الغطرسة.. الإسكندر الأكبر ونابليون أبرز من يمثلها عبر التاريخ

الامة برس-الشرق الاوسط:
2023-06-09

غلاف الكتاب

القاهرة - رشا أحمد:«تاريخ الغطرسة - هل تعرف مع من تتحدث» عنوان كتاب يجمع بين التشويق والطرافة، للباحث الفنلندي آري تورنين، صدرت ترجمته عن دار «العربي» بالقاهرة، وترجمته عن الألمانية الدكتورة سمر منير.

يشير المؤلف إلى أن ما يسمى «الهوس النرجسي» و«عبادة الذات» هما من أبرز أشكال الغطرسة على مر التاريخ، فالحكام الذين تعتريهم نشوة السلطة، مثل نابليون بونابرت، لديهم «نقاط عمياء»؛ أي طموح جامح، وأهداف لا يمكن الوصول إليها، وهوس بالعمل والإنجاز، واحتياج إلى شعور بالتقدير يبرزونه من خلل المبالغة في تأكيد مظهرهم الخارجي. مثل هؤلاء الناس يضخّمون قيمتهم الذاتية، ويفرضون وصايتهم على الآخرين، ويجنّ جنونهم عند تعرضهم للانتقاد، ولا يستطيعون أن يعترفوا بأخطائهم أو نقاط ضعفهم.

وغالباً ما تكون المواجهات مع المرضى بالهوس النرجسي مُرهقة، فمن الضروري مجاراتهم؛ لأن الصمت قد يفسَّر على أنه انتقاد لهم. ووفقاً لرأي الفيلسوف فيلوديموس، الذي عاش في العصور القديمة، فإن الشخص المتغطرس ينشغل دائماً بمكانته وقدراته، وباستطاعته أن يتوهم أنه أكثر أهمية من الآخرين، وذلك عندما يؤدي عملاً يظن أنه عمل مهم، أو يعتقد فقط ببساطة أن قدراته تضمن له أن يحقق نجاحاً في المستقبل. ويرى فيلوديموس أن الإنسان المتغطرس ليس مستعداً للتعاون وطلب المشورة، لذلك فإنه يتحمل وحده عبء القيام بمشروعاته ومهامّه، ولا يستطيع أن يحققها إلا فيما ندر.

احتقار الفلاسفة

يذهب فيلوديموس إلى أبعد من ذلك، فيقول إن الشخص المتغطرس يبالغ في إظهار نبل أخلاقه، ولأنه يعامل الآخرين بتعالٍ من جانب واحد، فإن علاقاته الشخصية تتضرر، ويدمر بذلك نسيج مجتمعه، كما يصفه بأنه شخص لا يحافظ على التوازن في صداقاته، ونادراً ما يتصرف بطريقة متحضرة أو متوازنة، كما أنه لا يريد الاعتراف بنقاط ضعفه، أو أن يقدم أي اعتذار، ولا يستطيع أن يشكر الآخرين . وعلاوة على ذلك فإن الشخص المتغطرس يحتقر الفلاسفة؛ لاعتقاده أنهم لا يستطيعون أن يعلّموه شيئاً.

ويؤكد المؤلف أن الغطرسة، وما يصاحبها من استعلاء وغرور وجحود، لها جذور كيميائية عصبية تؤدي إلى شعور هائل بـ«نشوة الانتصار»، فعندما وصل الإسكندر الأكبر ونابليون بونابرت إلى مقاليد الحكم، تغير التركيب الكيمائي لدماغيهما، اللذين تدفق فيهما، عبر النواقل العصبية، الدوبامين والسيروتونين، كما أعيد تنشيط الآلية التنظيمية الكبيرة للدماغ، والتي تنقل شبكاتها إشارات بين عدد من المستقبلات، فانتشرت النبضات في جميع أنحاء الجهاز العصبي لكل من الإسكندر الأكبر ونابليون، واعترت النشوة رأسيهما.

ويستطرد المؤلف موضحاً أن مزاجنا العام يتأثر بالدوبامين والسيروتونين، إذ يستخدم أثرهما في تصنيع مضادات الاكتئاب، كما يحفز الدوبامين الشعور بالرضا عن النفس، ويشارك في ضبط المشاعر، وبالإضافة إلى ذلك فإنه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأنماط السلوكية، التي يسعى من خلالها الإنسان سعياً دؤوباً للحصول على مكافأة. ويمكن أن يؤدي نقص السيروتونين ومستقبِلاته بدوره إلى التفكير بالانتحار، بينما ترتفع معدلات السيروتونين لدى الأشخاص الذين يتم مدحهم ويلقون احتراماً لافتاً.

في هذا السياق، اكتشف روبرت رايت، المتخصص في مجال علم النفس التطوري، أن معدلات السيروتونين في دم زعماء قطيع الشمبانزي أكبر من معدلاته في دماء بقية حيوانات القطيع. ويمكن للدوبامين والسيروتونين معاً أن يمهدا الطريق للقيام بسلوك واثق، فعندما تكون هاتان المادتان موجودتين في الجهاز العصبي بقدر وفير، تتقلص المشاعر التي تُعرقل العلاقات الفعالة مع الآخرين، مثل مشاعر الخوف والقلق والانكسار، بينما ترتفع الثقة بالنفس، ويشعر الإنسان بأنه نشيط وسعيد وراض.

مثل من ألمانيا

ويعدّ التأثر بالسيروتونين والدوبامين قاسماً مشتركاً بين جميع من يريدون أن يكونوا في المقدمة، أو أن يؤثروا في حياة مَن حولهم، وغالباً ما يعدّ التخلي عن السلطة، بالنسبة لهم، أمراً مستحيلاً، إذ تعدّ الشخصيات القيادية ممن أدمنوا هذين الناقلين العصبيين شخصيات مدمنة للسلطة، ويصعب على كثير منهم أن يعودوا إلى الحياة اليومية، عندما تجري إحالتهم إلى التقاعد. وليس غريباً أن عدداً ليس بقليل منهم يسعى إلى أن يكون عضواً في مجلس إدارة أو لجنة مراقبة ما، أو أن يؤلف، على الأقل، رسائل في بريد القراء، وذلك عندما تنقطع بهم السبل لممارسة أي تأثير، ولا يشعرون بالسعادة حتى مع أحفادهم؛ لأن أدمغتهم ليس بها قدر كاف من هذين الإفرازين.

ويضرب المؤلف مثالاً بما حدث في جمهورية ألمانيا الشرقية السابقة، حيث استهانت قيادتها بشكل أساسي بمشاعر الإحباط التي انتابت سكانها، فعندما ظهر رئيس البلاد إيجون كرينتس أمام كاميرات التلفزيون، في السابع من مايو (أيار) عام 1989، وزعم بجِدية تامة أن «حزب الوحدة الاشتراكي»، الذي يترأسه، حصد 98.85 في المائة من الأصوات، بنسبة بمشاركة انتخابية بلغت 98.85 في المائة، كان الكيل قد طفح لدى مواطني ألمانيا الشرقية. كان هذا الادعاء بمثابة كذبة فجّة لا تَصدر إلا عن متغطرس. واحتجّ للمرة الأولى عدد من المواطنين، وطالبوا بمراجعة نتيجة الانتخابات. والتقى المتظاهرون في الكنائس، وجمعوا قوائم بالأسماء أظهرت أن ما لا يقل عن 10 في المائة من الناخبين صوَّتوا ضد الحكومة، وأن هناك 10 في المائة آخرين لم يصوّتوا على الإطلاق! ونتيجة مشاعر الضجر ظهرت حركة شعبية عارمة أدت، في نهاية المطاف، إلى سقوط سور برلين، في 9 نوفمبر 1989، وإعادة توحيد ألمانيا.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي