مراد الخطيبي: التعدد أفقا للتفكير النقدي

2023-08-27

بوشعيب الساوري

تعززت الساحة النقدية، المغربية خاصة والعربية عامة، بصدور كتاب نقدي جديد للباحث والمُترجم المغربي مراد الخطيبي، عن منشورات مكتبة السلام الجديدة في الدار البيضاء (2023) في 175 صفحة من القطع المتوسط، يحمل عنوان «التعدد الأجناسي في الكتابة الإبداعية المعاصرة دراسة نقدية» ويأتي هذا الكتاب بعْد كتبه‫ ‫»عبد الكبير الخطيبي الأجنبي المحترف» (2017) «عبد الكبير الخطيبي وصداقاته الإنسانية والفكرية» (2020) «‫الترجمة الأدبية: الممكن والمأمول» (2021).

يلاحظ قارئ الكتاب أن مراد الخطيبي حالَفَه التوفيق في اختيار كلمة التعدد في عنوان كتابه النقدي هذا، الذي يضم متابعات نقدية للعديد من النصوص الأدبية، التي تبدو بجلاء أنها كلمة مفتاح لا غنى عنها في قراءته وتمثل مراميه ورهاناته النقدية من جهة، كما تكشف عن أهم الخصوصيات المميزة للاشتغال النقدي فيه؛ أولاً على المستوى المفهومي التصوري في المنطلقات والرؤية النقدية الحاكمة لمقالات الكتاب، وثانياً على المستوى الإجرائي التطبيقي في تحليل ما اختاره من نماذج نصية، في المقالات الأربع عشرة المكونة للكتاب من جهة أخرى.

تقودُ القراءة المتمعنة لهذا الكتاب الجديد للناقد المغربي مراد الخطيبي، إلى أن التعدد، كمفهوم ناظم له على المستويين النظري والتطبيقي من جهة، وبوصلة لا غنى عنها في قراءته وتلقيه من جهة أخرى، يتحقق في عدة سمات لافتة يكشف عنها تلقي المقالات المكونة للكتاب، ومن أهم هذه السمات اللافتة نذكر ما يلي:

أولها: تميز الكتاب بالاشتغال على نصوص إبداعية تنتمي إلى عدة أجناس أدبية منها المكرس ومنها ما يبحث لنفسه عن مكانة بين الأجناس الأخرى، رغم وجود هيمنة ملحوظة لجنسي الرواية والشعر ببعض أنواعه (خمس روايات مغربية، سبعة دواوين شعرية مغربية وديوان إيراني، نص زجلي مغربي واحد، وكتاب يضم نصوصاً وحوارات لسعيد عاهد).

ثانيها: تعدد في الثيمات التي عالجها الكاتب؛ فيما حلله من نصوص متعددة الانتماءات الأجناسية، التي يروم من خلالها الناقد الكشف عن القيمة الفكرية في تحقق هذه النصوص، انطلاقا مما تثيره وتطرحه من موضوعات للتفكير النقدي، من أهمها نذكر، البحر وتمثلاته، المرأة ومراياها، الأنا والآخر، المدينة ودلالات الانتماء، الضوء والعتمة، الذاكرة بين الوشم والتشظي…

ثالثها: تعدد الخصوصيات الجمالية المقارَبَة في النصوص التي اشتغل عليها الناقد، والتي أضفت على الكتاب تنوعاً في التقنيات الفنية المميزة للنصوص المدروسة وأبعدت العمل النقدي من السقوط في النمطية. وتمثلت هذه الخصوصيات في: لعبة السرد، نسق الكتابة وتعدده، التدفق الشعري واستراتيجية الحكمة، لذة التعبير وسلاسة اللغة، اختزال اللغة وعُمق الصورة، البعد الجمالي..

رابعُها: تعدد في الهوية اللغوية للنصوص المدروسة في الكتاب. فعلى الرغم من هيمنة واضحة للنصوص المكتوبة بالعربية المتمثلة في وجود أحد عشر نصا، يحضر نصان باللغة الفرنسية للكاتبين المغربيين عبد الكبير الخطيبي وعبد الغني فنان، كما تحضر ثلاثة نصوص مترجمة، الأول لعبد الكبير الخطيبي والثاني لعبد الغني فنان عن الفرنسية والثالث للشاعرة الإيرانية سانز داودزاده فر عن اللغة الفارسية.

خامسها: يوسع مراد الخطيبي اهتمامه النقدي ليجعل من كتابه موسوماً أيضاً بتعدد في أجيال الكتاب المدروسين، إذ لم يكتف الناقد بتحليل نصوص إبداعية للرواد (عبد الكبير الخطيبي، أحمد المديني) أو الجيل الذي لحقه (نور الدين الزويتني، سعيد عاهد…) بل ضم كتابه أيضاً نصوصاً لكتاب من الجيل الجديد (سامح درويش، محمد يويو، هشام ناجح، فاطمة بلعروبي)

هكذا يتحقق التعدد كبنية ناظمة وأفق للتفكير النقدي في كتاب «التعدد الأجناسي في الكتابة الإبداعية» لمراد الخطيبي على مستوى الخلفية المعرفية الموجهة، وكذلك على مستوى اختيار النصوص المنتمية إلى أجناس أدبية متعددة، وهويات لغوية وحساسيات إبداعية متنوعة، وعلى مستوى الفعل النقدي في تناول ما تثيره هذه النصوص من ثيمات وخصوصيات فنية موسومة بالتعدد.

كاتب مغربي








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي