مراحل الفيلم المصري في معاركة مع الرقابة والسياسة والفن!

2022-09-01

تبرز مجموعة من الأفلام يتذكرها الجمهور باستمرار، ليس لأهميتها وإنما لاقترانها بالضجة التي أثيرت حولها (تواصل أجتماعي)كمال القاضي *

محاولة إثارة الرأي العام بضجة مُفتعلة حول فيلم جديد، بات من بديهيات الدعاية والإعلان، لترويج البضاعة السينمائية في المواسم الرئيسية، هذه الحيلة لم تتخل عنها شركات الإنتاج والتوزيع المصرية منذ سنوات، ففي كل المراحل تبرز مجموعة من الأفلام يتذكرها الجمهور باستمرار، ليس لأهميتها وإنما لاقترانها بالضجة التي أثيرت حولها إبان عرضها الأول، وهناك نماذج صارخة لهذا الاقتران المُرتبط عادة بخروج بعض الأفلام عن النسق المُعتاد في طرح الأفكار ومناقشة القضايا.
ولا تقتصر ردود الأفعال الغاضبة تجاه فيلم مُعين على الخلاف في وجهات النظر السياسية أو الجرأة الزائدة عن الحد، في عرض المشاهد الساخنة أو غيرها، فليس هناك معايير خاصة للضجيج أو الزوابع، فربما تحدث مشكلة حول فيلم رومانسي أو اجتماعي أو أكشن فكل الأنماط تحتمل الخلاف، طالما هناك زوايا معينة يتم التركيز عليها للاستخدام الدعائي، من قبل المُنتجين أنفسهم، وأحياناً من جانب الأبطال والبطلات، والأدلة على ذلك كثيرة ومتعددة.
ولو رجعنا بالزمن قليلاً سنجد أن مُعظم الأفلام أثير حولها الجدل لاهتمامها بالجانب التجاري وتحررها من بعض القيود الرقابية بالتحايل والمواربة، ولعل الأشهر منها ما قامت ببطولته نجمات الإغراء المعروفات كناهد شريف ونادية لطفي ونادية الجندي وشويكار وسهير رمزي ومديحه كامل وغيرهن، وهناك عناوين بعينها لأفلام يحفظها الجمهور عن ظهر قلب كثلاثية حسن الإمام و«المذنبون» و«درب الهوى» و«خمسة باب» و«أرجوك أعطني هذا الدواء» و«قصاقيص العشاق» و«بمبه كشر» و«وكالة البلح» و«شهد الملكة» وغيرها.
هذه الأفلام هاجمها بعض النقاد والصحافيين وأقبل عليها الجمهور انسياقاً وراء الحملات الدعائية المصنوعة بهدف الترويج ورفع نسب الإيراد، وبالقطع استفادت شركات الإنتاج واستفاد الأبطال من سجال الأخذ والرد حول الأفلام وطبيعتها والأدوار والشخصيات. ولأن موجات الإغراء في السينما المصرية انحسرت منذ ظهور «يوتيوب» فقد صار التركيز في العمليات الدعائية على غرابة الأفكار وجرأة الطرح، فالمُشكلات أصبحت تُثار حول الأفلام التي يتجه كُتابها إلى تبني بعض الرؤى التجريبية الغامضة بغرض الإثارة الذهنية وخلق نمط جديد للتفكير المُتصل بالثقافات والرؤى الحداثية، أو الحديثة للأشياء، كما في أفلام «هبته» و»الفيل الأزرق» و»الكنز» ومؤخراً فيلم «كيره والجن» تأليف أحمد مراد وبطولة كريم عبد العزيز وهند صبري وأحمد عز وإخراج مروان حامد، وهو المعروض حالياً في دور السينما ضمن ماراثون أفلام الصيف، وتعتمد فكرته على قراءة جديدة لأحداث ثورة 19، وما اعترى هذه الحقبة من مُتغيرات اجتماعية وسياسية أدت إلى اندلاع الثورة الأم في مصر، فهذه النوعيات باتت هي المُفضلة لدى شرائح معينة من الجمهور الذي انفتح على ثقافات سينمائية مُختلفة من كل دول العالم، فتضاءلت في نظرة القيمة الفنية والإبداعية للسينما الكلاسيكية.
وسواء كان النوع الكلاسيكي كوميدي أو اجتماعي أو رومانسي، أو أكشن فلم يعد مُرضياً للذوق العام بالشكل الذي كان عليه قبل ذلك، وهذا يُمكن ملاحظته في تراجع إسهامات محمد سعد ومحمد هنيدي وسامح حسين ومحمد رمضان وأحمد عيد، ولولا عناية أحمد حلمي بتطوير نفسه وأفكاره ما توافرت لديه الفرصة للاستمرار في المنافسة إلى الآن، حيث لم تعد حيل الخداع والخفة والاستظراف تنطلي على الشرائح الشبابية من جمهور دور العرض والمنصات الإلكترونية. لقد داعبت السينما الجديدة خيال جمهورها المُختلف بالموضوعات النفسية والإنسانية، والقضايا المُتعلقة بالحريات الشخصية ومقاصد التحولات المُجتمعية، كما حدث في أفلام الإنتاج المُشترك، التي احتلت الصدارة في النقاش والتداول ما بين القبول والرفض، التي ظهرت عينات منها على استحياء مُتمثلة في فيلمي «ريش» و«أصحاب ولا أعز» فرغم الهوجة العنيفة التي قوبل بها الفيلمان إلا أنهما أحدثا تأثيرات خطيرة في المُتلقي على مستوى الذائقة والإدراك الثقافي لحالات التسلل الذهني التي تمارسها السينما الوافدة لصالح فكرة عالمية معينة، يُراد لها الترويج في مصر والعالم العربي لأغراض لا تخفى على الكثيرين. ولعل ما يُثبت صحة القول بالتحول الجماهيري عن الأفلام التقليدية صعود مؤشر الإيرادات الخاصة بفيلم «كيره والجن» إلى مُعدلات متقدمة للغاية خلال شهر واحد من وجوده داخل السباق الموسمي مع الأفلام المنافسة، «عمهم» و«بحبك» «المُلحد» و«العنكبوت» و«تسليم أهالي» و«واحد تاني» والأخير يعد من الأفلام المهمة لأحمد حلمي، الذي يعود به للشاشة الكبيرة بعد غياب دام ثلاث سنوات مع اثنين من البطلات روبي ونسرين أمين ويجسد فيه بشكل كوميدي شخصية أخصائي اجتماعي. وبدوره يواجه حلمي منافسة قوية من أحمد السقا، الذي لا يزال رغم تقدمه النسبي في السن يرتبط وجودة السينمائي كبطل مُطلق بأدوار الأكشن والحركة، بوصفها الأدوار المُميزة له، التي بفضلها استمرت نجوميته لأكثر من ربع قرن ولا تزال مستمرة، فالسقا يراهن للمرة الثانية بفيلمه «العنكبوت» بعد جولته الأولى في السباق كنوع من التحدي وتأكيد النجاح ومُضاعفة الإيرادات.

*كاتب مصري







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي