بيانوهات قديمة تصنع جسراً

2023-01-30

إيليا كامينسكي

دعاء المؤلّف

إذا تحدّثتُ بِاسم الموتى، فينبغي

أن أغادر حيوانَ جسدي.

ينبغي أن أكتب القصيدة ذاتها مرّةً تلو الأُخرى،

فالصفحة البيضاء راية استسلامهم.

إذا تحدّثتُ بِاسمِهم، فينبغي أن أمشي على حافّة

نفسي، أن أعيش مثل أعمى

يركض في الغُرف من دون

أن يلمس قطع الأثاث.

نعم، أحيا. بإمكاني أن أقطع الشارع وأسأل، "أيّ عام هذا؟"

بإمكاني أن أرقص في نومي وأضحك

أمام المرآة.

حتى النوم صلاةٌ، يا الله،

سوف أثني على جنونك، و– بلغة ليست لي – أتحدّث

عن الموسيقى التي تُوقظنا، الموسيقى

التي نتحرّك خلالها. فأيّ شيء أقوله

هو نوعٌ من المناجاة، وأحلكُ الأيام ظُلمةً

ينبغي أن تُمجَّد.

■ ■ ■

تهويدة

يا بِنتي البنّوتة

يا ميَّة المطر

حماكِ الثلج والغُصن

والجدار الأبيض

وأيادي جيراني

يا ابنة نيساني

يا طينةً صغنونة

ستّة باوندات فقط

شعري الأبيض

يضيء نومتَك

■ ■ ■

سيجارة

هاكِ -

مواطنو فاسينكا لا يعرفون أنّهم دليل على السعادة

في وقت الحرب،

كلّ واحد منهم وثيقة ضحكٍ ممزَّقة.

يا الله،

لدى الصُّمّ شيءٌ يودّون قوله

شيءٌ حتى هم لا يستطيعون سماعه –

ستجدُني يا الله

مثل منقار حمامةٍ خرقاء

أَنقُرُ

الذهولَ كيفما اتَّفق.

إذا

صعدْتَ سطحاً في ميدان مدينة تعرّضت للقصف، سوف ترى شعبي

وأنا -

يسرقُ جارٌ سيجارة

آخرُ يعطي كلباً

قدحَ بيرة مشمسة.

■ ■ ■

مختارات من مجموعة "جمهورية الصم"

بينما يصعد الجنود الدرج

بينما يصعد الجنود الدرج -

تحكّ زوجتي

بأظافرها المطلية

وتحكّ

الجلد عن ساقها، فأشعرُ

بصلابة العظم تحته.

ويمنحني ذلك الأمل.

■ ■ ■

صوتٌ ليس بمقدورنا أن نسمعه

زجّوا صونيا في سيارة

البوليس -

ذات صباح، ذات صباح، ذات صباح في شهر مارس، ذات صباح برّاق مثل قطعة نقد -

دفشوها

فعرَجت واستدارت وتعثّرت بصمت -

وذلك صخب الروح -

صونيا، التي قالت مرّةً، "يوم اعتقالي سوف أعزف على البيانو".

نرى أربعة رجال

يدفشونها -

فنحسبُ أنّنا نرى مئات البيانوهات القديمة تصنع جسراً

من آرليموفسك إلى شارع تيدنا - وهي

تقف عند كلّ بيانو -

ما بقي منها

هو دمية

تتحدّث بأصابعها،

ما بقي من الدمية هو هذه المرأة، ما بقي

منها (أخذوكِ يا صونيا) هو الصوت الذي ليس بمقدورنا أن نسمعه.

■ ■ ■

قَرصُ معصم

يضغط جندي شابّ مسدّسه على رأس صونيا. ترجف يده. يجبر صونيا على المشي. على عنقها علّقت يافطة تقول قاومتُ الاعتقال. تشاهد البلدة. عند كلّ باب وشبّاك، يقفون.

تفّاحة مقابل البصَّة، يعرضون صونيا، عارية، تحت إعلان يقول، الجيش يقاتل من أجل حريتك. يترنّح الثلج قرب أنفها. يرسم الجنود دائرتين حول عينيها بقلم أحمر. يسدّد الجنود على الدائرة الحمراء، ويبصقون. تسديدة ثانية. يبصقون. تشاهد البلدة.

يُجبَر المعتقلون على المشي بأذرع مرفوعة. كأنهم يغادرون الأرض ويجرّبون الرياح.

■ ■ ■

أنا، هذا الجسد

أنا، هذا الجسد الذي أوغلَت يد الله فيه،

فارغ الصدر أقف.

في العزاء -

تقف بنات الماما غاليا ليصافحن يدي.

ألفُّ طفلنا بمنديل أخضر،

هدية وجيزة.

غادرتِ، يا زوجتي التي تصفق الباب؛ وأنا

الأحمقُ، عشت.

لكنّ الصوت الذي لا أسمعه عندما أحدّث نفسي هو أوضح الأصوات:

عندما غسلَت زوجتي شعري، عندما قبّلتُ

ما بين أصابع رجليها:

في شوارع حيّنا الفارغة، بعضٌ من الريح

نادى للحياة.

زوجتي أُخِذت، طفلي

لم تمض ثلاثة أيام على خروجه من الرحم، شقّتنا هادئة. أقول

ببطء:

شقّتنا هادئة، على الأرض

ثلجٌ وسخٌ من حذائها.

* ترجمة: أنس طريف

بطاقة

Ilya Kaminsky شاعر أوكراني أميركي يكتب بالإنكليزية، من مواليد 1977. فقدَ معظم سمعه في سنّ الرابعة بعد نُكاف شُخّص خطأً على أنّه زكام. يشغل حالياً منصب أستاذ كرسي بورن للشّعر. من إصداراته: "الرّقص في أوديسا"، و"موزيكا هومانا"، و"الجمهوريّة الصمّاء" التي وصلت إلى اللائحة النهائيّة لجائزة الكتاب الوطنيّ في الشعر عام 2019.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي