جميلة

2022-10-21

ذكرى لعيبي

كم كان وجهها شبيها بالوصف الذي تقدّمه عن مدورة الجنة؟

كنتُ أمازحها، حين نلعب.. فنتعب.. فنجوع.. فأطلب منها قطعة من وجهها، لأنه يشبه حينذاك قرص الخبز الأبيض الساخن، تضحك وتمسح العرق السارح على خدّيها، فيتوهّجان بالحمرة. كنت أحلّق بخيالي وأحاول أن أطبق دائرة وجهها على قرصٍ وهميّ أتخيله أرض الجنة؛ فتشرق روحي بشيء لم أدرك كنههُ.. حتى كبرت وعلمت أنه الإيمان.

كم آمنت بجنتها، وشمسها، ومدورة خيالها الرائعة، وقرص الخبز الشهيّ أيضاً. تلك هي جميلة، أم الصبر. كنت أذهب إلى السوق معها، وأستظلّ بسياج الطين الطويل الممتد، كي أتقـّي حرارة الشمس في ظلّ فيئه، كانت أمّي تقول: الله خلق الشمس، كي تنير لنا الدرب، وخلق الفيء كي يبـّرد عظامنا، حين نطيل اللعب حتى الظهيرة! كانت تقسّم الدقيق الذي تحصل عليه من قسيمة «الحصّة التموينية» إلى قسمين؛ الأول تسدّ به جوعنا، والقسم الآخر تخبزه وتبيعه بالسوق لشراء علبة دواء لأختي الصغرى.

(القصّاب ) يتابعها بنظراتهِ أينما حلّتْ:

ـ يا جميلة!

ـ «هلا خوية»

ـ لا.. أقول أنتِ فعلاً جميلة.

تخجل.. تلفلفُ نفسها بالعباءة؛ دمعة ساخنة، ربما حارقة وحزينة وعاتبة تتدحرج لتسقط فوق آخر رغيف خبز لم يُبع. تلفّ الرغيف بقصاصة من صحيفة متهالكة منذ خبر تفجير قريب.. تضعهُ تحت عباءتها وتنهض.

ـ جميلة..

تصمت؛ لم ترّد بأي كلمة

ـ أنتِ بحاجة إلى هذه الدنانير؛ وأنا أحتاج إليكِ لليلة!

تتعثّر بخطواتها.. تسقط؛ لكنها تسمو بشرفها.

جميلة نهضت من كبوة الزمن، ليجثو الفقر راكعا أمام عفّتها.

قاصة عراقية







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي