لدغة ثعبان جعلت "غاندي" رائداً للمقاومة

متابعات الامة برس:
2023-02-11

غلاف الكتاب

القاهرة: بلغة عذبة وسرد قصصي مشوّق، يروى الكاتب الروائي محمد المنسي قنديل، في كتابه: «عظماء في طفولتهم»، الصادر عن دار «الكرمة» بالقاهرة، مواقف إنسانية ووقائع شديدة الدلالة في حياة عدد من العظماء في السياسة والأدب والعِلم وهم في مرحلة الطفولة التي ألهمتهم فيما بعد حين كبروا. ويتوقف المؤلف بشكل خاص عند زعيم الهند الوطني، المهاتما غاندي (1869 - 1948).

يقول قنديل: «كان طفلاً يسير بصحبة والدته في الحقول حين لدغها ثعبان، فأجرى لها الإسعافات الأولية ببراعة، ثم انطلق، بمساعدة بعض الفلاحين، نحو أقرب مستشفى. أحضر أحد الرجال عربة يجرها حصانان، وصنعوا للأم المصابة فراشاً من قشّ، ثم حملوها ووضعوها على الفراش برفق، وجلس (غاندي) بجانبها، وأمسك يدها، فوجدها باردة ومبلَّلة بالعرق، فأخذ يدعو في أعماقه من أجل نجاتها، وأن تصل إلى المستشفى قبل فوات الأوان.

كانت العربة تجري بسرعة، والرجل يلهب ظهور الجياد بالسوط، ولكن طرقات القرى الهندية كانت كلها وعرة ترابية وغير مرصوفة، فلم يكن الإنجليز (الذين كانوا يحتلون الهند منذ زمن بعيد) يهتمون إلا برصف الطرق التي تخدم أغراضهم الحربية. أما بقية البلاد، فقد تركوها تعيش كما عاشت دائماً منذ آلاف السنين. توقفت العربة أمام المستشفى، كان كبيراً مبنياً بالطوب الأحمر ويرفرف عليه العَلَم البريطاني عالياً، وفي مقدمته تمثال كبير للأسد الذي يرمز للإمبراطورية البريطانية التي لا تغرب الشمس عنها أبداً.

حمل الرجال جسد الأم، وتدلَّت ذراعها فأسرع غاندي يحملها، وساروا جميعاً إلى بوابة المستشفى، ولكن ما إن دخلوا من الباب المؤدي إلى الداخل حتى فوجئوا بأحد الحراس الإنجليز يرفع بندقيته في مواجهتهم وهو يهتف:

- إلى أين أنتم ذاهبون؟

وتوسل إليه أحد الرجال قائلاً:

يا سيدي الجندي، معنا امرأة مصابة بلدغة ثعبان، ونريد أن نجري لها بعض الإسعافات. إنها سيدة مسكينة يا سيدي!

وأنزل الحارس البندقية في حيرة، وهو يشاهد وجه المرأة الأصفر الشاحب، وقال في تردد:

ولكن الأوامر...

وفجأة ارتفع صوت رجل وهو يقول بقوة:

مَن هؤلاء الناس، مَن أنتم؟

كان رجلاً إنجليزياً ضخماً يرتدي معطفاً أبيض ويقف أمامهم، وقال الحارس:

إنهم بعض الهنود يا سيدي المدير، معهم امرأة مصابة بلدغة الثعبان.

ولكن المدير أشاح بيده بلا مبالاة وهو يقول:

لا يهم، دعهم يبتعدوا! هذا المستشفى مخصص فقط للبريطانيين، وممنوع دخوله على كل الهنود!

وأسرع غاندي ووقف أمام المدير وهو يقول في توسل:

أتوسل إليك يا سيدي. إنها في حالة خطرة، ويجب أن ننقذ حياتها!

ولكن المدير نظر إليه في احتقار، ثم أشار للحارس وهو يقول:

الأوامر هي الأوامر، اطردهم خارجاً. لا يهم... هندي ميت؛ فهناك الملايين منهم أحياء!

ورفع الحارس بندقيته، ووجهها إلى صدورهم، وجاء حراس آخرون لا يعرف أحد من أين ظهروا. كلهم كانوا يحملون البنادق. صرخوا في الرجال أن ينصرفوا وإلا قتلوهم، ولم يكن هناك مفر من أن يحملوا الأم ويعودوا للعربة مرة أخرى. وبكى غاندي في حرقة. كانت عينا الأم مفتوحتين؛ لقد رأت وسمعت كل شيء. وقال غاندي وهو يضغط على يديها:

لا تقلقي يا أمي، سوف نذهب إلى مستشفى آخر.

ولكن الأم ردت في حزم:

كلا، لن تذهبوا إلى أي مكان آخر. الإنجليز يزيدون من مرضي، هيا فلنعد إلى بلدتنا وسوف أريك كيف تعالجني.

وكانت الأم مصممة على ذلك. استدارت العربة وعادت إلى البلدة، وعندما أصبحوا بجوار الحقول مرة أخرى أمرته الأم بالتوقف، وطلبت من غاندي أن ينزل ويحضر قبضة من طين الأرض، وعاد غاندي يحمل قبضة رطبة؛ فقالت له الأم:

ضعها هنا فوق أثر اللدغة. لن يداوينا إلا أرض الهند المقدسة.

ووضع غاندي قبضة الطين على ساق الأم، وواصلت العربة سيرها، وأحس غاندي بأن أمه قد بدأت تشفى بالفعل؛ فقد توقف العرق، وبدأ وجهها يعود إلى اللون الطبيعي. وقالت أمه:

تذكر دائماً يا بني أن أرضنا طيبة، لكن وجود الاحتلال يدنسها.

كبر غاندي دون أن ينسى ذلك اليوم أبداً، صمَّم على تحرير الهند، لكنه تعلم كيف يتجاوز الكراهية ويخطو فوق الأحقاد ليصبح رائد مذهب (المقاومة السلمية) الذي ألهم ملايين البشر حول العالم».







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي