الأصدقاء

2023-05-10

جعفر العلوني

أنتَ، يا من تغادر الآن أرضكَ،

بحثاً عن المسافات

عن الحياةِ والموت

عن قلب العالم وقلبِك.

هل قادتك النجوم؟

(في صدرك فراغٌ، وفي عينيك حفرتَ الضوء).

هل وصلتَ إلى طريقكَ؟ هل عرفكَ أصدقاؤك؟

-أعيشُ حياةً لا تستطيع الحياةُ أن تحيا فيها.

لكن وحده الشعر كشفَ خطواته. لم يتركهُ وحيداً.

-أصدقائي؟ ربّما يعرفون من كنتَ، لكن

لا أحدَ يعرف الآن من تكون:

الريحَ الظلَّ الأفقَ الفجر الغروب.

أصدقائي؟

لي صخبُ الموت حين أمشي

لو أنّ عينيّ تقولان كم حياةً عشتَ، كم موتاً متَ.

أصدقائي؟

(كم موتاً عشتَ، كم حياةً متّ).

ترك الليل فيَّ ليلاً

وكنتُ أبحثُ عنه في رأسي

أهي أشباحي؟ أطيافي الحبيبة؟

أين كنتِ يا أشباحي؟ أين رحلتِ يا أطيافي؟

هل أنت حضورٌ أم غياب؟

أصدقائي؟

حين أعبرُ أمامهم يسمعُ الحجرُ خطاي

يهمس- يقول: ها صديقي يقترب منّي.

رجل المسافات جاء متعباً من كثرة الموت على كتفه،

جاء متعباً من ثقل الحياة في صدره

ها صديقي، رجل المسافات، جاء يقضي الليل في حضني.

أصدقائي؟

ها أنا أعبرُ أمامهم

ألبسُ ثوبَ المسافاتِ

وكنتُ قد تركت الغيوم السوداء خلفي ومشيت مغسولاً بالنار.

غير أنّ الشعر كشف خطواتي. من يقود خطواتي؟

أصدقائي؟ أنتم الذين لمستم يدي، ماذا لمستم؟

أصدقائي؟ أنتم الذي سمعتم صوتي، ماذا سمعتم؟

أجنحة طريقي تخفق صيفاً شتاءً

أصدقائي؟ منذ أن طردتُ عقارب الوقتِ

صار كلّ نجم قنديلاً لدربي.

أصدقائي؟

ها أنا أعود من حيث لا عودة

ها رجل المسافات يطوف في صفحات الموت

لا وقت له. لا مكان له. لا قلبَ ولا دم.

يترحّل وحيداً بين الظلال

خسر كلّ شيء وفاز بكلّ شيء.

أصدقائي؟ لست أطلب منكم جبلاً، بحراً ولا ناراً.

شجرةٌ بكت؟ وردة ذبلت؟ قولوا من القتيل!

الريح تلهثني والعشب يسأل: هل ما زلتَ حياً؟

أصدقائي؟ من القتيل؟

الماء يتأوّه.

وأصدقائي يسألون من مات؟

أعرف الآن ما كنتُ

أعرف المسافات

الكلمات التي يحبُّها الموتُ

أعرف البكاءَ.

أصدقائي؟ الدموع تنتفخ تتوسّع

والكل يدور حولها

وأنا بينكم أسأل: بأي لغة نتكلّم؟ كيف نقول ما نريد؟

لا جواب. أصدقائي؟ هناك حيث فقدْتِ الأرض صوتها.

وأشباحي تنتظرني وأطيافي الحبيبة تسأل:

من الغريب؟ من غادر بيته؟ من ضيّع خطواته؟

أصدقائي؟

لا زمان يجمعنا، لا مكان يضمّنا.

من الغريب؟ من يجهل خطواتي؟

رجل المسافات يعود الآن وفي فمه طعم الموت والحياة

في شَعره رائحة النسيان

وفي جسده عروق غامضة.

رجل المسافات يفرد جناحيه ويعود طائراً

من عالم يبكي

تجاوز أدغال عالم صامت

وصار مثل البذار.

أصدقائي؟ الريح نفسها لا تحمله.

نعم الريح لا ترى خطواتي

أصدقائي؟

حيث يزجر الصخر الكلام

حيث يُمزج الموت بغناء البحر

حيث أغلقت الأبواب.

هذي مفاتيحي

أصدقائي؟

من ضيّع المفاتيح؟ كم من الوقت مضى؟

أيام، سنواتٌ، قرونٌ!

أصدقائي؟

في البحار

في صوت الريح

في قاع الصمت

وفي الأزمنة الميتة.

بأية لغة تتكلم؟ ماذا جئت تغني؟

ومن أي بيتٍ خرجت؟

آه، أيّها الشعر، لقد جاء عصري

وأنا الآن أمشي برفقة الموت.

شاعر ومترجم من سورية








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي