صراع الأباء والأبناء في المسلسل المصري «مين قال»

متابعات الأمة برس
2022-07-30

بوستر مسلسل «مين قال» (تواصل اجتماعي)ضحى عبدالرؤوف المل*

تنمو المجتمعات تباعا عبر الأفكار التي يتم تحديثها زمنيا من خلال التعاقب بين الأجيال، وقدرة كل جيل على صنع التغيير بعيداً عن الأعراف والتقاليد، وكل ما هو اجتماعي أو سلوكي، أو مفاهيم راسخة منذ القدم كالتعليم الجامعي وأهميته قبل البدء في سوق العمل. لنشهد في زمن ما بعد الحداثة على ثورات فكرية وتقنية، وفي مقدمتها قدرة الشباب على خلق إنتاجيات تطيح بما هو مقولب دراسيا، أو حتى عبر التطورات للصفات الفكرية للعقل الشبابي، من خلال الدراسة الجماعية والتمارين التطبيقية، التي تؤكد النظريات أو تدحضها، وبالتالي تتقوقع العقول الشبابية بين ما هو نظري او تطبيقي، الذي بدوره يؤكد النجاح أو الفشل.
وهذا نوع من التأكيد على دور الجيل الماضي في تغذية جيل الحاضر، ليكون جيل المستقبل قادرا على الإبتكار والتجديد، بل الإطاحة بالقديم إن لم تتم الاستفادة منه كما يجب، كما فعل ابن صاحب المصنع الذي يعمل فيه الأب، الذي قام بدوره الفنان جمال سليمان، فكل تغيير مجتمعي يرتبط بما قبله وبدرجات متفاوتة، لكنه يحتاج للصقل من عقل واع ومتدبر، كما فعلت لجنة التحكيم في المسابقة النهائية في المسلسل، بل بنجاح يحقق قوة في الاندماج بين الأجيال كافة، وهذا ما حاول تصويره، أو ابتكاره كاتب مسلسل «مين قال» مجدي أمين، الذي استطاع وضع أصبعه على جرح اجتماعي هو في الحقيقة صراع الآباء مع الأبناء، الذين يريدون اختصار الزمن، وتخطي القواعد القديمة في التربية والتعليم، أو بالأحرى دخول مضمار الإنتاج من خلال الأفكار والقدرة على الانطلاق بها، كما فعل أحمد داش، الذي قام بدور «شريف» الناجح في الثانوية العامة والرافض لفكرة خسارة سنين من عمره في التعليم الجامعي، الذي بات مفتوحا على مصراعيه بالتعليم عن بعد أو الأونلاين. إذ فرض عليه والده الالتحاق بكلية الهندسة، بينما هو يريد البدء بمشروع يراه ناجحاً اقتصاديا وفكريا، لأنه يقوم على إعادة التدوير الورقي، لأن الفكرة قائمة على إنتاج مقاعد أو كراسي بموديلات عصرية، ومن مكونات ورقية وفي الوقت نفسه تمنح الكثير من اللاجئين عملا يدويا يساعد في منحهم فرصا جديدة للعمل. فهل فكرة المسلسل قائمة على فكرة كتاب «واحد وعشرون درساً للقرن الحادي والعشرين» للمؤلف يوفال نوا هاري، وموضوعه المهم إدارة التغيير؟ أم أننا فعلا أمام تغيرات شبابية ناتجة عن التقنيات الجديدة وعصر المعلوماتية، الذي يمنح الشباب المعلومة بسهولة كبيرة؟ وهل تذليل الصعوبات الشبابية في مشاريعهم تحتاج لرعاية من الدولة والجمعيات والبنوك؟ أم علينا أن نمسك الأجيال عن التقدم والثبات الزمني القائم على قواعد محددة، لا تستجيب للتقدم التكنولوجي؟

تنطلق صرخة مسلسل «مين قال» من أغنية التتر، أو البداية بحداثتها وخروجها عن المألوف، التي تختصر مسيرة شريف بطل مسلسل «مين قال» وانتفاضته على كل ما هو قديم فكريا، عبر حلقات انتهى عرضها قبل انتهاء الشهر الرمضاني، بايجاز وبسلاسة تجعل المُشاهد يتابع بليونة شبابية اللهجة التي اعتاد عليها الشباب في ما بينهم، دون أن ينسى الكاتب الدخول إلى مجتمع الطبقات غير المتعلمة، كدخول شريف إلى المنطقة الشعبية لتأمين الورق، أو المادة الخام لمشروعه، حيث اصطدم ببيئة مختلفة خرج منها باليد العاملة التي ساعدته في مشروعه، وبظهور جديد للممثلين الذين أبدعوا في أدوارهم التي تحاكي العصر بخفة، ومنطق كما هي الحال بين الشباب الجامعي اليوم، وإن بدت الحوارات مخملية أحيانا بين الأصدقاء الذين ارتبطوا ببعضهم بعضا، وبثقة الأهل المفرطة والمعتدلة أو حتى التي تثير الكثير من الشكوك حول الأصحاب، لكنها تعالج الكثير من مشاكل الشباب اليوم، وأكثر ما فشل فيه الأهل. هذا التنوع بين الأصدقاء كشريف وأكرم كانت قادرة على خلق التفاوت بصقل عقلاني، من خلال الأصحاب والاختلافات بينهم، كالرياضي الذي يفرض عليه والده تناول المنشطات ليفوز في المباريات، والآخر الهارب من مواجهة والده المتعلق به كثيرا، حيث انتهى به الحال إلى الافراط في الاستهتار وموت كلبه وأزمة التعلق البديل، والكثير من مشاكل الشباب التي عرضها مسلسل «مين قال» بأسلوب ممتع وخفيف رمضانيا. بل يعالج الكثير من قضايا الشباب اليوم. فهل نجح مسلسل «مين قال» من خلال الوجوه الشبابية والانطباعات الحديثة في جيل ما بعد الحداثة؟ أم أن الكاتب يطرح فكرة تقدم الأجيال بعيداً عن القوالب القديمة؟ وهل الإخراج كان لطيفا بما يكفي لينسجم مع فكرة الحداثة والانتفاضة على القديم؟ وهل براعة الممثل أحمد داش تواءمت مع قدرات الفنان جمال سليمان؟ وهل يبرهن «مين قال» على جوهرية التقدم الحديث من خلال الشباب وأفكارهم المتحررة؟

*كاتبة لبنانية







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي