الكاتبة المغربية حنان درقاوي: أنا حرة في اختياراتي الفنية ولن أعجب الجميع

2023-08-23

حاورها: ياسين حكان

حنان درقاوي كاتبة ومترجمة مغربية تقيم في فرنسا. صدرت لها عدة أعمال سردية، في القصة «طيور بيضاء» (1997) «تيار هواء» (2003) «حياة سيئة» (2014) «بنت الرباط» (2014) «وردة لعائشة» (2018). وفي الرواية «جميلات منتصف الليل» (2014) «الخصر والوطن» (2014) «جسر الجميلات» (2014) «الراقصات لا يدخلن الجنة» (2020). وفي صنف الترجمة، صدر لها كتاب «الحاجة المذهلة للاعتقاد» لجوليا كرستيفا (2020). كما حصلت على عدة جوائز أدبية محلية وعربية، وترجمت أعمالها إلى عدة لغات كالإسبانية والإنكليزية والألمانية والأمازيغية. في هذا الحوار، نتطرق إلى شواغلها ككاتبة عربية في المهجر، ونظرتها إلى الإبداع والثقافة وواقع النساء في مجتمعاتنا اليوم..

كيف كانت بدايتك مع الكتابة؟ وكيف انتقلت من الشعر إلى السرد؟

بدايتي مع الكتابة، كانت في سن الثامنة بكتابة رسائل عاطفية لأبي الذي غادر إلى الرباط للدراسة، كتبت له على امتداد السنة رسائل عاطفية أحدثه فيها عن الحنين، أذكر منها رسالة أحدثه عن دواليبه وكيف أرتبها في انتظاره، أبي لم يجب على الرسائل لكن ذلك لم يمنعني من الاستمرار في مكاتبته. بعدها بدأت أكتب الشعر الرومانسي والديني، وكنت أكتب قصائد في المناسبات العائلية وقصائد أناجي فيها الله وأطلب عونه في الحياة، وكنت أكتب أكثر بالفرنسية، ثم تابعت الكتابة بالفرنسية والعربية، لكنني لم أشرع في تخيل نفسي كاتبة إلا بعد لقائي بصديقة العمر القاصة لطيفة باقا، وكانت أول كاتبة ألتقيها نشر لها كتاب كامل، وذات يوم في سنة تكوين الأساتذة دعوتها للغداء، وكتبت مجموعتي القصصية الأولى «طيور بيضاء» في يوم واحد لأقرأها لها في موعدنا، المجموعة كتبت بماء الشعر والتأمل الفلسفي في ما بعد كتبت المسرح والرواية.

وماذا عن مبدعين لعبوا دور الحافز في زرع بذور القراءة وحبك لها وانتقالك إلى الكتابة؟

أول كتاب أعطاني الرغبة في الكتابة والقراءة هو القرآن الكريم بقصصه وكلماته المتعالمة والمنمقة، في ما بعد أتى عطية الأبراشي وابن المقفع وشهرزاد ومارسيل بانيول وزولا ومحفوظ وزفزاف وموباسان ومحيي الدين وابن عربي وماركيز ونيرودا والسياب والرومي وفلكنر؛ كل الكتاب أثروا في ذائقتي في القراءة والكتابة واللائحة لا متناهية.

هل كان لتكوينك الأكاديمي في الفلسفة وعلم النفس خاصة، أثر في إنتاجك للرواية؟ وما الدور الذي تلعبه الرواية عند معالجتها للقضايا الاجتماعية؟

دراستي للفلسفة فتحت نصوصي على السؤال الفلسفي، وكل ما أكتبه يطرح سؤالا فلسفيا؛ مشروعي فكري مثلما هو أدبي وفني، أما دراسة علم النفس فقد جعلتني أدخل دواخل الشخوص ولا وعيها وحياتها الداخلية وهي نعمة كبيرة على النص الأدبي، وقرأت لكتاب أمريكيين مثل بول أوستر وغيره يقومون بدورات تكوينية في علم النفس لتجويد كتاباتهم. الروائي مهمته إمتاع القارئ أولا، بموضوع وأسلوب فني، وثانيا الإشارة إلى مواقع الخلل في الواقع، في ما بعد، يمكن للسياسي أن يغير الواقع، الكاتب لا يغير الواقع هو يشير إليه فقط، والتغيير يأتي من السياسي وليس من الكاتب وهو ليس مصلحا اجتماعيا، بل هو فنان مهمته خلق فضاء للمتعة من خلال ما يكتبه.

بما أنك من المبدعات العربيات اللواتي استطعن اقتحام مجال الرواية النفسية الاجتماعية، ما الصعوبات التي واجهتها في الكتابة عن مثل هذه المواضيع المستفزة لمجتمعنا المحافظ؟

أنا أخوض في مواضيع صعبة وشائكة وصادمة، ولا أواجه أي صعوبة، هناك تقبل لكتابتي بشكل عام، رغم بعض السب والقذف من فاقدي الحكمة على وسائل التواصل الاجتماعي خاصة، لكني لا أعير أهمية لهم لأن كتاباتي تقرأ وكتبي نافذة في السوق وهذا ما يهمني أن تتم قراءتي، أعرف أنني لن أعجب الجميع والقارئ حر في اختياراته الفنية، وأنا أيضا حرة.

باعتبارك مترجمة أيضاً، إلى أي حد تُسهِم الترجمة في فعل المثاقفة؟

هناك ضرورة مشروع قومي جاد لترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأخرى، أناشد المؤسسات الثقافية الكبرى إلى النهوض بأحوال الترجمة من خلال مشروع شمولي لا ينتظر المبادرات الفردية، هناك استعجال لهذه المهمة لتغيير صورة العربي في الغرب التي صارت رديف الإرهابي والمتخلف، الإبداع العربي لا يصل إلى الغرب إلا في حالات استثنائية.

كيف أثر المكان أو انتقالك من جغرافيات متعددة في المغرب وفي الخارج في تطور المشروع الفكري أو الإبداع الأدبي لديك؟

أنا ابنة رجل تعليم طموح كان يتم دراسته ويشاغب كنقابي، ما تسبب في الرحيل تارة والترحيل تارة أخرى، نشأت على الرحيل من طنجة إلى تنجداد إلى ميدلت وميسور وأزرو وإيفران والرباط وتمارة والصويرة والنورماندي وباريس إلى الجنوب الغربي، أعيش منفصلة عن المكان؛ أعيش معه اللا علاقة لا أتآلف ولا أرتبط نفسيا بالأمكنة لزمن طويل، ربما لأحمي نفسي من ألم الفراق، لكنني منذ عشر سنين تآلفت مع مدينتي الحالية مدينة صغيرة وساحرة في الجنوب الغربي من فرنسا حتى إنني أعيش في الشقة نفسها من عشر سنين، وهذه أول مرة أستقر في بيت، إذ سكنت سبعة وأربعين بيتا منذ ولادتي.

صدرت لك مؤخرا رواية بعنوان: «الراقصات لا يدخلن الجنة» ومن خلالها تواصلين اقتحام المسكوت عنه، كيف تنظرين إلى مسارك في ظل قارئ محافظ؟

الرواية إضافة إلى مساري الإبداعي من حيث جدة الموضوع والأسلوب البوليفوني، حيث كل الشخوص تتحدث وتنمو على امتداد الحبكة الروائية وهي رواية كتبتها حول سؤالين فلسفيين: هل الحرية تقود إلى السعادة؟ هل الحب ممكن في ظل الحرية بلا شروط؟ وهي رواية شغلتني لعشر سنين طوال، واشتغلت فيها على تسجيلات مع راقصات وصور وثائقية وفيديوهات للرقص العاري، وهو مهنة يسهل فيها الانزلاق إلى الدعارة، أنا لا أخاف أن ينفر مني القارئ، لأني لا أكتب لأغازله أو ليكون لي أصدقاء، أنا صديقة الحقيقة فحسب، وأكتب ما أراه ضروريا وأعول في توازني النفسي على محيطي المباشر الذي يدعمني وما عداه لا يهمني رأيه.

في المجال المغربي، والعربي عامة، هناك كتابات سردية نسائية كثيرة ومتنوعة، ماذا يعكس في نظرك هذا الأمر؟

يعكس هذا الانفجار السردي في نظري رغبة النساء المغربيات والعربيات في البوح، إما بحكاياتهن الشخصية أو حكايات غيرية، كما يعكس تنوع مصادر هذا البوح وضعيات الأديبات المغربيات والعربيات النفسية والاجتماعية، وهذا التنوع السردي محمود ومطلوب في لحظتنا الراهنة المعقدة، التي تحتاج لأكثر من صوت للتعبير عنها.

هل النقد عندنا موضوعي في مواكبة النصوص الأدبية من الجنسين وقراءتها، أم تحكمه سلطة ذكورية؟

حقيقة النقد عندنا لا تنصف المرأة، وليست هناك متابعات نقدية لكتابات المرأة، وحين يتفضل ناقد بمواكبة كتابات امرأة معينة فإنه ينتج نقدا رديئا من الدرجة الثانية، وحتى النساء الناقدات لا يتناولن كثيرا إنتاجات النساء المبدعات، وهن بذلك ذكوريات، ويدرن في فلك النقد الذكوري، وبهذا المعنى، نحتاج إلى ثورة نقدية تواكب الانفجار السردي النسائي مواكبة فعلية ومنهجية.

وكيف تنظرين إلى الإبداع العربي راهنا؟ وما أوجه التقارب بينه وبين والإبداع الغربي والفرنسي على وجه الخصوص؟

الإبداع العربي يعيش حالة من الحيوية الجميلة، هناك أقلام متميزة فعلا وهناك تنوع في الأساليب الفنية، المشكلة الوحيدة هي العزوف عن شراء الكتاب، ما يحول بين الكتاب والتفرغ للكتابة، وهذا يؤثر في جودة ما يكتبون وفي ظروف عيشهم الخاصة. ليست هناك مقارنة بين الإبداع الغربي والعربي، ليس من حيث القيمة الفنية، لكن من حيث المقروئية ودرجة الحرية التي يتمتع بها الكتاب بين الشرق والغرب. الكاتب الغربي يشغل نفسه بفكرته كيف يوصلها بوضوح، فيما نحن نضيع وقتنا كيف نخفي الفكرة تحت أذيال الرقابة الذاتية والمجتمعية، هناك اختلاف في التلقي، فالكاتب الغربي يكتب لمجتمعات تختطف الكتاب وتتلقفه وتقرؤه بكثافة، في حين نحن نوزع ألف نسخة أو ألفين.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي