سائدة عفونة.. أطفالٌ من عمر فلسطين

2024-01-17

من يهزم طفلاً لا يُمكن أن يكون منتصراً بأيّ شكل من الأشكال. أو على الأقلّ انتصارُه الوحيد سيكون إعلانه أنّه وحشيُّ، وأنَّه قاتلُ أطفال. أنّه قادرٌ على ارتكاب أبشع الجرائم التي عرفتها الإنسانية. هذا ما تخلُص إليه الباحثة الفلسطينية سائدة عفونة، في كتابها الإلكتروني "الطريق إلى السماء مُزدحمة بالأطفال"، الصَّادر عن "جامعة النجاح الوطنية" في نابلس، والذي تُوثّق فيه للشهداء الأطفال الذين قضَوا في العدوان الهمجيّ الإسرائيليّ على قطاع غزّة.

تجمع الباحثة الفلسطينية قصص مجموعة أطفال شهداء، وآخرين نجَوا بأعجوبة من قصف عنيف، عبر اقتباساتٍ وقصصٍ من أهاليهم أو أناس حولهم، أو شهادات منهم، إضافة إلى حوارات مع الناجين منهم.

لا تنطلق الباحثة في كتابها من تاريخ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر لتوثيق قتل الطفولة الفلسطينيّة، فالحكاية بدأت منذ زمن طويل، تحديداً من عام 1917 وتاريخ "وعد بلفور" المشؤوم، الذي منحت بريطانيا بموجبه "حقّاً" لليهود في تأسيس "وطن قومي" لهم في فلسطين، بناء على مقولة مزيّقة هي "أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض".

منذ تلك اللّحظة، وإلى يومنا هذا، لم تتوقّف "إسرائيل" عن قتل الطفولة العربية والفلسطينية، بالمعنيَين الحقيقي والمجازي للكلمة، وأخيراً وصل بها الأمر إلى شنّ حرب إبادة جماعية على الأطفال والحجر والبشر والذاكرة وكلّ ما يشير إلى فلسطين.

 إنّها قصّة طويلة، إذاً، تتحدّث عن أطفال فلسطين، الذين يرى المُحتَلّ فيهم خطراً على وجوده، لذلك يطاردهم ويقتلهم، ويرمي القنابل على أهاليهم وذويهم. وتتكرّر القصص: فهنا طفل استُشهد جميع أفراد عائلته في قصف صهيوني، لكنّه خرج من تحت الرُّكام يرفع راية النصر. إنّه جمال. وهناك سما؛ طفلة تعرّفت إلى أمّها من شكل شَعرِها، فقالت: "إنّها أمي، أعرفها من شعرها، دعوني أودّعها للمرّة الأخيرة".

بين جمال وسما، تروي الباحثة الفلسطينية قصص عشرات الأطفال الذين استُشهدوا أو شهدوا قتل أحد أفراد عائلتهم أمام أعيُنهم جرّاء القصف الهمجي والقنابل التي يرميها جيش الاحتلال. وربّما تكون أصعب هذه القصص قصّة عدي، ذلك الطفل الذي تختتم به الباحثة كتابها، إذ تقول "استُخرجت له شهادة وفاة قبل شهادة ميلاده. وُلد تحت الحصار، تحت الأنقاض وصرخَ صرخة الحياة وصرخة الموت في يوم واحد".

في الكتاب أصوات لأطفال يبدون من عمر فلسطين، عمر التاريخ، والذاكرة والأرض. أطفال يبلغون العاشرة أو الحادية عشرة، لكنهم يتحدّثون وكأنهم أكثر خبرةً من الحياة نفسها. كأنهم لم يولدوا أطفالاً، بل رجال ناضجون. فها هو خليل يقول: "ننام معاً ونموت معاً. الاستعداد للموت أصعب من الموت نفسه".

على الرغم من الحزن الذي يسيطر على صفحات الكتاب، إلا أنّه حزن يرافق الأمل الموجود أيضاً. وهو أمل يبعثه الأطفال من تحت الرُّكام، من بين النيران، في باحات المدارس، وهم يبكون أو ينزفون. كلُّ إِشارة منهم، رغم مرارتها وقساوتها، هي شمس "بتضوي شموس"، كما يقول خليل.

لا شك في أنَّ كلَّ طفل فلسطيني شهيد بكتاب الباحثة سائدة عفونة، ليس ضحيّة نظام الفصل العنصري والاستعمار والاحتلال فحسب، بل ضحيّة هذا العالَم الغربي الذي يقف صامتاً أمام المجازر التي ترتكبها "إسرائيل" بحقّ الشعب الفلسطيني.

إنّه أيضاً ضحيّة هذه الأنظمة العربية التي تُوارب وتُخاتل وتصمت وتُدير ظهرها أمام ما يفعله الإسرائيلي في الخريطة العربية، بدءاً من فلسطين، وانتهاءً بالسودان وسورية.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي