قصائد كوانتومية

2023-04-11

المثنى الشيخ عطية

مراسلةٌ صحفية

تغطي حدثَ قنصها

أضع مسماراً في طريق سيارة فريق الصحافة

وأكمُن مراقباً الماضي يسير كما ظل

إلى غير ما سيعرف العالمُ بعد عشر دقائق

أن جندياً إسرائيلياً قنصَ صحافيةً

تتهيأ لتغطية الحدث قبل أن تصبح الحدث

غير أن سيارةً تمر صُدفةً تتوقف منتخيةً وتأخذها

أمام رجل الساعة الساخر مني على الناصية/

عبثاً تحاول يا صديقي الحالم

مخالفة شرط النفق الذي أهدتْك دودةُ الكون إلى الماضي

فليس في برنامجك أبداً تغيير الماضي

ليس في دائرتك أفعى تبتلع نفسها

وليس من قطةٍ كوانتوميةٍ

في صندوق بريدكَ من المجهول

بعد أن فتحتَ الصندوق

ليسَ بيدكَ

غيرَ أنْ تلم بقايا ابتسامتها الحزينة من الشاشات

من قلوب الذين لم تعد قلوبُهم تخفق بمنظم قلب السماء

من غبار أرشيف منظمات حماية الصحافيين

ومن كوابيس قاتليها كذلك

غير أن تتخطى فخاخ قنص اهتمامك بالعشب

على الدروب

غير أن تكسر الحدود كما صحافي بلا حدود

وغيرَ أن تذهب ربما

وتُطعِمَ كلبَها الذي ينتظرُها محتاراً خلف النافذة…

كن سعيداً يا صديقي

أن مسماركَ لم يثقب عالماً موازياً لا تعرف ما تكون فيه:

نفسُك، القناص، المقنوص

أم الكلب الذي ينتظر خلف النافذة

لا تعرف مصائرَ من تعرف

ولا كيف سيتحمل قلبك هولَ ما ستعرف

من مجرد تحرش مسمارك بلمس شاشة القدر…

يمكنك يا صديقي الحالم هنا فقط

أن تمتطي ظهر البراق

تصعدَ إلى السماء السابعة

وتدخلَ العين التي لا تُرَد منها رغبات المستقبل

يمكنكَ أن تفتح صندوقَ باندورا الحقائق كلما أغلقوه

وتجعلَ المارة يتعثرون بما ينثر من أعضاء البشر

أن تلم صرْخات المهجرين من شوارع اللجوء

وتخترقَ بها حاجزَ صوت مجلس الأمن

فتحرمه من الأمن

أن تلونَ وتصيغ الصرخات

تشكلها بفتحاتِ وضماتِ وكَسراتِ إدفارد مونش

وتضعَها وشماً لا يزول على جدران البرلمانات

أن تصيبَ بفيروسِ سَلَس الحقيقة

جميع قنواتِ الأخبار في العالم

وتوقفَ تسليمَ جوليان أسانج

إلى الولايات المتحدة على قتل الصحافيين

ويمكنك حتى أن تفتح ملهى ليلياً للحقيقة

وتضعَ على عمود تَعَريها

ما يتشابك من سيقان الراقصين عليها

يمكنك ما دام الله قد استقال من هذه المهمة

أن تطلقَ فيروساً يطيل أنفَ من يزورها عامداً متعمداً

إلى قلب مراحيض المدينة

أن تُفجِعه برؤية من يحب مقنوصاً على شاشةٍ

أن تجعله يتحول حتى إلى ضحيته

فتوفر تكاليف المحاكم

يمكنك يا صديقي الحالم

أن تختار ما تصنع من احتمالات أقدار المستقبل

وأن تنسى الآن إيقافَ سيارةٍ بمسمارٍ

فدودة الكون لم تقرر بعدُ في قصيدتك العابثة

إن كان يمكن لشيرين أبو عاقلة

أن تغطي بنفسها خبر قنصها

حتى لو كشفتَ لها قلوبَ محبيها

لو نفرْتَها من أنيابِ كارهيها

لو بللْتها بنظرة كلبِها المنتظِر خلف النافذة

حتى لو وضعتَ أمامَها صورتَها

أيقونةَ العذراء.

(20 حزيران 2022)

إلى شيرين أبو عاقلة

٭ ٭ ٭

شَعرٌ مُرسَلٌ

إلى ما لا نهاية

ما كان على شَعرها المرسَلِ نبياً أن يفْعَل

سوى أن يستبدلَ فتحةَ الشين بكَسرته

كي ينزلَ شلالاً يتحدث لغة الضوء

في شوارع يلف بعضَها البعضُ بشوقٍ

لقص لُحى فقهاءِ الظلام الكامنين في شقوق الجدران

لم يكنْ عليه أن يتمادى في إنزال جديلته من النافذة

ليصعدَ عليها الفتيان إلى جنانٍ يَسْبحون بأنهارها

مضرجين بشقائق النعمان

لم يكن عليه أن يكسرَ أطُرَ الجاذبية بُراقاً

تجدلُ شعرَه الريحُ

إلى السماء السابعةِ

ليكونَ أوراق سِدْرةِ المنتهى

ويشكو الرب إلى نفسه

كيف أوجد جهنم وأعطى مفاتيحها

لمن هم أجدر أن يكونوا فيها

ولم يكنْ على هذه القصيدة أن تفكر

بمجازات الكشف والحجاب

في سيرها عاريةً غيرِ منصتةٍ إلى جدل البيزنطيين

حول كلمةٍ لم تُمِتْ «رائحةَ التفاح»

وهي تدور نملاً يأكلُ الأسوار إلى ما لا نهاية الزمان/

الصبية اللطيفة التي «حتى» لم يخطرْ في بالها

أن تكون نبيةً

وهي ترعى أغنام الرب في شوارع المدينة

لم تجدْ عشبَ الآيات المضيء على أبواب المساجد

لم تجدْ خبزاً وورداً وبخوراً في المعابدِ

لم تجدْ قمراً ينامُ على القباب ويزينُ جبينها

فتكونَ «مثلُ القمر» باسمها

«مهسا»

يدور على نفسه فيكون «زينا»

إلى ما لا نهايةِ الأسماءِ التي علم الرب آدمَ ونسيَها

ما أن تجلى له بصورته المُثلى بستة أبعادٍ

في مرآة قصيدةٍ لا تنتهي

بمجرات لا تنتهي

في شارعٍ يهتف باسمِها إلى ما لا نهاية/

الصبية التي اغتصبوا اسمها قسراً فكان

لعنةَ ميدوزا لهم

لم تجدْ نهايتَها/

الصبيةُ الجميلةُ التي لم تردْ سوى أن تكونَ صبيةً جميلةً

بعينِ من أحبها/

الصبيةُ النبيةُ وجدتْ «قلبَها» النبيةَ الصبيةَ

مجزأةً موحدةً وما بينهما في

ما كان على شَعرها

أن يكون

وما سوف يكون

بمرآة هاتفها الجوال

عبر المجرات.

(15 أكتوبر 2022)

ـ إلى «مهسا» أميني التي يعني اسمها: «مثل القمر»؛ اسم فارسي، حل

بدلاً من «زينا» بحكم محو هوية الشعوب من محتليها.

ــ «رائحة التفاح» هي الترجمة العربية لاسم «سيبويه»

ـ كلمة «حتى» هي رحلة دائمةٌ بين الكلمات، تلونها كما هي تَود أو تتأثر

بما يأتي بعدها فتلبس لبسه، حتى غدت تميل إلى تعدد الاتجاهات،

وهذا ما دفع سيبويه لقول كلمته: «أموت وفي نفسي شيء من حتى».

٭ ٭ ٭

سيدةٌ أسيرةٌ

في نسيج انتظار ما لا يأتي

أُطعِمُ نارَ المدفأةِ أوراقَ الأوديسة/

تلك قصة لا تريد أن تُنهي بردَ هذا الشتاء

وعبثاً تنتظرين يا بينيلوبي

بطلَك التائهَ الأسيرَ في أحضان ماسِخةِ الفرسان…

عبثاً تنتظرين بحارتك الذين يصارعون وحوش المتوسط

ووحوش أحلامهم الوثيرة بلافتات حسيرة في ساحات أوروبا

عبثاً تنتظرين وعود سادة الحرب بتحريرك من

أمراء الحرب في نهاية خيوطهم

عبثاً تفهمين كيف تسلق من تم مسخُهم خنازير

جدران مزابل المؤتمرات ليرعوا

ورق تواليتات اللجان في مدن العالم…

عبثاً تفسرين من أي مزابل الكهانة خرجت مسوخ

الخلافات والإمارات

لتعري أشجار غوطتك بعين الوحش وتقتلَ أزهارها

بِلُحى الكراهية

عبثاً تفسرين توسطات ثعالبِ سياسةٍ نسقوا قيادةَ

حصان طروادة إلى ساحة المرجة

عبثاً تفسرين جشعَ أخٍ جمد أطرافكِ وعقد عنقك

بحبال وهمِ الخلاص

وعبثاً تنتظرين فصائل جند إلهٍ تحولتْ مرتزقةً

بيد شياطين الحرب…

وعبثاً عبثاً عبثاً يا بينيلوبي

تكسرين عزلتك الكسيرة وتخرجين

بنسيجك المهترئ من ظل الجدار/

عبثاً تبحثين عن حلوياتك الشهيرة في

طوابير الجياع التي تقف لشم رائحة الخبز

عن أقمشة مدن الحرير في سوق الحميدية

المخنوق الوجه بالنايلون

عن بهارات الهند والسند في سوق البزورية

المطحون برائحة المجارير

عن ياسمين الخشب العتيق على الجسور

المثقلة بالإسمنت عارياً من عطر اللون

وعبثاً تبحثين عن روح شفافية روحك

في ضريح محيي الدين بن عربي

الذي يعرش عليه لبلاب الدين…

عبثاً تتأملين يا بينيلوبي سيفَ الأمويين

أن يُشهرَ في ساحةٍ يحاصرها غمدُ فقه المُسوخ

شوارعَ حريتك أن تنفتح أمام دبابات الروس

تحيطُ قصر المهاجرين

أحلامَ مجدك في شموخ بواباتك سدى

بعد أن توقف عن جريان تاريخها بردى

وعبثاً تتأملين هدوءَ الجامع الأموي في صراخِ مسوخٍ

يلطمون وجهك

ويجلدون ظهر التاريخ بالسلاسل…

لا تجلسي يا بينيلوبي شغوفةً في مقهى النوفرة

الحكواتي الساحر بشارب أبو زيد الهلالي

غادر دكاكين كتبك مسحوراً بأوهام مقاهي باريس

دون شارب

لا تقفي متحسرة أمام البرلمان

ببغاوات الوالي الببغاء تذرق معه على حيطانه

بمؤخرات قرود عارية من الحياء

ولا تمري لتفقد غرفتي المتواضعة في شارع العابد

سوف تخنقك الحسرةُ من احتلالها

بمخلفات الجرذان…

عبثاً تشدين يا بينيلوبي

قوس بطلك في أعلى بواباتك السبع

لأن الذكرى قاب قوسين أو أدنى من الموت.

(12 آذار 2021)

‏شاعر سوري








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي