لا أنصح به أحداً

2023-11-12

قاسم حداد

لم يعد الرمز مفيداً.

ولم يعد الشعر.

لا أنصح أحداً به.

لم أمت بعد.. لستُ يائساً.

أنا اليأس شخصياً.

أحلامي محطمة، تتحطم أمامي. سياسياً لا أثق بمنظمة (حماس). مع الشعب الفلسطيني بلا تردد. الأهل في غزة يقتلونني ويقتلون رموزي وهم يموتون. لا يستخدمون الرمز، لا يموتون رمزياً. إنهم يموتون بالفعل، وبالمناسبة هم يفعلون بنا ذلك منذ عام 1948 (يا إلهي هذا شعب لا يفنى).

٭ ٭ ٭

وفيما يموتون يقتلون فينا الأمل في النظام العربي، أما الأنظمة الغربية فقد خرجوا من برنامجي، منذ أن وقفوا مع الدينيين عام 2011، ضد الشعوب العربية. فهم في أوروبا بعد أن فصلوا الدين عن الدولة قبل 200 سنة، استداروا لكي يطلقوا علينا وحش الدين يفتك بنا. ها هم الآن، يقفون ضد الشعوب العربية مع إسرائيل. وضد حماس، ويفتكون فعلياً بالشعب الفلسطيني في غزة، بحجة ملاحقة منظمة حماس. مرددين أن ما يفعلونه هو ردة الفعل على ما حدث في 7 أكتوبر. الانفعال إذا استمر أياماً، فهو لا يدوم أكثر من شهر. لا أفهم ما تفعله إسرائيل في غزة سوى الخطة الأكبر التي تتجاوز (حماس) وغزة. يتوجب أن نتنازل عن عقولنا إذا قبلنا الحجج التي يسوقونها لما يفعلونه من كوارث، في فلسطين، لئلا نتوقف عند غزة.

٭ ٭ ٭

لم أكتب شعراً أكثر مما فعلت، فالأحلام التي كان شعري يذهب إليها أرقبها الآن وهي تنهار وتتراكم بفضل واقع ما يحدث. الغرب ينهار، والعالم يكتشف إسرائيل مجدداً ويقرأ تاريخها منذ وعد بلفور.

٭ ٭ ٭

لم أكتب شعراً فما ينهار ينهار من حولي، فيما أقف متفرجاً على هذا الانهيار، فبعد غزة لن يقبل العالم كل هذه الحشود على الجانبين، الحشد الوحشي الذي يقتل شعباً كاملاً بالسلاح، والحشد المتراكم بكلامه فقط.

٭ ٭ ٭

يبقى أن أقول إن شعوب العالم الصاخبة في كل مكان نصراً لفلسطين ورفضاً للحرب، هي أكثر مما عشناه في ستينيات القرن الماضي، حيث كان يسار العالم ينتصر للقضية الفلسطينية. الآن شعوب العالم تتبع بوصلة القلب، و(فلسطين في القلب) حسب الشاعر الفلسطيني معين بسيسو.

٭ ٭ ٭

لا توقظ الموتى

فهم موتى

ونحن نزاحم الأحياء

لا توقظ الموتى

فكل ضحية تمضي إلى قبرٍ لها في الأرض

فضيحة وعلامة للموت فينا

فينا من يموت ثلاثة في النوم

قبل النوم

أو بعده

فينا من يعيش ويسأل القتلى عن الموت الخبيث

ثلاثة ويستعير الموت كي ينسى

فينا من يؤرخ موته

ويلائم القتلى

يقاوم من يعيش بموته عنا

وفينا خمسة لا يعرفون الله إلا وهو يموت

فينا من يموت لكي يلقن ربه درس الغياب

فينا من كتاب الموت فاصلةٌ ونقطةُ كاتبٍ

فينا من اليأس البقايا

ربما متنا من اليأس الثقيل

وربما متنا قبيل الموت

مقتلنا لفرط الموت

ذبحنا نفسنا. متنا

تعلمنا الممات من الحياة

وربما تلقينا دروس الموت من أحيائنا

متنا قليلاً قبل أن نفنى.

٭ ٭ ٭

ليتنا نتفهم ونعتمد الفرق الجوهري بين الصهيونية واليهودية، ففي الجانب الإسرائيلي يكرسون هذا الخلط الفظيع، ليس التباساً، ولكن لجعل المعركة بين الفلسطينيين والعرب، وإسرائيل هي معركة دينية وليست سياسية. بعض العرب، المسلمون خصوصاً، يتناولون الأمر بوصفه خلافاً بين المسلمين واليهود، وفي هذا مقتلة لقضيتنا في العالم.

٭ ٭ ٭

تعالوا انظروا الدماء في الشوارع

تعالوا انظروا.

٭ ٭ ٭

لم أكتب شعراً هذه الأيام، فقط أستعيد ما كتبت عام 1982 عندما اجتاحت إسرائيل لبنان. الآن لم يتغير شيء. فالواقع لا يتغير.

٭ ٭ ٭

في البدء كانت جنة الرؤيا

أرى في ما أرى

تبكي صنوبرة على صحن المدينة، والخيام تجلل الرؤيا

أرى طرقاً ستأخذني إلى طرق ستأخذني إلى طرق،

وبحراً كالمدى في ما أرى

كانت ستعشقني العذارى.

سوف أصبح نجمة في شرفة .

لو نشرة المذياع قالت آخر الأخبار قبل الهجرة الأولى

رأيت وما رأيت

مدينة تمشي وعذراواتها يفقدن عشاقاً ويفتقن القميص

ويحترفن الغزل كي يفتقن ثانية

رأيت كما رأيت

لهن شاهقة الرؤى/ لي منتهى شجرٌ سيحنو فوق

جنتي المحاصرة المباحة/ هل رأتْ تفاحة الفصحى قلنسوة

البلاغة غيمة الشعراء/ كانت جنة الرؤيا بدايتي الأخيرة

هل رأتْ في ما رأيتُ

نهاية الهجرات/ كل مدينة وَجْرٌ ومنعطفُ السلالة

جيفةٌ ترث الجزيرة

هل أرى وطناً يُعيدُ الشكلَ، يمزج جنة الرؤيا بفوضاي

الجميلة، يخطئ المعنى معي، يهتاج في لهب السبايا

قالت الأخبار هجرتي الكسيرة في طريق كلها طرق مطوقة

بعذراوات يحرسن المخيم بالدم العاري

ويسطعن انتشاء في دم لي أو دمٌ لغموض أخباري

لهن خفائف يخفقن فوق مخيم وكنيسة تنأى

رأيت صلاتهن جنازة

يعشقن فرسانا ويفتقن القميص

لكي يطيب الغزل.. يفتحن الصدور

لهن جرح وردة في القلب. يفضحن العواصم بالمخيم

هل أرى في ما أرى

مرآتي انهارت على حجر الطريق ونسوة ينصبن أشراكا

يسمين الحراب حديقة والماء مأوى

يبتكرن نهودهن، يضعن في شرفات أحلامي حناجرهن

لي عشق مغامرة بلاد هيأت أسرارها

لذبيحة الرؤيا

أرى في ما أرى

مدنا تجرجر عارها ومدينة تستنفر الأسرى

ترصع جمرها مختالة وتصيح بي في هودج الهجرات

لي ماءٌ يقاومني لكي أنسى

لها ماء يسمى ملجأ وخديعة تئد النساء يطأنَ قلبي

كل ما ينسي يسمى جنة الرؤيا

لهن تميمة في طينة الجسد الطري/ وكلما أنسى

أسمي وردة الفوضى عشيقتي الصغيرة. كلما أنسل

من ليل المدائن، من سلالة جيفة ترث الجزيرة،

كلما.. في جنة الرؤيا أرى مستقبلا وأرى حفيرة.

٭ ٭ ٭

سألوه

واشتبكتْ جيوشٌ فوقَ جثته:

تُلائمُ أو تقاوم

طينةُ الجسد الرماديّ احتمتْ بسلالة الشُورى

تُقاومُ أو تلائمُ

طينة الجسد الطري تجاسرتْ

عبرتْ بلادا كالشواهد، راودتها شهوة المنفى

تلائم

عندما سألوه كانت نحلة الرؤيا تغيم بمقلتيه

وكان تاريخٌ يضلله الوضوحُ

سألوه

كان موزعا بين السقيفة واحتمالات الخلافة

واضطراب النص والفتوى ومختلف الشروحِ

سألوه في شفق الوقيعة والمشانقُ كلها كانت له

قاوَمتَ

لكن ما الذي يبقى

تقام لأجلك الرايات

موتكَ سَيدٌ

ستكون عبداً عندما لا تنحني في ظل قوس النصر

يبقى، ما الذي يبقى

تقاوم أو تلائم

جنة الرؤيا يداك

وكاحلاك على رمادٍ باردٍ،

قاومتَ أو لاءمتَ

كانوا يسألون الفقه والقانون والمتن الذي

كتبوا هوامشه وسَدُّوهُ بجلدة كاسِرٍ

وجميع ما يبقى لك الآن الكتابةُ والغياب

هذيتَ أو كاشفتَ، إن سألوكَ قُلْ لهم الجواب

هذيتَ أو حاصرتَ أسرارَ الذبيحةِ

سَيدٌ في الموتِ

لا دَمُكَ الذي يُغري بأنخابٍ دَمٌ عبدٌ

ولا العربية الفصحى ستبتكر البلاغةَ عندما ترثيك

قاوم

واحفظ الطين الطريّ ولا تلائم

كلما سألوك قاوم

سوف تهذي سيداً ويموت موتك

عندما نصبوا السرادق خارج الأسوار وانتظروا

لكي ينهار وقتك

أين صوتك

دَعْ لهم سعةً لكي تصلَ القوافلُ مكةً بالقدس

تمتد القبائلُ

دع لهم، يطأون جثتك الفطيسة

كلما واصلت صمتك

فاتئد.

سيكون في الطين الذي ليديك شاهدة

لتسمع عندما تهذي

يقاوم أو يلائم

عندما تغوي يديك سفينة التيه

انفصل

دَع فسحةً كي لا تغادر جنة الرؤيا

وقاوم .

٭ ٭ ٭

سألوه واشتبكت جيوشٌ فوق جثته تلائم أو تقاوم طينةُ الجسد الرمادي احتمت بسلالة الشورى: تقاوم أو تلائم طينة الجسد الطري تجاسرت عبرت بلاداً كالشواهد، راودتها شهوة المنفى تلائم عندما سألوه كانت نحلةُ الرؤيا تغيم بمقلتيه وكان تاريخٌ يضلله الوضوحُ سألوه كان موزعا بين السقيفة واحتمالات الخلافة واضطراب النص والفتوى ومختلف الشروحِ سألوه في شفق الوقيعة والمشانقُ كلها كانت له: قاومتَ لكن ما الذي يبقى تقامُ لأجلك الرايات موتك سيدٌ ستكون عبداً عندما لا تنحني في ظل قوس النصر يبقى، ما الذي يبقى تقاوم أو تلائم جنة الرؤيا يداك وكاحلاك على رمادٍ باردٍ، قامت أو لاءمت كانوا يسألون الفقه والقانون والمتن الذي كتبوا هوامشه وسدوه بجلدة كاسرٍ وجميع ما يبقى لك الآن الكتابة والغياب هذيت أو كاشفت، إن سألوك قل لهم الجواب هذيت أو حاصرت أسرار الذبيحة سيدٌ في الموت لا دمك الذي يغري بأنخابٍ دمٌ. عبدٌ ولا العربية الفصحى ستبتكر البلاغة عندما ترثيك قاوم واحفظ الطين الطري ولا تلائم كلما سألوك قاوم سوف تهذي سيدا ويموت موتُك عندما نصبوا السرادق خارج الأسوار وانتظروا لكي ينهار وقتك، أين صوتك دَعْ لهم سعةً لكي تصلَ القوافلُ مكةً بالقدس تمتدُّ القبائل دع لهم، يطأون جثتك الفطيسةَ كلما واصلت صمتك فاتئد سيكون في الطين الذي ليديك شاهدة لتسمع عندما تهذي: يقاوم أو يلائم عندما تغوي يديك سفينةَ التيه انفصلْ دع فسحة كي لا تغادر جنة الرؤيا وقاوم.

شاعر بحريني








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي