صوفيا جاما في البندقيّة: الموسيقى قادتني إلى السّينما

2022-07-30

حوار: سعيد خطيبي

ستشارك المخرجة الجزائريّة صوفيا جاما، الشّهر القادم، في مهرجان البندقية كعضو لجنة تحكيم (فرع أوريزونتي) وفي أثناء تقوم بالتّحضير لفيلمها الطّويل الثّاني (بعنوان: الخميس إلاّ ربع في الجزائر العاصمة). سبق لها أن أخرجت فيلمين عرفا اهتماماً واسعاً من الجمهور، شاركا في عدد كبير من المهرجانات، ونالا جوائز، في ستّ دول. أوّلهما فيلم قصير، بعنوان (حابسين، 2012) الذي يروي قصّة فتاة تتعرّض لمحاولة اغتصاب، ثم باكورتها في الأفلام الطّويلة، بعنوان (السّعداء) الذي يروي العشرية السّوداء من منظور جيلين مختلفين، وهو فيلم عرض في مهرجان البندقية عام 2017 وحاز ثلاثة جوائز، منها جائزة أفضل ممثّلة. في هذا الحوار، تتحدّث صوفيا جاما عن مشاغلها السّينمائية وعن مشروع فيلمها القادم.

كيف وصلت إلى السّينما؟

محض صدفة. كنت أحب الاستماع إلى فرقة (بينك فلويد). كنت أستمع إليها دون توقّف. تلك الفرقة أحالتني إلى فضاء الصّوت والصّورة. ثم شرعت في كتابة قصص قصيرة. في سنّ الخامسة عشرة شاهدت فيلم «بينك فلويد – الجدار» لآلان باركر. قلت في نفسي أنا أيضاً بوسعي أن أفعل مثله. أن أصير مخرجة. ثم شاهدت فيلم «من يخاف من فريجينا وولف؟» لمايك نيكولز، وهو فيلم مقتبس من مسرحيّة بالعنوان نفسه. بطولة إليزابيت تايلور. هذا الفيلم كرّس رغبتي في التّوجه إلى السّينما. وهناك أفلام أخرى غيرهما آثّرت فيّ. على غرار أيضاً أعمال كاسفيتز، وفيلمه «ظلال» إضافة إلى أعمال مخرجين آخرين، مثل برتراند بلييه. لا يوجد فيلم واحد مرجعي في مخيّلتي، بل الكثير من الأفلام. بالتّالي فالموسيقى قادتني إلى السينما. أعجبت أيضاً بأعمال الأخوين كوّين. أو أفلام سكورسيزي. كنت أسافر بفضل الأفلام. أمّا في الجزائر، فلا يمكن القفز على فيلم ألهمني، وهو فيلم «نهلة» وبعض أفلام مرزاق علواش أو طارق تيقيا. مخرجون جدد أحبّ أعمالهم، مثل أمير فخر الدّين أو عمر الزهيري.

في فيلم «حابسين» تتعرّض البطلة إلى اغتصاب، دون أن توثّق الشّرطة شكواها. هذا الفيلم جاء بسيناريو يُحاكي واقع الجزائر مطلع سنوات الألفين.

هذا الموضوع لا تختصّ به الجزائر وحدها، بل نجد مثيلاً له في بلدان أخرى ايضاً. مسألة الاغتصاب في السّينما سبق التّعامل معها في أعمال أخرى كثيرة. لكن في مجتمع مثل مجتمعنا تصير القضية أكثر تعقّيداً، نظراً إلى تداخل معتقدات ومسلّمات في الحدّ من حرية المرأة، مما يُضاعف من شقائها.

في «السّعداء» يسير السّيناريو وفق خلفية سياسية. ما هي علاقة الفنّ بالسّياسة برأيك؟

فعلاً، هو فيلم يُعالج انعكاس السّياسة وتداعيات الوضع العامّ على الحياة الحميمة للنّاس وخصوصيّاتهم. السّياسة تتدخل في تغيير مسارات حيوات الناس. لا سيما في بلد مثل الجزائر. لكنه فيلم يبتعد عن الأيديولوجية والأدلجة. الفنّ والسياسة يتداخلان. في الإمكان أن نتحرّر بفضل الثّقافة، لكن أيضاً أن ننغلق بسبب الثّقافة.

الفيلمان صوّرا في الجزائر العاصمة. لماذا اختيار هذه المدينة؟

لأن الجزائر العاصمة مدينة سينمائية بامتياز. رغم أنني أقيم في الجزائر العاصمة فأنا أحنّ إليها في كلّ مرة. كما لو أنني أعيد اكتشافها. كلّ ركن أو زاوية أو تفصيل في هذه المدينة يصلح للتصوير السينمائي. ضوء المدينة يلهم المخرجين، كما إنّها مختبر معماري مفتوح على الهواء الطّلق. أحاول أن أجعل من المدينة شخصية سينمائية. مثلما فعل سكورسيزي الذي حوّل نيويورك إلى شخصية في أفلامه. التصوير في الجزائر العاصمة عمل متعب لكنه ممتع.

مع ذلك فإن الخلفية الموسيقية في الفيلمين تستلهم أغانٍ غير عاصميّة!

لأنني لم أرد فيلما فلكلوريا. هناك تعدد لساني في العاصمة مثلما هناك تعدّد في الموسيقى التي يستمع إليها النّاس. حاولت الجمع بين أنماط موسيقية مختلفة، بين موسيقى تمثّل أجيال الآباء وأخرى يصغي إليها جيل الأبناء.

تصرين على شخصيات شبابية في أعمالك. لماذا؟

فعلاً، أهتم بصورة الشّباب في السّينما. ربما السّبب يعود إلى أنني كتبت سيناريوهات أفلامي في فترة سابقة من حياتي، في سن العشرينات ومطلع الثلاثينات، ولم يتح لي تصويرها سوى لاحقاً. بعد منتصف الثّلاثينيات من عمري. كتبت السّيناريوهات في سنّ مماثل لسنّ الشّخصيات التي تظهر في أعمالي. ربما لو أتيح لي تصوير أفلامي في سنّ كتابة السيناريو لكان اشتغالي على العمل مختلفا.

عشر سنوات انقضت عن صدور فيلمك الأوّل. ماذا تغيّر في السّينما الجزائرية في غضون هذه السّنوات العشر؟

في غضون عشر سنوات تكرّس جيل جديد متعطّش للسّينما ولإنتاج أعمال سينمائية. جيل جديد صوّر فيله الأول في السنوات العشر الماضية، أذكر من بينهم: حسان فرحاني، كريم موساوي، يانيس كوسيم، لياس سالم، أمين سيدي بومدين، كمير عينوز، جمال كركار، عديلة بن ديمراد بصحبة داميان أونوري، ياسمين شويخ، وآخرون كثر غيرهم قدّموا أعمالاً مهمّة، ربما لا تتسع المساحة لذكرهم كلّهم. تحضر في بالي هذه الأسماء الآن، لكن هناك مخرجون جيّدون آخرون لا نعرفهم، لم تتسنّ لهم فرصة عرض أفلامهم في مهرجانات أو مناسبات كبرى. لم تتوفر لهم بيئة حسنة من أجل التّرويج لأعمالهم.

ماذا تغيّر في نظرتك الشّخصية إلى السّينما في العشر سنوات الفائتة؟

اعتقد أننا من بلد يفتقد إلى تصوّر سينمائي. لا يراهن على نظرة أو خطّة واضحة لهذا الفنّ. فنحن نضطر على الدّوام للبحث عن الدّعم من الخارج، بحكم ضعف الدّعم المادي في الدّاخل. في فرنسا – مثلاً – فقد نتحصل على دعم من مؤسسات عمومية، ومن المنطقي أن تفرض علينا شروطاً، من أجل استخدام اللغة الفرنسية في الفيلم مثلاً. أو من أجل إشراك فريق تقني فرنسي في العمل. هكذا نصير مقيّدين بالشّروط. من منظوري أظن أنّه يجب أن نهتم بنقل الواقع الجزائري في السّينما. نرجو الدّعم أيضاً. من أجل أن نحصل على دعم من بلد أوربي فعلينا أن نتقدّم بالطّلب مع منتج من ذلك البلد. هكذا تضيع في الطريق هوية الفيلم، وإلى أي جهة ترجع جنسيته. في حين أن الأجانب يحصلون على دعم من دول عربية دون الحاجة على المرور بمنتج عربي.

ما هي العقبات الأخرى التي تواجه إنتاج السّينما في الجزائر؟

غيّاب الدّعم المادي المحلي للسّينما، بالتّالي فإن الجزائر تضيّع تراثاً مصوّراً، فيصير ملكا لجهات أجنبيّة تدعم أفلام المخرجين الجزائريين. حاولنا إقناع السّلطات بأن نظرتها في مسألة الدعم، لكن لا شيء تغيّر. الأسوأ من ذلك فهناك من يقلّل من أهمية السّينما والسّينمائيين. ما يحصل الآن يشبه موتاً معلناً للسّينما الجزائرية. دون أن ننسى التّضييق على الحريات الإبداعية. إن السّينما، على غرار الأدب والفنون الأخرى، هي من شروط الحفاظ على توازن ثقافي واجتماعي، لكن نادراً ما ينتبهون إلى ذلك. لا أمنية لي ولزملائي السّينمائيين سوى أن نواصل العمل على صناعة الأفلام، ألا نتعرّض لتضييق بسبب أن أعمالنا تتضمّن نقداً، ففي النّهاية هذه الأفلام هي من يصنع صورة البلاد في الخارج ويروّج لها. الأفلام هي أيضاً فرصة للتحاور، للانفتاح على الخارج. إن الرّقابة ليست فقط في منع الأفلام لكن أيضاً في حرمانها من الدّعم. كما يجب أن نخرج من تقديس بعض الموضوعات، فالسينما فنّ قبل كلّ شيء، ليست مهمتها تقديس الأشياء أو الأشخاص.

ما هي طريقك في التّحضير لفيلم؟

بعد إتمام السّيناريو وإيجاد شركة إنتاج، نشرع في البحث عن الدعم المالي من جهات متعدّدة. قد يأخذ الأمر عاماً أو أكثر من الانتظار. ثم أشرع في الكاستينغ. هناك شخصيات تتكرّس في بالي لحظة كتابة السّيناريو. أقول في نفسي هذا الدّور يُناسب الممثّل (ة) فلان (ة). كما إنني أيضاً أحرص في كلّ فيلم على اكتشاف ممثلين جدد، مثلما فعلت مع لينا خوذري في فيلم (السّعداء). في كلّ فيلم أحاول أن أضمن توزاناً بين ممثلين مكرّسين وآخرين جدد. هناك أيضاً مرحلة التّدريبات على تقمّص الأدوار، مع الممثلين، وهي مرحلة مهمّة، قد أتحدّث فيها معهم عن الأشياء التي لا تقال في الفيلم أكثر من الأشياء التي تقال فيه.

تركزين كاميرتك في أعمالك على وجوه الممثلين. من أين نشأت ثقتك المفرطة فيهم؟

أؤسس دائماً علاقة ثقة بيني وبين الممثلين. علاقة تبادلية. أثق فيهم وأهبهم شعوراً بالحرية في تقمّص الأدوار. هم أيضاً يثقون فيّ. إنه شعور متبادل بين الطّرفين. قد يكون الممثل مكرّسا، أو شاباً خريج معهد تمثيل، يعرف ماذا يفعل ولا يحتاج توجيهات، لكن الثقة ضرورية في بلاطو التّصوير.

هناك مستويات لغوية مختلفة في الحواريات بين الممثلين. من هو الجمهور الذي تتوجّهين إليه بالدّرجة الأولى؟

فيلم «السعداء» – مثلاً – شوهد من طرف جمهور يمثل أجيالاً عمرية مختلفة. على الرّغم من أنّه فيلم يسرد قصة زوجين جزائريين فرنكفونيين. عائلة محلية فرنكفونية. مع ذلك فإن اللغة لم تكن حاجزاً في تلقي الفيلم تلقيا حسناً.

ما هو فيلمك الجديد؟

سيكون بعنوان: «الخميس إلا ربع في الجزائر العاصمة» فيلم طويل كوميدي، عن ثلاث شخصيات: امرأة حامل ترغب في الإجهاض في بلد تُمنع فيه تلك الممارسة، اسمها قوسم، تطلب مساعد صديقين لها، الأول اسمه ريّاض، مواطن جزائري – روسي يحنّ إلى سنوات الاتّحاد السّوفياتي ومن صديقة لها تعمل مغنيّة ملاهٍ. وهو مشروع استفاد، لحدّ السّاعة، من دعم في فرنسا، كما تقدّمت بطلب دعم من صندوق مهرجان البحر الأحمر في العربية السّعودية، على أمل أن يلقى القبول بالدعم.

ليس من السّهل إذن على مخرج الحصول على دعم مادي في الجزائر. كيف تتعاملين مع هذا الوضع؟

هذا ووضع يضع هوية الفيلم في ورطة. مما يجعلنا نلتمس الدّعم من جهات أجنبية، فنفقد السّيطرة على جنسية الفيلم. الفيلم في العموم يخضع للجهة الدّاعمة له. أرجو أن يُعاد النّظر في مسألة دعم السّينما في الجزائر.

في حال توفّر لك الدّعم الذي ترغبين فيه، ما هو الفيلم الذي تودّين إخراجه مستقبلاً؟

لست أرغب سوى في تصوير فيلمي الجديد: الخميس إلا ربع في الجزائر العاصمة.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي