هذه طريقة عمل الحرب النووية.. هل يلجأ إليها بوتين؟

الأمة برس - متابعات
2022-09-27

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ ف ب)

حققت تهديدات الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" بالحرب النووية هدفها المطلوب؛ وهو خلق شعور بالكارثة إذا استمر الغرب - خاصة الولايات المتحدة - في دعم أوكرانيا. ومن الواضح أن موسكو تواجه صعوبة في شن حرب تقليدية؛ حيث كانت تعتمد على افتراض (تبين خطؤه) بأن الجيش الروسي سوف يتغلب بسرعة وسهولة على كييف.

وخلق ذلك مشاكل لروسيا في الداخل والخارج، وبالرغم أن سلطة "بوتين" لم تتعرض لشرخ حتى الآن، إلا أن الثقة انخفضت في حكمه وفي مستقبل بلاده، وهناك احتجاجات في شوارع موسكو وتقارير عن فرار الكثيرين من البلاد خشية التجنيد.

وأدى أداء روسيا في الحرب أيضًا إلى تقليل المخاوف الدولية من موسكو؛ مما شجع دولا أكثر على الصدام معها أو مساعدة أوكرانيا أو تحدي موسكو في أماكن أخرى دون خوف من خطر الانتقام.

على سبيل المثال، تراجع نفوذ روسيا بشكل كبير في آسيا الوسطى التي تعد الفناء الخلفي لموسكو، مما يجعلها مهمة للغاية.

وتحتاج روسيا إلى إثبات أنها لا تزال قوية للغاية، مما يتطلب التغلب على الجيش الأوكراني بشكل حاسم، لكن ذلك يبدو غير مرجح في الوقت الحالي، وكلما طال الأمر، كلما تعزز التصور بتراجع القوة الروسية.

التلويح بالنووي

من خلال التلويح بالسلاح النووي، يحاول "بوتين" إثارة تصور بأن هزيمة روسيا في أوكرانيا يمكن أن يكون لها عواقب وخيمة. ولجعل التهديد موثوقًا به، يجب أن يظهر أنه غير مبال بالهجمات المضادة المحتملة ضد بلاده.

ويستحيل معرفة ما يفكر فيه شخص آخر، ناهيك عن أوتوقراطي روسي، لذلك يجب علينا أن نأخذ التهديد على محمل الجد. ما كان لا يصدق خلال الحرب الباردة قد يصبح ممكنًا في حرب أوكرانيا، ويصبح التهديد موثوقًا به فقط إذا كان ينطوي على ضربة استراتيجية عابرة للقارات وليس مجرد ضربة تكتيكية محلية.

لقد تجنب "بوتين" شرح نوع الضربة النووية التي يتحدث عنها، وبالتالي فإن المخاوف من القوة الروسية تتزايد بالرغم من خسائرها في الحرب التقليدية.

وعندما كانت يجري محاكاة وقوع حرب نووية في الخمسينيات والستينيات، كان من الواضح أنه إذا شنت دولة ما هجومًا نوويًا، فيجب أن تكون ضربة أولى غير متوقعة تمامًا تهدف إلى القضاء على خطر الانتقام من خلال القضاء على صواريخ العدو قبل الإطلاق.

لكن لم نختبر أبدًا ما إذا كانت استراتيجية الضربة الأولى ناجحة؛ لأن هناك فرصا لفشلها، مما يعرض الدولة لهجوم مضاد مدمر. ولأن الضربة الأولى ضرورية واحتمال فشلها قائم، لم يحاول أحد.

وهكذا كانت القوى النووية، وخاصة الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، حذرة عند مواجهة بعضها البعض، وراعت عدم تنبيه الأخرى بخصوص تهديد الضربة الأولى؛ لأن إشعار الطرف الآخر بهذا الخطر، قد يدفعه هو لتنفيذ الضربة الأولى.

استراتيجية مخادعة

قد تتسبب ضربة أولى بسلاح نووي واحد، في إطلاق ترسانة الولايات المتحدة بأكملها على روسيا، لذلك فإن أفضل خيار لـ"بوتين" هو إجبار الولايات المتحدة على التراجع في أوكرانيا عبر توظيف ما كان يسمى ذات يوم "استراتيجية SOB".

وفق هذه الاستراتيجية، يفترض أن تخيف خصمك العاقل حتى يعتقد بأنك فقدت عقلك؛ مما يتسبب في محاولة تهدئة التهديد من خلال تقديم تنازلات، ولكن يجب أن يكون المدافع مقتنعًا بأن المهاجم لديه قدرة موثوقة وأنه مستعد لقبول محرقة نووية في بلده لكسب اليد العليا.

لكن من الضروري معايرة مخاوف المدافع لدفعه لتقديم تنازلات وليس الرد بزيادة التصعيد. ومن مخاطر هذه الاستراتيجية أن المدافع قد يعتقد أنه إذا كان المهاجم مجنونًا بما يكفي لإطلاق السلاح النووي أصلًا، فهو مجنون بما يكفي لإطلاقه بشكل استباقي.

الخيار النووي الحقيقي

وفقًا لما يراه الاستراتيجي العسكري "هيرمان كان"، فإن الخيار النووي الحقيقي الوحيد يتمثل في إطلاقه دون أي تحذير في جميع مرافق العدو، على أمل أن تكلف المفاجأة البلد المدافعة دقائق ثمينة قبل إطلاق ضربة انتقامية.

من الناحية النظرية، فإن جميع الأطراف مستعدة للرد فورًا، لكن الهدف من ذلك هو جعلهم يتساءلون لبضع دقائق إذا كانت الرادارات قد أخطأت، وهو ما قد يحدث، وتلك الدقائق من الارتباك هي ما تبحث عنه.

ومن المفترض ألا يقوم الطرف الذي لديه نية الهجوم بإعطاء أي تلميح عن هجوم وشيك؛ لأنه لا شيء يجب أن يقطع الاعتقاد الراسخ بأنه مجرد يوم ممل آخر.

وعلى الرئيس ألا يتمتم بوعود غامضة حول كارثة عالمية؛ لأن القيام بذلك من شأنه أن يجعل الأدرينالين يتدفق في مراكز قيادة العدو، وهذا ليس المطلوب، لأنه يمكن أن تتحول الضربة الأولى التي يعتزم القيام بها إلى ضربة ثانية كارثية (أي مجرد رد فعل).

الخلاصة هي أنه، إذا كنت تفكر في استخدام الأسلحة النووية، فلا تهدد باستخدامها. أما إذا كنت ستناقش استخدامها، فأنت ببساطة تحاول خداع الجانب الآخر.

"بوتين" ليس غبيًا، فقد كان طلاب الدراسات العليا الروس وعملاء المخابرات الروسية يمارسون نفس ألعاب النظرية النووية التي كنا نمارسها. ومع تصريحات "بوتين" الأخيرة، سيتعين على النظام النووي الأمريكي أن ينفض الغبار عن خيوط العنكبوت.

كان الفريق النووي دائمًا في حالة تأهب، ولكن ربما ليس دائمًا في حالة تأهب قصوى، والآن سيكون كذلك، لكن هذه ليست طريقة مثالية لبدء حرب نووية.

جورج فريدمان - جيوبوليتيكال فيوتشرز







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي