الشعر يرانا أيضا

2023-04-03

عبد الغني فوزي

لا يمكن أن يكون الشعر إلا شعرا. ولا شعر لشعر إلا لشعره. فعلى الرغم من مسيرته المرتبطة بوجود الإنسان وحلمه، داخل حياة متجددة في الكتابة على المستويات البنائية والجمالية كافة. انطلاقا من الإحساس والخيال في معاركة الواقع وفظاعاته. وبقدر ما تتطور التراجيديا في ظل مشاهد تقتل معنى الإنسان، يتطور الشعر في صيغه الجمالية ومحتوياته. لهذا أرجح أن السياق والشرط الجمالي يساهمان بقسط كبير في الانبثاق والبزوغ. هذه الكثرة المدعوة «شعرا» على مستوى اللغة والتخييل والتصوير، تقتضي تلك الذات المتحررة من معناها الدائري المألوف، لتتحول إلى خيط بلوري شفاف، في كيان شعري، يمتص التراجيديا ويجاوزها إلى المستقبل، لذا فالكتابة الشعرية تتعدد صفاتها، من خلال الممارسة النصية والإطارات الموازية كالبيانات والمفهوم والمشروع.

والغريب أن البعض يدخل الشعر ضحلا، لا أدوات في يده ولا عدة في رأسه، فيغلب الخلط والخبط عرضا وطولا، بل الآخر يلوك المفاهيم والتصورات التي لا تترجم الصيغ والشروط، لهذا، يغلب ظني أن التنظيرات تأتي بعد المنجز وليست قبله. لا فقهاء في الشعر ما عدا سلطة النص التي تنتهك، سعيا لتأطير هذا الكائن الإشكالي وتوجيهه. أكيد ففي كل لحظة تاريخية، شعرية عامة أو قل جمالية مشتركة، لكن الضربات الفردية والخصوصيات أهم. لأن الكتابة الشعرية، يتم السعي إليها من خلال اشتغال دؤوب، تحررا من القيود والأوهام، من الإطارات نفسها. وبالتالي فالشعر يعيد النظر في نفسه باستمرار، ليغدو شفافا أكثر، راقصا بين خرابين، خراب الامتداد وخراب اليوم، صامتا حيث يجب، منفلتا، نافرا في ظل قتل رتيب وتنميط قاتل، هو بهذا وذاك ألياف متشابكة، تنطلق من معنى ما للحياة، فتتعدد أبعادها المرمزة، استيعابا للاستعارة إنجازا وخلفية وللخيال فضاء وتقطيعا. فالشعر ليس قلبا للوظائف المألوفة فقط، أو صورا مفككة.. هو روح تبني وحدتها العميقة على الشقوق، لهذا، فالنصوص كائنات إشكالية، كلما اقتربنا منها أحسسنا بشيء من رعشتها، بشيء من أفقها، بشيء من عمقها.

يعاني الشعر اليوم من الكل، بنسب مختلفة.. من الدولة إذ لا مشروع ثقافي متكامل لها، يحضن الشعر ضمن إيصال وتواصل فعال.. من الأحزاب الممتلئة بالأيديولوجيا و»اللعب» الديمقراطي الذي يوصل للسلطة، إلى المجتمع المدني، ومنه الجمعيات الثقافية التي لم تقدم إلا القليل غير الاستراتيجي للشعر، وصولا إلى مؤسسات التنشئة الاجتماعية التي ترجح تحت نير الواقع وسوطه، فضلا عن الجامعات والمدارس التي تتلقى الشعر بكيفية نمطية، تساهم في تحريف مفهوم الشعر، إنها وضعية مركبة ساهمت في تدني القراءة، بل انعدامها أحيانا، فأصبح الشعر رواية، وهذ الأخير قصة.. وهلم خلطا ولفا.

في ظل هذه الوضعية يساق الشعراء كقطيع ضمن ملتقيات غير منتجة، متشابهة، لا تشكل منعطفات في التعاطي مع الشعر، فيسود الخلط واللغط وإخضاع الشعر لعلو المنصات والقفزات المفارقة للشعر وشعرائه الحقيقيين، الأفظع أن هناك شعراء أشباه يسيئون للشعر من خلال دفاعهم عن نماذج شعرية في رؤوسهم فقط. فمراكمة الأغلفة، لا يعني مراكمة الأفكار اللامعة من حفرها، فلا بد من تحيين «التركات» بفتح العين على ما يعتمل في الواقع من تراجيديات، وما يخترق النصوص من اجتراحات. لا أملك عصا سحرية لأحول الوضعية، بل من خلال هذا التوصيف، يبدو أن الوضعية المعطوبة ساهمت في الخلل وممارسة التضليل وتضخم الأنا خارج النص وليس داخله كفاعلية جمالية، وهو ما أدى إلى صنع شعراء على المقاس، فتضيع النصوص المؤسسة والمقيمة، ويضيع الشعر نفسه، من خلال تركه «مغمضا» وموصدا على نفسه.

يغلب على ظني، أن أي احتفاء بالشعر اليوم، هو مساهمة في طرح أسئلته في الإيصال والتواصل، في فتح جوانبه، في موقعه الآن.. قصد خلق مناعة شعرية ذات بعد إنساني بالدرجة الأولى، ليغدو الشعر شعرا والشاعر شاعرا دون استيلاب أو ادعاء يبحث عن امبراطورية بفتوحات انتهازية لا صلة لها بالمعنى والشعر، فينتفي العمل، ويعرش الفراغ، لكن الشعر أبقى..

شاعر وناقد مغربي








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي