كلّ شيءٍ شاسعٌ ويهَبُ معنىً

2023-01-20

تياغو بونسي دي مورايش

اغتراب

يستلقي هنا تحت سطوة

حُلمٍ

لا عودة.

يستلقي هنا. أوراقٌ

في البعيد وعلى المدى

وأنتَ تحلمُ

بأرقام بسيطة، بخطوطٍ وأشياء

بسيطة.

لديك قليل من الضوء، لديك

بعضٌ منه،

بينما

أنتَ تسبحُ - قزحياتٌ خضراء -

تُقْسِمُ يَمِينَكَ.

■■■

نِهَاية اليَوم (Finis operae)

أن أكون في استراحة، أن أنقُرَ على البيانو

الذي قطعْتُ أوتارَهُ. ستُدرِكُ

أنَّ المَأساوِيَّ

لا يمكنُ أنْ يُحْتَمَلَ.

أنْ تكونَ فِي استراحةٍ، لا شيْءَ

لا شيء يتمُّ تَذكُّرُهُ

تَرفعُ

شعاعَ الأصلِ،

سماءٌ قويَّة مِنْ ضوءٍ

قابلةٌ للتَّقلُّص.

■■■

تخاذلٌ

I

امْضِ

امْضِ

امْضِ

فِعلٌ غاضِبٌ

مُنْحَنَى تنهُّدٍ وطِينٍ.

II

نهرٌ يتدَفَّقُ الآن عبرَ المَصَبِّ

سِباقُ الأيادي

لُقمَتان مِنَ الصَّمْتِ

دون أن يعلم أنَّ الكلامَ

فقاعَةُ نُبوغٍ ضئيلةٌ

يُحاولُ أنْ يَقتحِمَ الأشعارَ

■■■

تَفكِيرٌ عَبَثيٌّ

أن تراها وهيَ تولدُ، وربما أن تلمَسَ يديها،

نبضاتُ حَنِينٍ غير قابِلٍ للقراءة. وبعد ذلكِ،

عِشْها مع كلّ شيء، بِلا استعجالٍ، بلا طعْمٍ،

بلا رسومِ خرائطَ تُسَمِّي وجهَهَا،

ودون حتّى أنْ تفكِّرَ فيها. في نهاية المطافِ، أن تُصمِتَها

مثلَ حلمٍ قديمٍ في أعماقِ الرُّوحِ.

نجومٌ في مسافةٍ أبعد من هذا المشهدِ المُتدَاعِي،

ستُعلِّمُكَ هذه الشاشة ما يُفتَقَدٌ وما يُحَسُّ.

في إيماءات الطريق، دونَما بدايةٍ ودونما غروبٍ،

ألّا تَتملكَها أبداً، ولكن أيضاً، أنْ تحرُسَهَا.

■■■

في الأصل

قد قلت كما لو أن الأمر لا شيء:

 صورة حميمة لما هو

إلهي، تتخلّى عن شكلِ

هذه اللغة العابرة.

عندما يعودُ الصمت

مُعْرِضاً، قد يكون هناك أيضاً،

وراء المياه الصافية التي

تُغرقُ الأرض، شيءٌ ما أو

شخصٌ ما يُذوِّبُ الأصلَ.

■■■

بركاني

من ذروة النهار حيث ينتشر بعضٌ من الضوء،

يرجعُ صدى ظلالِ أيَّار أمام المساء.

تجذبُ شجرةُ الكرزِ مُرتعشةً وحيرى بأزهارها -

الأغانيَ التي يُعِيقُها الانقلابُ الشمسيّ.

يُعِيقُ بعض الانحرافِ المُصَوِّتِ

يا سيرس التي في البذرة. يا سيرس التي تجعلينها تنمو بالكلمات.

تقولين مشاهد طبيعية قرمزية. أجزاء من المَساءِ،

وسَكْرَى

بالحُلمِ

تُبْدعينَ اسمَكِ.

■■■

فنُّ الخَطِّ

لا يمكنك أنْ تتخيَّلَ أيَّ لغةٍ

والصَّبَاحُ يُدَاهِمُ مِثل جُرحٍ على شفتيك.

ينفتِحُ فمك، وبالكاد تنزفُ كلمةٌ

بينَما يَمُرُّ النَّهارُ.

فلتعرف: تتوغّل عميقاً في بيت النسيان.

أوراقٌ على الأرْضِ وظلالٌ من أغصان الشجر الوارفة

تمتَدُّ حيث أسِيرُ. والليلُ

لا يستدعي النجومَ

أوراقُك تَشُقُّ أخاديدَ في الرَّمْلِ،

بعدُ ما زالتِ الكلمةُ تمْتَلِكُ

الضَّوْءَ:

لا شيْءَ يضيعُ.

■■■

مُحيط

النَّهارُ الذي يعبرُهُ نهر "ليثي" هو هذه القصيدة. البياضُ

ينامُ في كلِّ شُعاعٍ للفجرِ.

والموت الذي ينتهي فقط، لا أقلَّ ولا أكثر، عبرَ الحواس الشَّاسعة.

فليكن: لا الحياة وجيزةٌ، أو فقط تتأخّرُ

إذا استغرقتْ قليلاً من الوقت.

خطوطٌ.

كلُّ شيءٍ له مَعنى وثمَّة

خاتمة للعالم، لكن دونما سبب تتدفّق ذاكرتك

في المُعتِمِ وتهرب منك.

كلّ شيءٍ شاسعٌ ويهبُ معنىً

أو لا يهبُه: منذ ذلك الحينِ يتلوَّى جسدك بالكامل: يجعلُ للجذع معنى.

النهر مُستديمٌ، التوازنُ، الآثارُ الرائعة للشمس عند الغروبِ، وأنت تَنامُ.

في مهابة، في جلاء، واضحةٌ على ضفافِك غير السالكة

الأحجارُ وشواهد القبور - الصورة ذاتها والصورة الأخرى.

■■■

مُتوازيةُ مالارميه

بين الفجر والسحر يرسمُ خطٌّ أزرقُ رقيقٌ وباهتٌ -

يُولدُ تحت السَّماءِ -

دائرةً كانتْ مَوجودةً، تَستلقي في مركزهَا، مثلما في مركز القصيدة بُحَيرةٌ، حِجَابٌ،

مثلَمَا تمتلكُه الحياة من فيْضٍ وتزامُنٍ.

ترغبين أن تستيقظي مثل هبُوبٍ بغتةً،

أو أن تنهَضي مِنَ العشْبِ مثلما ينعكسُ الفعلُ،

وإذن، في رسم تخطيطي للفضاءات قصدَ تحديد محيطِكِ

تُبْدينَ في قسماتِ وجهك ما تصوِّرُهُ قصيدةٌ ما.

ولا حتى الرِّيحُ التي تعانقكِ أو تجعلكِ شاسعةً أو تكشفُ عنكِ،

ولا كاهلكِ، هذه الخرائط أكْوامُ الحنين،

تَرِثُكِ دونمَا نواميسَ أو حدودٍ.

خطٌّ أزرقُ رقيقٌ وباهتٌ يرسمُ دائرةً:

وفي مركزِهِ ينفُرُ منْكِ - ويضغطُك ويتهجّى حروفَكِ دُون أنْ يقرأكِ -

بين قلقِ وغَمِّ صفحاتكِ البَيْضَاء.

■■■

ساعاتهن

دونما سبب، أيَّتها الرَّبَّاتُ،

في الفضاءِ الشاسع الفارغ -

أرتميس، أثينا، وهيستيا،

في صخب العالم الهائل،

أشجارُ حور، أعوامٌ،

قياثرُ لكلّ سماءٍ يَهُبُّ فيها غِناؤهُنَّ،

جذواتٌ، أنهار طفولتهنّ، استعاراتٌ دونما إتقانٍ.

وبعد ذلك هذا العسف بسبب عزلةِ اللغةِ.

دونما ربَّاتٍ ولا ألوانٍ، تحلمُ في ساعاتٍ نادرةٍ،

تُمسي ليلاً مثل مَنْ يحب كلّ ذاك الذي يُحِبُّه

وتنطلقُ غيرَ واعٍ بكيانك

خارج المملكة القديمة لتدرُّج ألوانك،

جدران عتيقة لا تتعَرَّفُ عليها،

ذاكراتٌ وأشعارٌ وشَفَرَاتٌ.

■■■

مثل غُيومِ برْقِك

ثمَّةَ في وجهك الجامدِ

شيْءٌ من الهيروغليفية (من

غير القابلة للتَّشفيرِ) الذي يكفي

في أيِّ لحظةٍ.

ثمَّةَ شيءٌ في وجهك

يَمضي مُتَنَزَّهاً أيضاً عَبْرَ

اليدين – ثمَّةَ تخَلٍّ

مأساويٌّ لا يُشِيرُ إلى أيّ شيءٍ.

ومثلَ العارفِ بالكلمات

تَبتسمُ فقطْ،

وتتركُ مِنْ ملامحِ وجهك شيئاً

في الذاكرة العقيمة لذلك

الصيف الذي كنتَ فيه تكتبُ وأنتَ تقترحُ

سِماتِكَ المُمَيِّزةَ فِي ساعاتٍ:

أفَضِّلُ أن أرى

لا أن أقولَ.

■■■

تواريخ

I

في بعض الفصُولِ المهووسة، سحيقة الغورِ والزهور،

- بعضها -

عديم الجدوى بصدَدِ الحياة:

ينابيعُ

رقصاتٌ مُلتبسَة ونارٌ

حارقةٌ في التلفظ المُتبَصِّرِ لثيابك تلك، في التلفظ الدَّؤوبِ

ليديك.

لم يولد أيُّ جسَدٍ في هذه القصيدة،

سائراً وراكضاً مثلما في الخارج

يُحطّمُ جَمَلٌ هذه القصيدةَ

المُشوَّهة أو القاحلة اليومَ ودائماً،

بكلامِها المُتصنِّع، والتي هِيَ لكِ إلى الأبد،

دونَمَا آثارٍ باقيةٍ لحَشَاك في أيِّ شيء،

عقيمة ومُقفرةٌ ومُمزَّقة.

II

نارٌ في تلفُّظِ الذاكرة الشاسعة -

أوراقها بلا حياة تراكمت في الفجر، واقع فيه تلاشت -

تلمسُ. يلمسون.

في بعض الفصُولِ المهووسة، عند أقدامِ ذاكرتك، أحلامٌ

فارغةٌ وحينئذ جليَّة -

تحلُمُ

بكينونةٍ ربَّما حَتْمِيَّةٍ،

والرِّيحُ تأخذ حرارتَكَ

في ثنايا ساعاتِها.

لكنّكَ لا تُحِسُّ أبداً ما يكفي لِكي تَتذكَّرَ،

على ألا تكونَ مِنْ ضوءٍ يَعْبُرُ حلقَك،

ويجعلكَ تتلاشَى على ضفَّةِ النسيان.

III

رقصاتٌ. والنارُ تلعقُ ثوبَكَ

مثل جُرحٍ.

أنت لمْ تعرفْ أبداً بِدقّةٍ

إنْ كان ذلكَ النَّبْعُ موجوداً أو إنْ كنتَ أنتَ بالفعلِ موجوداً

على حسابِ هذا المشهد،

لكنكَ تُراكِمُ زهوراً عديمة الجدوى، كثيرٌ منها، الآنَ متلاشٍ في الطريقِ،

مُلتَبِسٌ يجعل التلفّظَ حزيناً

من أيِّ مسافة

نوفمبر

خَامِلٌ لكيْ يَحفُرَ يوماً في داخلِهِ.

IV

الآن ما زلتِ تتحدّثين، مُنصهِرةً في الحَرِّ،

أغنِياتُك الصغيرة،

زهوركِ من الواقعِ.

في فصُولٍ مُحدَّدةٍ تغيِّرينَ مواضِعَ

يديْكِ، تتركينَهما مثل زهور، وربَّما

صمَّاءَ منذ الآنَ، همَا خاملتانِ وخرساوانِ

فوقَ حشَاكِ ولا شيء

لا تفعلان شيئاً يُوقعكَ في هوّةٍ سحيقةٍ.

V

دون أن تُدرك أنّك تنسى،

فأنتَ تنسى وتحلمُ.

■■■

ذكرياتٌ

(إلى ماكس مارتينس)

سلاسلُ نسيانٍ بألعابِ للنسيان

مع أزهارٍ: أن تتعلَّمَ هذه القصيدة، وأن تعبرَ

هوامشها.

ألعابٌ عديمة الجدوى وأزهارٌ وهذا التسلسل المستحيل

لأصواتٍ:

أن تفقِدَ/ أن تحلُمَ. تلعبُ أحجارَ رهانك وتُلقي

ظلالَ رماحٍ ـ هذه اللعبة.

لعبةُ النسيان، لا، لعبةُ كلمتك،

لا، انعكاسات: في هذه المرآة، لا، في هذا البستانِ

من حيرةٍ وبلا قاعٍ.

سلاسلُ، ضفافُ نهرٍ هو - لا/ نعم -

تلتمعُ أضواءٌ: تسقُطُ أوراق الشجرِ وتولَدُ. أزهارٌ صامتة

لأجلِك تنمو في الفجرِ.

في الفجرِ فضلاً عنِ الأزهارِ، ذهَبٌ هو صوتُك،

مجدٌ في ظلِّ خوفٍ لا يمكنُ التحكُّمُ فِيهِ

لهذهِ المشاهدِ الطبيعية،

ألعابٌ عديمة الجدوى - كلُّ

قصيدة - سلاسلُ

نسيانٍ وهوامش.

■■■

بعدُ ما يَزال

الأبديَّةُ. كلماتٌ بلا ظِلٍّ،

أسماءٌ تَنامُ وهي تتلعثمُ في التَّلفُّظِ على لسانِك.

شَعرُك واستسلامُك إلى الهذيانِ وطليقاً

مثل أوراق شجرةٍ وهيَ تسقطُ في النسيان.

في جذور النهارِ، في الأسفلِ، في أثيرِ الحنينِ،

في الأسوار الصامتة للمدينةِ التي تحلمُ بها

- منقطعة.

■■■

مَأوى

الزمنُ، الذي لا يتوقّفُ، يمُرُّ

ثابتاً على هامشِ الإيماءات

العالقَةِ في اليَدَيْنِ.

ليسَ ثمَّةَ تغيُّراتٌ. جسدُكِ فقط

في طفولةِ غُرْفَةٍ بلا أبوابٍ،

وحتَّى بِلا نوافذَ وبلا أقدامٍ

مبتورةٍ مِنْ خِلافٍ. لا شيء يُلقِي بِروحِكِ

إلى الآتي المجهول ولا يَصِلُ إليها

حينَ تكونُ على وشك الانغمار، حتى لا تنبَثِقَ مُجدَّداً.

يكشفُ الليلُ الأسودُ حُجُبَكِ. فِي أعماقكِ

صغيرة وتوجَدينَ لمَّا تقطرُ

صُوَرُكِ مُتَعَاقِبَةً.

في صُورٍ أخرى، قبلَ لحظةِ غروبِ أيِّ

فِكْرٍ، من قبل، لم يكُنْ قَطُّ قابلاً لِلتَّصْديقِ، في

حُلمٍ حادِّ الخُطى، مُقفِرٍ.

■■■

المرأةُ المُسَلسَلةُ

ليس ثمَّةَ سببٌ.

ثمَّةَ، على الأرجحِ، نجومٌ وحنينٌ.

تفتحينَ كتاباً. كم مِنَ الأبراجِ تَصُدُّكِ.

بشَعرِك الذهبي ترغبينَ أن يكونَ هذا

هو المَأوى الذي تسعيْن إليه،

الكلمة التي تُوجَدُ لكنّها تنزلقُ ما بين اليدين.

بالكاد لديكِ وميضٌ أعمى

لكي يأتيَ الآخرون وتحتفظي بأيِّ ذكرى تَمَّ تشكيلُهَا بالألوان،

رغم أنَّهُ مَيِّتٌ،

وتُتابعينَه بوهجِ المُستنقعاتِ في صوتكِ.

ولا حتّى النَّجمات الأشدّ سطوعاً، ولا الحنين

الأكثر افتراساً: كل شيء مفتَقَدٌ - الحب/ الزمن.

ويبقى شَعرُكِ منْ رمادٍ، بهِ تنْحَنينَ

على الحياةِ مُدَحرِجةً الوجهَ باتجاهِ السَّماءِ.

ترجمة: خالد الريسوني

بطاقة

Thiago Ponce de Moraes شاعر وناقد وأكاديمي برازيلي، من مواليد ريو دي جانيرو عام 1986. يعمل أستاذاً في "المعهد الفيدرالي بريو دي جانيرو". من مجموعاته الشعرية: "الشبح" (2006)، و"إيماءات كسولة أو لا شيء" (2010)، و"ينحني فوق الضوء" (2016/ الغلاف). نُشرت مختارات ثنائية اللغة من شعره بعنوان Glory Box في المملكة المتحدة عام 2016. له عدد من الكتب في النقد، منها "عقدة هواء: بول تسيلان؛ قراءات وجِهات" (2018).








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي