تَقاعُد

2023-04-05

سلمان زين الدين

اليَوْمَ أشْهَدُ أنَّني

أدَّيْتُ قِسْطي لِلْعُلى،

وَبَذَلْتُ دونَ مَسيرَتي:

ذَهَبَ العُقودِ،

وَفِضَّةَ الأعْوامِ،

وَالنَّغَمَ المُخَبَّأَ في الوَتَرْ.

وَبَذَرْتُ ذاتي في عَصِيّاتِ الحُقولِ،

وَرُحْتُ أُنْشِدُها أناشيدَ المَطَرْ

حَتّى إذا أَزِفَتْ مَواعيدُ الحَصادِ،

وَحانَ ميعادُ الحِسابِ المُنْتَظَرْ

بينَ البَيادِرِ وَالحُقولِ،

غَنِمْتُ في جُلِّ الحُقولِ

مَواسِمَ الرِّزْقِ الحَلالِ،

وَعُدْتُ في بَعْضِ الحُقولِ

منَ الغَنيمَةِ بِالسَّفَرْ.

٭ ٭ ٭

اليَوْمَ أَشْهَدُ أنَّني،

مُنْذُ اعْتِلائي صَهْوَةَ التَّعْليمِ

ذاتَ صَبيحَةٍ

منْ ذاتِ تِشْرينٍ تَدَثَّرَ بِالمَطَرْ

حَتّى اعْتِزالي صَهْوَةَ التَّفْتيشِ

ذاتَ عَشِيَّةٍ

منْ ذاتِ نَيْسانٍ تَلَفَّعَ بِالشَّجَرْ،

قدْ خُضْتُ عاتِيَةَ المَعارِكِ

شاهرا سَيْفي على بُؤَرِ الفَسادِ

وَعائِدا مِنْها بِأصْداءِ الصَّليلْ،

وَقَرَعْتُ، في كُلِّ مَدْرَسَةٍ، نَواقيسَ العُلى،

فَاسْتَيْقَظَتْ منْ نَوْمِها الشَّتَوِيِّ أكْمامُ العُقولْ.

٭ ٭ ٭

وَاليَوْمَ،

قَدْ آنَ الأوانُ

لِأَسْتَريحَ منَ المَعارِكِ وَالصَّوارِمِ وَالخُيولْ،

وَأَعودَ عُصْفورا

يُغَرِّدُ خارِجا عنْ سِرْبِهِ،

يَصْطادُ أشْجارَ القُرى،

وَيُلَمْلِمُ الألْوانَ عنْ أغْصانِها،

وَيَصوغُ منْ أسْمائِها الحُسْنى

فَراديسَ النَّظَرْ.

٭ ٭ ٭

اليَوْمَ،

يَرْجِعُ منْ سَفارَتِهِ الأخيرَةِ سِنْدِبادْ،

يُلْقي عَصا تَرْحالِهِ مُتَخَفِّفا

منْ عِبْءِ وَعْثاءِ السَّفَرْ.

وَعَلى شِغافِ فُؤادِهِ

حَفَرَتْ خَريطَتَها البِلادْ،

فَغَدا رَهينَ قَضائِها،

وَغَدَتْ أميرَتَهُ القَدَرْ

٭ ٭ ٭

بِالْأَمْسِ،

كَمْ زارَ المَدارِسَ مُرْشِدا وَمُفَتِّشا

يَستَنْبِتُ المَطْمورَ تَحتَ تُرابِها،

وَيَروحُ يَرْعاهُ لِيُؤتِيَ أُكْلَهُ

منْ كُلِّ دانِيَةِ الثَّمَرْ،

فَدَنَتْ قُطوفُ نَباتِهِ في جُلِّها،

وَنَأَى، عَلى رَغْمِ الرِّعايَةِ، بَعْضُها.

هُوَ حَسْبُهُ أنْ حاوَلَ اسْتِنْباتَها

في تُرْبَةِ الأَرْضِ اليَبابْ،

فَيَعودُ بِالنَّبْتِ المُخَبَّأِ تارَة،

وَيَعودُ طَوْرا بِالإِيابْ.

٭ ٭ ٭

وَاليَوْمَ،

إذْ يُلْقي عَصا تَرْحالِهِ

سَيَعودُ مُرْتاحَ الضَّميرِ

إلى مَساقِطِ قَلْبِهِ،

ويُقيمُ صُلْحا لا يُفَضُّ

مَعَ القَدَرْ.

شاعر لبناني








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي