر من الأمير تميم بن حمد آل ثاني عن المفاوضات التي تيسرها الدوحة بين إسرائيل والحركة الإسلامية. وفي بيان صحفي جاف، حثَّ “الرئيس”، في 14 فبراير، “حماس” على “الانتهاء بسرعة من تبادل الأسرى” مع الدولة العبرية، من أجل السماح ببدء عملية دبلوماسية، يريد أن يكون أساسياً فيها.

وتتابع “لوموند” القول إن السيد عباس يخشى من أن يستمدّ الإسلاميون هيبةً هائلة من مثل هذا التبادل، فهم الذين يهدفون إلى تحرير جميع المعتقلين الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية، ومن جميع الأحزاب السياسية مجتمعة.

ويدرك الزعيم الأكبر سناً في العالم العربي أيضاً أنه يواجه صعوبة، بينما يطالب حلفاؤه العرب والغربيون السلطة الفلسطينية بـ “تنشيط” و“إصلاح” نفسها في فترة ما بعد الحرب.

“حماس” تسعى إلى الخروج من الأعلى

وعلى الرغم من هذه المخاوف- توضح “لوموند- اقتَرحَ جبريل الرجوب، وهو صديق مقرّب لعباس، خطة مصالحة على زعيم “حماس” إسماعيل هنية، في أوائل شهر فبراير الجاري، في الدوحة. ويعتقد الأمين العام للجنة المركزية لـ “فتح”، التي عملت منذ فترة طويلة من أجل المصالحة، أن “حماس لن تختفي، لأنها جزءٌ من الشعب الفلسطيني”. ولذلك فهو يحثّ مسؤوليها على “اتخاذ الخطوة الأولى”، على حدّ قوله، بالاعتراف بقرارات الأمم المتحدة كمرجع لحلّ الصراع، والقبول بدولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967 المعترف بها دولياً، وقبول جميع التزامات “منظمة التحرير الفلسطينية”، التي ما تزال الممثل الوحيد المعترف به للشعب الفلسطيني في الخارج.

وبعد الرئيس عباس، يقترح السيد الرجوب أن تتولى حكومةٌ من الخبراء غير السياسيين السلطة على غزة والضفة الغربية، وأن تبدأ بمساعدة الشركاء الدوليين في إعادة إعمار القطاع والتحضير للانتخابات العامة، وهي الأولى منذ عام 2006.

وتنقل “لوموند” عن تهاني مصطفى، من مجموعة الأزمات الدولية  (ICG)، قولها: “حماس سعت منذ فترة طويلة إلى التخلص من هذا العبء. لكن من غير الممكن تولّي السلطة على الجيب دون موافقتها. وهي لا تنوي الاستسلام. وتستبعد نفي قادتها خارج الجيب، وهو ما تقترحه إسرائيل. وتسعى الحركة الإسلامية إلى الخروج من الأعلى. إن وقف إطلاق النار في غزة، والذي يصاحبه مصالحة فلسطينية وعملية سلام، من شأنه أن يوفر لقادتها، بمن فيهم يحيى السنوار، التأمين على الحياة ضد إسرائيل. ومن شأنه أن يسمح للفرع السياسي بألّا يتم تهميشه من قبل دول المنطقة والغرب”.

لقد اكتسبت “حماس” اليقين بأنها ستكون ضرورية للحل السياسي، لذا فهي جزءٌ من المدى الطويل. مثل “منظمة التحرير الفلسطينية”، التي اعتبرتها إسرائيل ومؤيدوها وحشاً في الماضي، والتي بدونها لا يمكننا أن نفعل شيئاً اليوم”، كما تنقل “لوموند” عن  كزافييه جينيار، الباحث في معهد الشرق الأوسط الفرنسي. “حماس” لا تطالب بقيادة السلطة الفلسطينية، بقدر ما تريد أن تكون ممثَّلةً داخل “منظمة التحرير الفلسطينية”، من أجل التأثير على المفاوضات المتعلقة بمستقبل الفلسطينيين.

غموض

وتشير “لوموند” إلى قول أسامة حمدان، أحد قادة “حماس” في المنفى في لبنان: “يجب إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية. وتتمثل الخطوة الأولى في تشكيل مجلس وطني فلسطيني جديد، باعتباره برلمان الفلسطينيين في الداخل وفي الشتات. سيتخذ هذا المجلس جميع القرارات المتعلقة بإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية والقيادة الجديدة والبرنامج السياسي لحركة التحرير الفلسطينية، بما في ذلك “حماس”.

وتطالب “حماس” الآن بإجراء “انتخابات حرّة ونزيهة”، والتي ينبغي أن تضمن لها تمثيلاً يتناسب مع ثقلها السياسي باعتبارها الفصيل الفلسطيني الثاني.

وفي ما يتعلّق بمسألة حلّ الدولتين، يحافظ قادتها على الغموض، ويرفضون التعليق إلى أن يلتزم المسؤولون الإسرائيليون بالاعتراف بدولة فلسطينية، مستشهدين بـ “فخّ أوسلو”، الذي سقطت فيه القيادة الفلسطينية في عام 1993.

وفي ميثاقها المعدل في عام 1988، تؤيد “حماس” إنشاء دولة فلسطينية داخل حدود عام 1967 دون الاعتراف بدولة إسرائيل. وقال زعيمها إسماعيل هنية، في شهر نوفمبر/  تشرين الثاني الماضي: “نحن مستعدون للمفاوضات السياسية من أجل حلّ الدولتين مع القدس عاصمة لفلسطين”.

وتابعت “لوموند” القول إن “حماس” ليست مستعدة بعد لمزيد من الانخراط. فهي تعارض سيناريو ما بعد الحرب- “مسألة داخلية”- الذي يتم البتّ فيه بموجب أوامر قضائية من الخارج. وهي مقتنعة بأن محمود عباس لن يمدّ يده إليها“. يحذّر أسامة حمدان من بيروت: “إذا كان عباس يريد الاحتفاظ بمنظمة التحرير الفلسطينية لنفسه، فليفعل ذلك! “حماس” ستواصل القتال ضد إسرائيل. لكن لا أحد يستطيع أن يمنع أحداً من أن يكون جزءاً من منظمة التحرير الفلسطينية”.

وتعتقد تهاني مصطفى من مجموعة الأزمات الدولية أن “السيد عباس يظل العائق الأكبر أمام دمج “حماس” في منظمة التحرير الفلسطينية. وتهدف مناشداته لـ “حماس”، قبل كل شيء، إلى الحصول على الضوء الأخضر للسلطة الفلسطينية لحكم قطاع غزة. ”

لا عباس ولا “حماس”

وأوضحت “لوموند” أن محمود عباس يتعرّض لضغوط من مؤيديه الأجانب، الذين لا يريدون أن يسمعوا عن أي دور مخصص لـ “حماس” في فترة ما بعد الحرب. وهو نفسه يقول إنه غير مبالٍ بخيارات الحركة الإسلامية: “بالنسبة لعباس، تستطيع حماس أن تدعم الحكومة المستقبلية للتكنوقراط من الخارج، ولكن بشرط نبذ العنف وتفكيك جهازها العسكري”.

 وتنقل الصحيفة عن أحد الأوروبيين قوله: “بالنسبة لنا، هذا هو الاحتمال الوحيد”.

ويبدو أن مثل هذا المطلب يشكّل خطاً أحمر لا يمكن لـ “حماس” أن تقبله، تقول “لوموند”.

وفي مواجهة هذا “الرئيس الضعيف”، بدأ المنافسون القدامى في التحريض، مثل الجنرال محمد دحلان، الذي تم نفيه إلى الإمارات العربية المتحدة، في عام 2011، والذي يعدّ مقرباً من السلطات الإماراتية. هذا الأخير- تقول “لوموند”- أرسلَ مبعوثين إلى “حماس” في الدوحة والقاهرة.

يدعي هذا المواطن الغزاوي أنه تخلّى عن المساعي للسلطة، لكنه يقترح طريقة للخروج من الأزمة، حيث يفسح الحزبان الفلسطينيان الرئيسيان المجال لقيادة جديدة، قادرة على إطلاق عملية إعادة إعمار القطاع بمساعدة الشركاء الدوليين. خطة يلخصها بهذه الصيغة: “لا عباس ولا حماس”.

كما أجرى أقارب الزعيم الفلسطيني الأكثر شعبية، مروان البرغوثي، المسجون منذ عام 2002 في إسرائيل، اتصالات مع “حماس” مؤخراً في الدوحة والقاهرة، تؤكد “ لوموند”، موضحة أن إطلاق سراح هذه الشخصية التاريخية في “فتح” ”يمثّل أولويةً مطلقة بالنسبة لحماس” في إطار تبادل الأسرى، كما يعتقد أحد أصدقائه المقرّبين، قدورة فارس، الوزير في السلطة الفلسطينية، المكلّف بشؤون المعتقلين. وينظر إلى الرجل أيضًا على أنه مَرِن من قبل منافسيه داخل “فتح”. “ستكون أولويته توحيد الفلسطينيين ووضع حدّ للانقسام بين فتح وحماس، الذي ألحق ضرراً كبيراً بقضيتنا”، يقول ابنه عرب البرغوثي، مؤكداً قناعته بأن إسرائيل يمكن إجبارها على القيام بذلك.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي