قلبتها رأساً على عقب.. كيف غير أنصار الله الحوثيون خريطة الملاحة العالمية؟

الامة برس-متابعات:
2024-01-21

يواجه ملاك السفن التي تستخدم البحر الأحمر، وبخاصة ناقلات النفط زيادة في أقساط التأمين (أ ف ب)واشنطن- نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعدته أغنيس تشانغ وباولو روبلز وكيث برادشير قالوا فيه إن هجمات أنصار الله الحوثيين ضد السفن التجارية التابعة لإسرائيل أو المرتبطة بها في البحر الأحمر قلبت الملاحة الدولية رأسا على عقب.

وفي تحول مثير للدهشة، بدأت مئات السفن بتجنب قناة السويس والإبحار مسافة إضافية من 4,000 ميل حول قارة أفريقيا، حيث تحرق مزيدا من الوقود وتضخم الأسعار وتضيف 10 أيام على الرحلة في كل اتجاه. وتقوم السفن بتجنب واحد من أهم المعابر المائية للسفن، البحر الأحمر، حيث هاجمت جماعة أنصار الله الحوثيين والتي تدعمها إيران السفن بالمسيرات والصواريخ من مواقع في اليمن.

 ويقول أنصار الله الحوثيون إنهم يريدون تعطيل حركة السفن المرتبطة بإسرائيل وإجبارها على وقف حملتها العسكرية في غزة، لكن الاستهداف شمل سفنا تعود لعشرات الدول. وفي هذا الأسبوع، أعلن متحدث باسم أنصار الله الحوثيين أنهم “يعتبرون كل السفن الأمريكية والبريطانية” أهدافا معادية.

وتقول الصحيفة إن الاضطرابات في مياه البحر الأحمر كانت ساحقة، فلم تعبر قناة السويس التي تقع على الطرف الشمالي للبحر الأحمر سوى 150 سفينة خلال أول أسبوعين من كانون الثاني/يناير وهو رقم أقل من 400 سفينة عبرت القناة في نفس الوقت العام الماضي، حسب “مارين ترافيك”، وهي منبر بيانات. وقد استمر تحويل مسار السفن وكذا هجمات أنصار الله الحوثيين، رغم الغارات الأمريكية والحلفاء ضد مواقع للحوثيين. وضاعفت شركات الشحن البحري من أسعار نقل الحاوية من آسيا إلى أوروبا، لتغطية الكلفة الإضافية حول قارة أفريقيا.

 ويواجه ملاك السفن التي تستخدم البحر الأحمر، وبخاصة ناقلات النفط زيادة في أقساط التأمين. ومع ذلك فلم ترتفع كلفة الحاويات بنفس الطريقة التي ارتفعت فيها أثناء وباء فيروس كورونا، لكن تجار التجزئة مثل أيكيا حذروا من أن تجنب قناة السويس سيؤخر وصول البضائع التجارية للمخازن. واضطرت بعض مصانع السيارات في أوروبا لتعليق الإنتاج لحين وصول قطع الغيار من آسيا. وقد يؤدي هذا إلى زيادة معدلات التضخم، فقد قدر جي بي مورغان تشيس يوم الخميس بأن أسعار السلع الاستهلاكية حول العالم قد تزيد في النصف الأول من العام الحالي، بنسبة 0.7% حالة استمرت عرقلة حركة السفن.

وكمثال عن كلفة تغيير مسار الرحلة، خذ مثلا سفينة تابعة لميرسك هونغ كونغ التي ترفع العلم السنغافوري وبدأت رحلتها من سنغافورة باتجاه سلوفينيا في 15 تشرين الثاني/نوفمبر ووصلت بورت سعيد بعد 12 يوما حيث عبرت البحر الأحمر إلى قناة السويس. وفي رحلة العودة إلى سنغافورة وصلت بورت سعيد مرة ثانية في 17 كانون الأول/ديسمبر. إلا أنها اضطرت مع تصعيد أنصار الله الحوثيين هجماتهم، لتحويل وجهتها حول أفريقيا ووصلت إلى سنغافورة يوم الجمعة بعد شهر من الإبحار. وأصبحت قناة السويس مهمة في العامين الأخيرين للملاحة البحرية ليس من أجل نقل السلع بل ونقل الغاز الطبيعي المسال.

فقد توقفت الدول الأوروبية عن استيراد الغاز الروسي، ومن هنا زادت روسيا معدلات شحن النفط الذاهب معظمه للهند، عبر القناة، وبالمقابل استعاض الأوروبيون بغاز الشرق الأوسط عن غاز روسيا وعبر القناة أيضا. وتعبر نسبة 12% من النفط العالمي عبر البحر الأحمر وكذا كميات مهمة من الغاز الطبيعي حسب إدارة معلومات الطاقة الأمريكية. ويقول الحوثيون إنهم يستهدفون السفن المرتبطة بإسرائيل كوسيلة للضغط عليها لوقف حربها ضد غزة، إلا أن الحملة مرتبطة بسفن دول لا علاقة لها بالموانئ الإسرائيلية، كما تقول الصحيفة.

وفي الوقت الذي لم يقتل أو يصب أحد أو تدمر سفينة إلا أن بعض السفن توقفت واختطفت مثل سفينة غالاغسي المحملة بالسيارات التي احتجز طاقمها الفلبيني.

واعترضت الولايات المتحدة عدة صواريخ ومسيرات حوثية، لكن اعتراض صواريخ ومسيرات كلفتها متدنية بصواريخ عالية التقنية مكلف على الولايات المتحدة وبريطانيا. ولا يزال موقف الصين، كقوة بحرية عظمى محلا للتساؤل في البحر الأحمر، فقد تجنبت الصين انتقاد أنصار الله الحوثيين ولم تشترك في عمليات عسكرية ضدهم.

وأخرت هجمات أنصار الله الحوثيين من التدفق السنوي للصادرات الصينية قبل أن تخفف مصانعها من العمل بسبب عطلة السنة الصينية الجديدة الشهر المقبل.

وأشارت صحيفة “واشنطن بوست” في تقرير أعدته ميسي رايان وجون هدسون وأبيغل هاوسلونر إلى أن الولايات المتحدة ستواصل حملة قصف أنصار الله الحوثيين، ويقوم المسؤولون الأمريكيون بإعداد خطط لعمليات عسكرية مستدامة ضد أنصار الله الحوثيين وبعد 10 أيام من الغارات التي فشلت في وقف هجماتهم ضد السفن، مما أثار مخاوف وسط المسؤولين من حرب مفتوحة قد تؤثر على الهدنة الهشة، وربما جرت الولايات المتحدة لحرب غير متوقعة النتائج.

وعقد مسؤولو البيت الأبيض يوم الأربعاء اجتماعا لدراسة الخيارات المتوفرة لمواجهة أنصار الله الحوثيين الذين تعهدوا بمواصلة حملتهم ضد الملاحة البحرية، رغم الغارات التي استهدفت الرادارات ومواقع إطلاق الصواريخ.

وأعلنت القيادة المركزية يوم السبت عن استهداف منصة صواريخ حوثية كانت تعد لشن هجمات. وتعتبر التطورات ضربة لجهود جو بايدن الحد من انتشار حريق غزة، وسط هجمات إسرائيلية قتلت مستشارين إيرانيين في دمشق وضربات عسكرية على قاعدة عين الأسد في العراق.

وتقول الصحيفة إن الرد الأمريكي على ضربات أنصار الله الحوثيين المتزايدة قد يورط أمريكا في حرب بدون نهاية ويعطل جهودها في تركيز سياستها الخارجية على الصين وروسيا. ووصف مسؤول أمريكي رفض الكشف عن هويته استراتيجية الإدارة بأنها محاولة لإضعاف قدرات أنصار الله الحوثيين على ضرب الملاحة البحرية أو بناء نوع من الردع يجعل من ثمن استمرار العمليات الحوثية مكلفا. وقال “عيوننا مفتوحة على الحوثيين وعالمهم” و”لهذا فلسنا متأكدين من توقفهم مباشرة ولكننا نحاول بالتأكيد إضعاف وتدمير قدراتهم”.

 واعترف بايدن الذي أعاد وضع الحوثيين على قائمة الجماعات الإرهابية بعدم نجاح الغارات وردع أنصار الله الحوثيين عن الهجمات، لكنه يعتقد أنهم سيتوقفون على المدى البعيد كما أخبر الصحافيين. ويقول المسؤولون إن العملية ضد الحوثيين لن تستمر لسنين كما في العراق وأفغانستان وسوريا، لكن ليس لديهم جدول زمني لنهايتها، حيث تحاول البحرية الأمريكية اعتراض شحنات الأسلحة إليهم.

وقال دبلوماسي مقرب من الموضوع “لا نحاول هزيمة أنصار الله الحوثيين ولا شهية لغزو اليمن” ولكن هناك “شهية لإضعاف قوتهم على إطلاق هذا النوع من الهجمات وهذا يعني ضرب البنى التحتية التي تمكنهم من هذا النوع من الهجمات واستهداف قدراتهم المتقدمة”.

واعترف المسؤول الأمريكي الأول أن الغارات الأمريكية والبريطانية نجحت في تدمير قدرات أنصار الله الحوثيين، إلا أن هؤلاء لديهم ترسانة عسكرية ضخمة و”هذا لا يعني أن أنصار الله الحوثيين فقدوا قدراتهم، بل هناك الكثير الذي لم يعد لديهم”.

ويرى المسؤولون الغربيون أن المساعدة الإيرانية لانصار الله الحوثيين وتزويدهم بالأسلحة المتقدمة مكنتهم على الضرب خارج حدود اليمن، ويأمل الأمريكيون بحرمانهم من الدعم من خلال اعتراض الشحنات القادمة إليهم وتدمير ما لديهم من ترسانة. ويقول المسؤولون إن الأيديولوجية وليس الحسابات الاقتصادية وراء قرار بايدن استهداف أنصار الله الحوثيين، فالهجمات لا تؤثر على الولايات المتحدة وتجارتها التي تمر عبر قناة بنما والباسيفك، إلا أنها غيرت خريطة الملاحة الدولية.

ويقول المسؤولون إن بايدن يعتقد أن على الولايات المتحدة التحرك كـ “قوة لا غنى عنها” في العالم ولديها قدرة على تنظيم تحالفات دولية تضم ألمانيا وبريطانيا والبحرين. وقارنوا موقفه من أنصار الله الحوثيين بتحشيده الدعم لأوكرانيا ووقف ما رآه اعتداء روسيا على الأعراف الدولية. وفي حالة اليمن، يقول المسؤولون إنه كان مستعدا لحماية المعابر المائية وضمان حرية الملاحة. لكن لا أحد يعرف ماذا سيحدث أو يتوقع مستقبل العمليات.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي