في محاولتها للعودة للحياة الطبيعية.. كييف تجمع بين المتناقضات في ظل الحرب

د ب أ- الأمة برس
2022-08-23

يبدو الأمر بعض الشيء كما لو أن أكثر ما يفضله كثيرون من سكان كييف البالغ عددهم 5ر2 مليون شخص (ا ف ب)

كييف: يعيش نحو 5ر2 مليون شخص في العاصمة الأوكرانية كييف التي تتأرجح مثلها مثل أوكرانيا برمتها بين متناقضات وذلك في أول صيف يمر على المدينة منذ بدء الحرب في أواخر شباط/فبراير الماضي.

من يتجول في كييف في هذه الأيام قد ينسى سريعا أن هناك حربا قائمة، فبمجرد تجاوز نقاط التفتيش التي يقف عندها الجنود والحواجز المضادة للمدرعات وحواجز الأكياس الرملية عند حدود المدينة، تظهر العاصمة الأوكرانية بشكل يقارب شكلها قبل اندلاع الحرب الروسية تقريبا. فترى أناسا يتجولون في الشوارع يأكلون الآيس كريم، وترى شبابا وكبارا في السن يتلاقون في المقاهي وترى أطفالا يلعبون في الحدائق وإلى جانبهم آباؤهم يتنزهون.

ويبدو الأمر بعض الشيء كما لو أن أكثر ما يفضله كثيرون من سكان كييف البالغ عددهم 5ر2 مليون شخص، هو أن يتجاهلوا في حياتهم الحضرية اليومية الغزو المستمر منذ 24 شباط/فبراير الماضي حتى لو كانت صفارات الإنذار تدوي بشكل متكرر على مدار ساعات تحذيرا من وقوع غارات جوية. ودعونا نتحرى هذا الأمر في المدينة التي تجمع بين متناقضات.

وردا على سؤال بدا مفاجئا لها بشكل واضح عن المخاوف التي تواجهها في حياتها اليومية، قالت شابة أوكرانية:" ماذا ينبغي أن نفعل، هل نتحصن باكين في الأقبية بسبب (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين؟، هل لم يعد مسموحا لنا بأن نضحك؟". كانت الشابة التي قالت إنها تدرس في كييف، تنتظر أصدقاءها في شارع تجاري على مسافة غير بعيدة عن الاستاد الأولمبي وكانت تبدو هادئة بشكل كبير.ورأت المرأة أن الروس سيكونون قد انتصروا في حال أحجم الأوكرانيون عن الخروج من الباب بسبب الخوف "إنهم يهاجمون حريتنا ومن ثم لنظهر لهم أنهم ربما كان بمقدروهم أن يهاجموا البلد لكنهم لن يقدروا أبدا على مهاجمة رغبتنا في الحرية".

وفي ضوء هذه الكلمات ، ليس من المستغرب ألا تتوقف الحياة اليومية في كييف إلا في الأماكن التي تدوي فيها صافرات الإنذار تحذيرا من وقوع صواريخ، وعدا ذلك فحديقة الحيوان والمتاحف والمسارح ودور السينما مفتوحة ومن يرغب في الترفيه والتسلية لن يحتاج إلى البحث طويلا.

وثمة سؤال يطرح نفسه في ضوء النقاش حول الزيارة الأخيرة التي قام بها ساسة ألمان لكييف، ويتعلق الأمر بصورة تم التقاطها أواخر تموز/يوليو الماضي وتجمع بين وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر وزميلها وزير العمل هوبرتوس هايل (كلاهما من حزب المستشار أولاف شولتس الاشتراكي الديمقراطي) وعمدة كييف فيتالي كليتشكو والسفيرة الألمانية في كييف انكا فلدهوزن. وظهر الأربعة في الصورة التي تم التقاطها في شرفة مقر السفيرة الألمانية وهم يحملون كؤوس النبيذ ويضحكون للكاميرا.

وعلى الفور ثارت موجة غضب في ألمانيا بسبب الصورة التي قيل إنها أثارت "الغرابة"، وتبارى المنتقدون في تحليلاتهم على تويتر. ورأت وجهة النظر المحلية أن الصورة بدت بلا شك أنها في غير موضعها، فالتناقض جزء من كييف ومحيطها- وهذا هو الواقع- كما صار التناقض بالضبط أيضا جزءا من الحياة اليومية كما هو الحال في زيارات الساسة الغربيين.

ويظهر التناقض على نحو أكثر وضوحا على سبيل المثال في ساحة ميخائيل الواقعة على مسافة كيلومترات قليلة، وذلك في شكل دبابات صدئة ومعدات حربية أخرى؛ إذ تعرض الحكومة الأوكرانية في هذه الساحة أسلحة روسية مدمرة ،وفي الخلفية تلمع القبة الذهبية لدير القديس ميخائيل وبين هذين المشهدين تتجول عائلات مع أطفال صغار بقمصان وصنادل ملونة. ولا يعد هذا المشهد الخيالي مجرد دافع محبب لالتقاط الصور وحسب بل إنه ربما كان الهدف من عرض الغنائم هو نقل التفاؤل والقدرة على الصمود إلى الشعب الذي أنهكته الحرب على نحو متزايد.

وربما كان لهذا أسباب وجيهة: فمنذ فترة طويلة لا يتردد خلال التجول في المدينة العبارات الحربية فقط بل هناك أصوات أخرى مشككة تكشف عن الرغبة في السلام وخلق أفق مستقبلي، وها هو رجل في منتصف العمر يتساءل: " كم المدة التي ستستغرقها الحرب إذن؟ ما الفرصة التي لدينا في مواجهة الروس؟"، معربا عن أسفه لأنه من غير المنظور أن يتدخل الغرب مستقبلا بشكل يمكن معه طرد الروس من شرق وجنوب البلاد.

وهكذا صار رد فعل سكان المدينة متبلدا تجاه صفارات الإنذار من الغارات الجوية منذ فترة طويلة، فعندما تدوي الصافرات ترتفع الأصوات بشدة في بعض الأماكن وتغلق مصارف وبعض المحلات، لكن الحياة الطبيعية تستمر مرة أخرى. ولا يتم قطع عروض الأفلام إلا إذا استمر دوي صافرات الإنذار لأكثر من 30 دقيقة، ولا تفتح محطة مترو الأنفاق التي تعد الملجأ الرئيسي للحماية من القنابل أبوابها بشكل مستمر، ومن أراد أن يلتمس الحماية في إحدى المحطات في الليل فعليه أن يتصل بالضابط المناوب.

وللأسف صار يتضح مرارا أن هذا التبلد يمثل خطرا أيضا، وقد وقعت صواريخ على الجزء الشمالي من المدينة في السابع والعشرين من الشهر الماضي ما أسفر عن وقوع ضحايا. كما كانت عناوين أخبار ظهرت في نهاية حزيران/يونيو الماضي وتحدثت عن قصف صواريخ لمبنى سكني يتكون من تسعة طوابق ومبنى روضة أطفال.

وعلى أية حال يختلف الموقف تماما في ضواحي المدينة، وهذا ما يتضح خلال التجول بالسيارة في المدينة، وهكذا فإن آثار الدمار شائعة في كل مكان في ضواحي مثل اربين وهوستوميل وبوتشا في شمال غرب كييف، فتلاحظ ذلك في تكدس حطام سيارات في مواقف الطرق السريعة الرئيسية وغالبها محترق وبها ثقوب رصاص، كما تلاحظه في منازل بلا نوافذ زجاجية وقد تلطخت جدرانها باللون الأسود بسبب السخام فضلا عن أن رائحة المطاط المحترق تزكم الأنوف.

ولا يزال جزء كبير من الأشخاص الذين نجحوا في الفرار، غير قادرين على العودة حتى بعد مضي شهور على انسحاب الروس وذلك لأن غالبية المنازل لم تعد تصلح للسكن.

ومع ذلك تحاول الحياة الطبيعية أن تجد طريقها هناك فترى أطفالا يلعبون على بقايا الملاعب فيما تدفع نساء عربات أطفال متجاوزات أكياس الرمل وحواجز الطرق. وتختلف الحالة المزاجية في الضواحي بشكل كامل عنها في كييف نفسها بسبب الدمار ولذا يبدو الناس متخوفين ويرفضون الحديث مع الصحفيين.










شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي