الباحث الأمريكي ديفين ستيوارت: الدراسات الحديثة أضافت الكثير إلى فهم تاريخ القرآن

2023-05-02

حوار: عبد العزيز جدير

ديفين ستيوارت أكاديمي وباحث أمريكي في اللغة العربية والدراسات الإسلامية. من مؤلفاته المهمة.. «السجع في القرآن» «ردود الشيعة الاثني عشرية على النظام الشرعي السني» و«الدعاء السلبي في المغرب». إضافة إلى مساهمته في الكتابة في «إنسكلوبيديا القرآن». عن رحلته مع اللغة العربية والدراسات القرآنية كان الحوار..

بداية كيف حط رحالك عند موضوع الدراسات القرآنية؟

بدأت أولا بدراسة اللغة العربية في جامعة برنستون، لم يكن لي سابق معرفة بهذه اللغة. لكني كنت أعرف أنها لغة ذات تاريخ عريق، ومهمة جدا، لكنها صعبة أيضا. وكنت وقفت على مسافة واحدة بين اللغة العربية والصينية؛ بيد أنني قلت لنفسي ليكتب الإنسان باللغة الصينية، يجب أن يكون فنانا لأن كتابتها أقرب إلى الرسم. تتطلب مهارات فنية لا أمتلكها، وهكذا مال الاختيار نحو العربية، وما كان القرآن يدخل ضمن اهتماماتي الدراسية في ذلك الوقت. وكنت درست القرآن دراسة متسرعة ضمن درس عن الإسلام.

وما السبيل الذي قادك نحو درس القرآن؟

من خلال المقامات لكل من الحريري والهمذاني، أحببت السجع حبا كبيرا، ونتيجة لذلك، قررت أن أكتب بحثي في تاريخ نقد السجع في كتب البلاغة، وبحثت في الموضوع، وعثرت على كتاب «المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر» لضياء الدين بن الأثير. وخلب لبي الكتاب، لكنني صدمت بعد قراءته إذ وجدت أن من بين كل الأمثلة التي يسوقها على امتداد ثلاثين صفحة هناك واحد للحريري، والبقية الباقية استشهادات من القرآن، ولهذا السبب توجهت نحو البحث عن السجع في القرآن، ووقفت على وجود خلاف طويل، في الماضي، بين القائلين بوجود السجع في القرآن، والرافضين لوجوده، والمتسائلين هل ما يوجد في القرآن يمكن أن يسمى سجعا، واعتبر ضياء الدين بن الأثير من الذين يؤكدون وجود السجع في القرآن بكثرة. وهكذا كتبت أطروحة في الموضوع، وكان يجب أن أقرأ القرآن عدة مرات لأفهم وأدرك وأستوعب الأمثلة التي تحدث عنها ابن الأثير. ومن يومها، همت بموضوع القرآن وشرحه، ومواضيع أخرى. كما ضاعفت اهتمامي بالقرآن عن طريق التدريس، وحاولت أن أكتب بعض المقالات التي تشرح بعض النواحي اللغوية، والبلاغية في القرآن.

انقسم الناس حول حضور السجع في القرآن، فلماذا ملت إلى موقف ابن الأثير؟

بصفة عامة أنا مع ابن الأثير، وفي رأيي هناك كثير من القرآن الذي يشبه السجع، وبالنسبة للقافية أو الإيقاع فهي تتبع قواعد موجودة في السجع، مع الإشارة إلى وجود اختلافات. ويقول ابن الأثير كثير من السور كتبت سجعا. وهناك الذين ينفون هذا الأمر جملة وتفصيلا، ولست منهم ولا معهم، كما يلاحظ أن أغلبية الباحثين يميلون إلى التخندق في الوسط. يكتفون بالقول هناك أشياء تشبه السجع في القرآن، ولا نسميها سجعا، ولم أفهم في البداية هذا الرأي، وقلت قد يكون هذا الموقف نتيجة أفكار مسبقة دينيا، وهو تقليد للآباء، ولما كتبت مقالة عن السجع، وحدث أن ترجم مقالتي أستاذ من مصر هو محمد البريري، إلى اللغة العربية، وصدرت المقالة في أحد أعداد مجلة «فصول» اعترض الأزهر على ذلك. وكتب تعقيبا على الاعتراض. ومما جاء في تعقيب الأزهر إيراد نكتة ظريفة، وهي صحيحة في رأيي، إذ ضرب مثلا بأغاني الأطفال ليثبت أن توافق بعض سور النص القرآني مع قواعد السجع لا يلزمنا ذلك بتعريف النص أنه سجع فعلا، فهل يمكن أن نقول إن أغاني الأطفال تنتمي إلى نوع الشعر، ولو أنها تتبع قواعد الشعر من قافية، وإيقاع وغيرهما؟ فالشعر نوع خاص من الكتابة.

أما تم تعريف الشعر قديما أنه كلام موزون مقفى له معنى؟

تماما. وقد فهمت تعقيب الأزهر، وقبلته، لأنه منطقي، وفهمت موقف السيوطي وباقي النقاد الذين قالوا لا نسمي القرآن سجعا، وما هو بالسجع، على الرغم من أن في القرآن أشياء تشبه السجع. وفي رأيي على الدارس حين يريد أن يفهم النص القرآني فهما جيدا أن يركز النظر، والفهم في القوافي، لأنها تؤثر في معنى النص كثيرا. وهناك كاتب هو ابن الصائغ الحنفي، كتب كتابا مهما جدا عن الفواصل، وأورد أربعين حالة يخالف فيها النص القرآني القواعد العادية النحوية والبلاغية، والصرفية بسبب الفاصلة. ولتجيئ القافية مضبوطة في آخر الآية، تحدث أشياء عدة، لكنها جرت سنة عند العرب، أنهم يمكن أن يغيروا في بعض الأحيان الاستعمال العادي في كلامهم بسبب المناسبة، المناسبة ما بين فواصل الآية. وقد أعجبت جدا بهذا وترجمت مختصرا من الكتاب، لأن الكتاب ليس موجودا، والمختصر موجود في كتاب السيوطي «الإتقان في علوم القرآن». وهو نص قصير، وقد دأبت على البحث عن الكتب التراثية التي تنظر في هذه القضايا المتعلقة بالسجع، أو الفاصلة، كل ما له علاقة بالإيقاع في القرآن.

درست متون مختلفة من المقامات، ما الخلاصة التي خرجت بها من تلك الدراسة؟

لا تكمن أهمية المقامة في الشكل، وقد انتشرت فكرة مفادها، أن المقامة تدور حول الكدية، وأنها لعبة، ومهارة لغوية بحت، ولا تؤدي وظيفة ولا تسوق معاني مفيدة وأفكار مهمة. وليس هذا القول صحيحا، إذ هي تروج بعض الأفكار. وفي رأيي، تخترق بعض أجزاء مقامات الهمذاني أيديولوجيا وتسخر من الشيعة. وما لم يلتفت إليه معظم الذين كتبوا عن المقامات، أن عيسى بن هشام، راوي المقامات شيعي. نفهم ذلك من قوله إنني من مدينة قم. ومعروف أنها مدينة شيعية منذ القرن الثاني الهجري، وهو رجل ساذج، غير متعلم، ويخدع دائما، ولا يفهم ما حدث إلا في الأخير. ويعود سبب عدم فهم الدارسين للأمر إلى أن خلفيتهم أدبية وليست تاريخية ودينية تدرك عمق الصراع بين السنة والشيعة. ولو أن الإشارة إلى سياق الشعوبية ترد أحيانا في بعض الدراسات. ونجد بعض ذلك في مقامة الحنفي، التي كتبت عنها. وهو يثير الأمر بشكل أوضح إذ يتحدث عن الرافضة.. ويوظف لغة حادة.

من أين نبع اهتمامك بالتفسير، وعلاقة القرآن قوية بالتفسير، ولا يدرك معانيه إلا الراسخون في العلم؟

هناك نقاش غني ثري بين المهتمين بالدراسات القرآنية في الغرب في موضوع التأويل. وخلال فترة معينة كان الباحثون الكبار المهتمون بالدراسات القرآنية في الغرب مختصون في التفسير. ولهذا السبب كان هناك إهمال لمواضيع أخرى تتعلق بالقرآن ذاته. ومن المواضيع المهملة النواحي اللغوية، والبلاغية، وتاريخ النص القرآني، لأن على الذين يشتغلون في مجال الدراسات القرآنية أن يستثمروا كل جهودهم في التفسير. وقد حدث في الوقت الراهن نوع من التغيير، فتحت كل آفاق البحث في القرآن، وأحس الباحثون أنه من غير المعقول أن تهمل كل هذه المباحث، وهكذا بدأت كوكبة من الباحثين تبحث في تاريخ النص القرآني، ومخطوطات القرآن القديمة، ونظم شكل القرآن، واستخدام النقاط الملونة للتمييز بين قراءات القرآن، وشكل القرآن باعتماد الحركات من فتحة وضمة وكسرة. وهناك الآن من الناس من يعتقد أن التركيز على التفسير، أو السيرة، أو الحديث إلخ لفهم القرآن ليس السبيل الصحيح. وألا مبرر للرجوع إلى بعض المصادر لفهم القرآن، لأسباب مسبقة، بينما يركز طرف آخر على وجوب العودة إلى كل المصادر، وبعد ذلك تكتشف الفروق بين هذه المصادر، وتميز بين اختلاف الروايات والأقرب إلى المنطق والصواب، وهم يرون أن التركيز على التفسير أو السيرة يحد من حرية الناقد، أو يجعله لا يرى بعض النتائج التي من المفروض أنه يمكن أن يتوصل إليها. فهم يركزون على العلاقة بين الكتاب المقدس والقرآن، وعلى القرآن دون الهوامش، أي دون التراث المكتوب حول القرآن من الزمن القديم إلى اليوم.

يجب أن نعرف ذلك من مصدر آخر، ثم إن اسمي هابيل وقابيل لم يردا في النص القرآني، وهما شخصيتان حقيقيتان، ومعرفتهما يجب أن تعتمد على مصادر أخرى. وكثير من التفسير يجد مصدره في الكتابين المقدسين السابقين، أو في التراث اليهودي، أو المسيحي.

ما هي المواضيع التي كانت تشكل قضايا البحث في درس تاريخ القرآن؟

لقد تطور البحث في موضوع تاريخ القرآن بالذات، فقد مضى حين من الزمن ظل خلاله الباحثون والدارسون يركزون البحث في مصاحف القرآن المنشورة عندما تكون كاملة. لهذا السبب لم يركزوا على دراسة النصوص قبل ثلاثمئة عام بالتقويم الهجري تقريبا. لكن وجدت هناك نصوص كثيرة، تعود إلى فترة أقدم من ذلك، لكنها ليست مصاحف كاملة، بل يتعلق الأمر ببعض الأوراق فقط. والآن، أي خلال العشرين سنة الأخيرة شرع كثير من الباحثين يعنون بذلك، وأولهم لاروش. وقد درس لاروش كثيرا من المخطوطات الموجودة في المكتبات الأوروبية، والمكتوبة بالأساس على صفحات قديمة، وقدم كل هؤلاء خدمة كبيرة تعتبر إنجازا في فهم مراحل الأساليب التي كتبت فيها النصوص القرآنية، وهو ما مكننا الآن من أن نفهم الكثير عن مصاحف القرآن خلال الفترة الأموية، وأساليب القرآن المختلفة، وأشكال القرآن المختلفة، وتطور الخطوط الموظفة في رسم النص القرآني. هذه كلها جوانب شهدت تطورا ملحوظا.

من أي زاوية يمكن للبحث في العلاقة بين القرآن والإنجيل والتراث أن يغني المعرفة الإنسانية، وقد تبدو تلك الزاوية أو الزوايا ضرورية؟

يقدم القرآن نفسه على أنه كتاب مقدس مبعوث من الله سبحانه وتعالى، لكنه ليس الكتاب الوحيد المقدس الذي أنزله لله. فهو تعالى يقول «مصدقا لما قبله» ونتيجة لذلك يفرض القرآن على الإنسان أن يفهم القرآن عن طريق الكتابين المقدسين السابقين عليه. ويفيد هذا الأمر في فهم القرآن بصفة عامة، ويمكن أن يفيد في حالات معينة، حالات خاصة، منها مثلا أن فهم بعض القصص التي وردت في القرآن لا يتيسر إلا إذا كان للقارئ خلفية ومعرفة بالكتاب المقدس، أو أن تقدم له شروح مما ورد فيه. ومن ذلك أن أسماء مهمة لا توجد في القرآن. وكمثال على ذلك لم ترد كلمة حواء في القرآن، وهي شخصية حقيقية، وهذا أمر واضح ولا جدال فيه، فمن أين يجب أن نعرف من هي حواء؟

يجب أن نعرف ذلك من مصدر آخر، ثم إن اسمي هابيل وقابيل لم يردا في النص القرآني، وهما شخصيتان حقيقيتان، ومعرفتهما يجب أن تعتمد على مصادر أخرى. وكثير من التفسير يجد مصدره في الكتابين المقدسين السابقين، أو في التراث اليهودي، أو المسيحي. ودخلت هذه المعارف كتب التفسير في القرون الإسلامية الأولى وأصبحت جزءا منها، وهناك من يرى أنه يجب على المسلم، الذي يريد أن يفهم القرآن، أن لا يلجأ إلى الإسرائيليات أو يقبل بها، لأنها تمثل روايات التراث اليهودي. والإسرائيليات موجودة، لكنها ليست صحيحة بالنسبة للقرآن. وعلى سبيل المثال، يقدم القرآن قصة آدم وحواء بطريقة مختلفة شيئا ما، وتنطوي على نوع من المساواة بين الرجل والمرأة، بينما في الكتاب المقدس هناك لوم شديد للمرأة، بل هناك ذم للمرأة لأن حواء لا تكتفي بأكل الفاكهة هي الأولى، بل هي تخدع زوجها، وتدفع به إلى أكل الفاكهة. ونفهم من القصة أن الرجل يجب أن لا يسمع كلام امرأته أبدا لأنها تؤدي به إلى الهلاك. ولم ترد هذه الفكرة في القرآن، حيث هما معا يأكلان الفاكهة، وليس هناك فرق بينهما. وهما متساويان في الذنب، بينما في الكتاب المقدس ذنبها أكبر من ذنب الرجل.

لك رأي في تأويل وجود بعض الحروف بداية بعض السور. فما هو؟

ذلك واحد من بين عدة اختلافات مع كتابات علماء غربيين لم أتفق مع بعض اجتهاداتهم من ذلك ردي على جيمس بلامي، من جامعة مشيغان، الذي رأى أن هذه الحروف تمثل اختصارا مختلفا للبسملة، ثم تضاف إليها البسملة! وهو تأويل لا يستقيم مثلما قيل هي تمثل الحروف الأولى لأسماء من جمعوا تلك السور! وأرى أنها جزء من السورة ذاتها، وهي ضرب من فواصل تنتهي بألف مثل طه، وفي الغالب ما يكون هناك توافق بين الفواصل والحروف. وليست هذه الحروف مقدمة أو عنوانا للسورة.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي