نيويورك تكثف جهودها لمكافحة شبكات تهريب الأعمال الفنية العالمية

ا ف ب – الأمة برس
2023-06-02

منحوتة من المرمر على شكل جاموس من الحقبة السومرية، كان نُهب من العراق وهُرّب إلى نيويورك قبل إعادته إلى بلده الأصلي في أيار/مايو 2023 (ا ف ب)

نيويورك - تسلط نيويورك، القطب العالمي للفنون والمال، الضوء على حركة دولية لتهريب الآثار، مع مئات الأعمال المنهوبة من آسيا وأوروبا والشرق الأوسط التي يصادرها القضاء المحلي لدى هواة جمع ومتاحف مرموقة بينها "متروبوليتان".

ويقول عالم الآثار ومؤرخ الفن في جامعة آرهوس الدنماركية خريستوس تسيرويانيس إن "حجم عمليات مصادرة الآثار وإعادتها، والتي تطال متاحف ومعارض فنية ودور مزادات ومجموعات خاصة في مدينة نيويورك يعود منشأها إلى أكثر من 12 دولة، يجعل بلا أدنى شك نيويورك أحد محاور (تهريب) الآثار غير القانوني على هذا الكوكب".

وشارك هذا الباحث وزميله ديفيد جيل، الأستاذ في كلية الحقوق البريطانية، وكالة فرانس برس جزءاً صغيراً من تحقيقاتهم في الشبكات الدولية التي تتاجر في الأعمال الفنية القديمة. وقد جعلهم عملهم في مصاف الخبراء مع القضاء في نيويورك.

ففي هذه العاصمة الثقافية والاقتصادية للولايات المتحدة، الزاخرة بالمتاحف العريقة مثل متحف متروبوليتان للفنون (ميت)، ومركز داري المزادات الفاحشتي الثراء كريستيز وسوذبيز، يقود مكتب المدعي العام في مانهاتن منذ عام 2017 حملة لإعادة الأعمال الفنية، بما يشمل قطعاً من العصور القديمة اليونانية والرومانية والبيزنطية أو من حضارات بلاد ما بين النهرين والصين والهند وجنوب شرق آسيا، نُهبت من حوالى 20 بلداً بين السبعينيات والتسعينيات من القرن الماضي.

- إعادة ألف عمل -

وتسجل وتيرة هذه العمليات تسارعاً منذ عامين.

فبإشراف المدعي العام في نيويورك ألفين براغ، الذي يشغل منصبه منذ عام 2022، تمت إعادة أكثر من 950 قطعة فنية بقيمة 165 مليون دولار إلى 19 دولة، بما في ذلك كمبوديا والصين والهند وباكستان والهند ومصر والعراق واليونان وتركيا وإيطاليا.

في حفل أقيم في 9 أيار/مايو في القنصلية العامة الصينية في نيويورك، أعاد براغ تمثالين من الحجر يعودان للقرن السابع بقيمة 3,5 ملايين دولار إلى بكين.

وقد انتُزعت هذه الأعمال من على قبور في التسعينيات، وتم تصديرها وبيعها بشكل غير قانوني، ثم "أعيرت إلى متحف متروبوليتان، بين 1998 و2023، بواسطة شيلبي وايت، وهي هاوية جمع من مانهاتن"، على ما كشف مكتب المدعي العام في نيويورك الذي يضم وحدة خاصة لهذه الغاية من الشرطيين والقضاة.

شيلبي وايت (85 عاماً) هي مليارديرة محسنة وإدارية وإحدى المانحين في متحف "متروبوليتان"، حيث صودر الكثير من الأعمال الفنية المسروقة في حزيران/يونيو 2021 ونيسان/أبريل 2022.

ومع "شكرها على تعاونها"، أعلن القاضي براغ في بداية شهر أيار/مايو أنه "أكمل هذا العام تحقيقاً جنائياً في الآثار التي استحوذت عليها وايت، انتهى بمصادرة 89 عملاً من عشر دول بقيمة إجمالية قدرها 69 مليون دولار".

 مدعي عام مانهاتن ألفين براغ في نيويورك في الرابع من نيسان/ابريل 2023 (ا ف ب)

- "لا شيء للتصريح به" -

لم تتمكن وكالة فرانس برس من التواصل مع سيدة الأعمال المتكتمة هذه التي اكتفت بالقول في نهاية عام 2022 لصحيفة "آرت نيوزبيبر" إنه ليس لديها حقاً "أي شيء للتصريح به".

لكن بحسب تسيرويانيس وجيل، فإن القطع التي حازتها، إلى جانب زوجها ليون ليفي (توفي عام 2003)، وصلت إليها عبر قنوات غير سليمة، لا سيما تلك التي جُمعت بعد اتفاقية اليونسكو لعام 1970 لمكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية.

في الواقع، يشير تسيرويانيس إلى أنه "حتى عام 2008، أعادت وايت عشرة أعمال إلى إيطاليا واثنين إلى اليونان؛ لذلك كان ينبغي أن تكون لديها شكوك جدية بشأن أصل بقية (مجموعتها) ووضعها، والتحقق منها سنوات قبل عمليات المصادرة الأخيرة" عامي 2021 و2022.

يستشهد جيل أيضاً بتصريح شيلبي وايت العلني الوحيد، في عام 2007، أنه عندما "تشتري شيئاً ما في مزاد في دار سوذبيز أو كريستيز، أو لدى تاجر فنون في شارع ماديسون، لن تشعر بأنك تفعل شيئاً خاطئاً. شراء التحف الفنية أمر قانوني".

- نهب في العراق -

 في آخر عملية مصادرة حتى الآن، في 19 أيار/مايو، أعاد القضاء في نيويورك إلى العراق فيلاً من الحجر الجيري من فترة بلاد ما بين النهرين، وجاموساً من المرمر من الحضارة السومرية، "سُرقا خلال حرب الخليج (الأولى) وهُرّبا إلى نيويورك في أواخر التسعينيات".

وأشار براغ إلى أنه "جرى الاستحواذ على الجاموس من مجموعة شيلبي وايت الخاصة"، وتعهد بأن "نيويورك لن تصبح ملاذاً للقطع الثقافية القديمة المسروقة".

وحدد القضاء هوية تجار آخرين ضالعين في هذه العمليات.

وقد أُمر جامع التحف مايكل شتاينهارد، الذي كانت له صالة عرض سُميت باسمه في متحف "متروبوليتان"، بإعادة 180 تحفة أثرية بقيمة 70 مليون دولار، بموجب تسوية قضائية في عام 2021. كذلك، حُكم في مانهاتن على الهندي الأميركي سوبهاش كابور، في تشرين الثاني/نوفمبر بالسجن عشر سنوات في الهند، تتويجاً لعقد من التحقيقات الدولية.

وفي أيلول/سبتمبر، أعاد براغ إلى مصر أيضاً 16 قطعة، بينها خمس ضُبطت في متحف "متروبوليتان"، كجزء من تحقيق مزدوج في نيويورك وباريس حيث تم توجيه الاتهام إلى الرئيس السابق لمتحف اللوفر جان لوك مارتينيز في قضايا مرتبطة بتهريب أعمال فنية.

ومن دون التعليق على قضية مارتينيز، المشتبه بتجاهله تحذيرات بشأن شهادات منشأ مزيفة محتملة لهذه الأعمال، وهو ما ينفيه، ردت رئيسة متحف اللوفر لورانس دي كار لوكالة فرانس برس، خلال زيارة في منتصف أيار/مايو إلى نيويورك، بأن "المتاحف الكبرى يجب أن تعرف مسار مجموعاتها"، وأن"مسار مجموعات +متروبوليتان+ لم يكن نفسه مسار متحف اللوفر".

تحت الضغط، أعلن مدير متحف "متروبوليتان" ماكس هولين، أخيراً عن إنشاء لجنة من الباحثين "لفحص مصدر" بعض القطع من المجموعة الاستثنائية لمتحفه (1,5 مليون عمل)، بهدف "إعادتها" إلى بلدانها الأصلية في حال تبين أنها مسروقة أو منهوبة.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي