تحليل: "دبلوماسية الكتل" يمكن أن تبشر بنظام عالمي أكثر استقرارا

د ب أ- الأمة برس
2022-09-01

تحدد الأنظمة سلوك الحكومات تجاه بعضها البعض وتجاه شعوبها. فالأنظمة تفضل التعاون على المنافسة (أ ف ب)

واشنطن: في ظل ما يشهده العالم من أحداث متسارعة تفرض فيها قوى كبرى مطالبها ربما من خلال اللجوء إلى القوة أحيانا، تلجأ دول أخرى أقل قوة وحجما إلى التكتل مع غيرها لتستطيع الصمود أمام بأس هذه القوة الكبرى.

ويقول الخبيران جيمس إي جودبي، سفير الولايات المتحدة السابق لدى فنلندا والرئيس السابق للوفد الأمريكي إلى مؤتمر ستوكهولم المعني بتدابير بناء الثقة والأمن ونزع السلاح في أوروبا، وكين فايسبرود، وهو كاتب ومؤرخ، في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست، إن كثيرا ما يشار اليوم إلى أن الدول تنقسم إلى كتل جيوسياسية تنافسية. ومع ذلك، تتطلب هذه الملاحظة بعض التوضيح. فلا يكفي القول إن هذا يحدث أو حتى أن الكتل، التي يمكن تحديدها من خلال الجغرافيا أو الوظيفة أو مزيج من الاثنين معا، تتقاطع بدلا من أن تعارض الكتل الأخرى تماما. يجب أن نفهم كيف وبالتالي لماذا تحدث هذه الأمور.

هناك مفهوم آخر قد يساعد على تعزيز هذا الفهم، ألا وهو النظام. ولا يشير هذا المصطلح الفرنسي فقط إلى هيكل السلطة وممارستها، كما هو الحال في النظام القديم، ولكن أيضا ، كما هو مفهوم بصورة أكثر شيوعا اليوم ، إلى نظام من المعايير والتأثيرات والالتزامات والتوقعات.

وكانت أنظمة منع الانتشار النووي والتجارة والاستثمار والهجرة والشؤون البحرية عنصرا مهما في النظام الدولي خلال القرن الماضي عندما أفسحت الإمبراطوريات المجال أمام الدول، وبحلول النصف الثاني من القرن العشرين، أصبحت أهم عنصر في العلاقات السلمية.

وتحدد الأنظمة سلوك الحكومات تجاه بعضها البعض وتجاه شعوبها. فالأنظمة تفضل التعاون على المنافسة، وفي نهاية المطاف، تحول الأنظمة الحدود الجيوسياسية إلى مناطق حدودية اقتصادية وسياسية سلمية مصممة لتعزيز الرخاء المتبادل. ويحدث هذا لأن المشاورات بين الحكومات تخلق معايير وتوقعات تعمل كمجموعة من القواعد حول كيفية توقع تصرف الدول داخل النظام. ويمكن للحد الأدنى من بناء المؤسسات أن يحقق ذلك إذا حققت حكومات القوى الكبرى الاتساق، وفقط إذا تم توسيع نطاق المصالح المتبادلة بما يتجاوز معارضة عدو مشترك.

ويقول الخبيران إنه من السهل أن نخلص إلى أن هذا لا يحدث اليوم في معظم الأحيان. فالحدود، بما في ذلك الجدران المادية، آخذة في الظهور على طول العديد من الحدود. وبعض المعايير الإيجابية الأساسية للكياسة الدولية، مثل التبادلية المصرفية التي كانت منتشرة على نطاق واسع حتى قبل القرن العشرين، تنهار أو يتم استبدالها بأخرى سلبية. وتؤكد الكتل الخارجة من هذه الحالة من الفوضى نفسها على أنها حصرية ومغلقة وربما مستقلة. إنها على نقيض النظام.

وكانت هناك تذبذبات مماثلة في الماضي، في اليونان في القرن الخامس قبل الميلاد ، وفي أوروبا في الثلاثينيات ومرة أخرى في الخمسينيات من القرن الماضي، وفي العالم الثالث من الستينيات إلى الثمانينيات. ولكن بصرف النظر عن الحرب، سواء كانت ساخنة أو باردة، ما هي الخيارات المتاحة للدول أو الكتل التي أصبح فيها العداء المتبادل العميق هو القاعدة؟ من الغريب، أن الخيارات قليلة ، على ما يبدو، وفقا لما يقوله الخبيران.

وفي حقبة تمتلك فيها دول متعددة أسلحة نووية، بما في ذلك أربع دول تشارك الآن في الحرب في أوكرانيا، سيكون من الحكمة التفكير بجدية في أهداف الحرب وكيف تسير الكتل الديمقراطية نحو إنهاء الحروب. ولم تقم حكومة الولايات المتحدة بإجراء دراسة حول كيفية الحد من الحروب وإنهائها في العصر النووي حتى عام 1963 ، بعد ثمانية عشر عاما من استخدام الأسلحة النووية لأول مرة من قبل الولايات المتحدة. ومع امتلاك تسع دول الآن مخزونات من الأسلحة النووية، ربما حان الوقت لإجراء مراجعة آخرى.

ومن المفيد بالتأكيد أن ندرس بعناية القنوات المفتوحة أمام كتل مثل حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي والظروف التي ينبغي أن تمارس فيها تلك القنوات. وتشمل القنوات التي استخدمت حتى الآن في أوكرانيا الأمين العام للأمم المتحدة وقادة العديد من الدول الأوروبية. ويشارك قادة الأمانة الدولية للاتحاد الأوروبي من وقت لآخر.

وعرضت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا المساعدة الدبلوماسية على أوكرانيا، وهي دولة عضو، وأنشأت بعثة طويلة الأجل في أوكرانيا قبل الحرب. وأجريت مفاوضات مباشرة بين روسيا وأوكرانيا في وقت مبكر من الحرب لكنها توقفت. وتوسطت المفاوضات للسماح باستئناف شحنات الحبوب عبر البحر الأسود مع روسيا وأوكرانيا من قبل الأمين العام للأمم المتحدة والرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وحتى الآن، كانت هذه المحادثات هي الأكثر إنتاجية.

ويتساءل الخبيران: هل يشكل فشل الأطراف هذا في التواصل الفعال مشكلة متأصلة في المنظمات متعددة الأطراف وجهودها الرامية إلى تجاوز الكتل؟ ربما لا، على الرغم من أنه من الواضح أنه خلال الحروب التي كانت فيها الولايات المتحدة الفاعل الرئيسي (كوريا وفيتنام وحرب الخليج والعراق وأفغانستان) لم تكن إدارة المحادثات بين الجانبين المتعارضين صعبة كما تبدو في الحرب الروسية الأوكرانية. ومن المحتمل جدا أن توجد مجالس حرب على مستوى عال في حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي يتم الاحتفاظ بها سرا عن الشعوب. وإذا لم يكن الأمر كذلك، ينبغي أن يكون ذلك لأن الحاجة إلى نهج أكثر تماسكا لإدارة الحرب وإنهائها واضحة في هذه المرحلة من الصراع. والكتلة الغربية ليست مفيدة إذا لم تهتم بمصالح جميع أعضائها.

ومع ذلك، فإن الدبلوماسية داخل الكتل وفيما بينها، إلى الحد الذي توجد فيه الآن على الإطلاق، يبدو أنها لا تقدم سوى القليل من الأمل. ولكن من المفيد أن نتذكر أن الكتل هي هيئات عضوية ديناميكية تستمر في التطور وقد تأخذ سمات النظام.

إن عملية الانتقال من كتلة إلى نظام هي عملية واعية ذاتيا للغاية بحيث لا يمكن وصفها بأنها طبيعية ولكنها تحدث مع ذلك. فعلى سبيل المثال، دخلت منظمة شنغهاي للتعاون، التي أنشئت لدول آسيا الوسطى جزئيا للتمييز مع القوى غير الأوروبية الآسيوية، بالفعل في مناقشات بشأن أن تصبح وحدة اقتصادية أكثر عمومية ذات معايير وسياسات مشتركة للتجارة والاستثمار. وعلى غرار مجموعة بريكس، وسعت منظمة شنغهاي أيضا حوارها المؤسسي مع مجموعات أخرى مثل رابطة أمم جنوب شرق آسيا (آسيان)، ومجلس التعاون الخليجي، ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي.

ويختم الخبيران تقريرهما بالقول إن هذه هي الطريقة التي تتضاعف بها المعايير ويعاد بها إنشاء النظم. لذلك لا تخشوا انتشار الكتل اليوم. ويجب على العالم أن يتعلم كيف يتعايش معها وأن يشجع نمو النظم الإيجابية التي قد تنجم عنها .










شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي