هل ينجح السياسي المخضرم في كسب ثقة المانحين الكبار؟

رجل النظام الوفي : رانيل ويكريميسنغه... «رئيس طوارئ» في سريلانكا المأزومة

وكالات - الأمة برس
2022-07-22

صورة من ارشيف 2 آب/أغسطس 2020 لرانيل ويكريميسينغه الذي انتخبه البرلمان رئيسا لسريلانكا في 20 تموز/يوليو 2022 (ا ف ب)كان لا بد للاضطرابات الاحتجاجية التي فجرتها الأزمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة أن تهز النظام السياسي في سريلانكا. وحقاً خلال الأسابيع الأخيرة، أسقط ومن ثم، أسندت رئاسة الحكومة يوم 12مايو (أيار) الماضي للرئيس السابق رانيل ويكريميسنغه، في محاولة للملمة الأوضاع. غير أن الاضطرابات المتصاعدة أجبرت لاحقاً رئيس الجمهورية على الفرار من قصره، ثم من البلاد، وانتخب مجلس النواب بالأمس ويكريميسنغه رئيساً للجمهورية. هذه الخطوة التي قوبلت برد فعل سلبي جداً من الشارع الغاضب بدت لكثيرين خطوة يائسة للجم الانهيار الكامل، ومحاولة قد تكون الأخيرة لإطلاق مبادرات سياسية واقتصادية مقبولة دولياً، ولا سيما أن الرئيس الجديد – القديم، سياسي محافظ مخضرم وموثوق في الدوائر الاقتصادية الدولية.

بين معسكري المتفائلين بخبرة الرئيس رانيل ويكريميسنغه (73 سنة) آملين بقدرته على حل أزمة سريلانكا الحادة الراهنة، والمشككين بقدرة «الطاقم السياسي» التقليدي الذي ينتمي إليه الرئيس الجديد – القديم في إحداث نقلة نوعية تخرج البلاد من الهوة الاقتصادية التي انزلقت إليها، بسبب آفات الفساد والمحسوبية العائلية والانقسامات الإثنية – الطائفية والتدخلات الأجنبية من القوى الكبرى، ولا سيما في آسيا.

النشأة والمسيرة

ولد رانيل ويكريميسنغه في العاصمة السريلانكية كولومبو لأسرة سنهالية مرموقة وثرية، يوم 24 مارس (آذار) 1949. وتتصل أسرته بصلات قربى ومصاهرة مع عدد من أبرز الأسر الأرستقراطية والنافذة سياسياً، ما ساعده إلى حد بعيد في مسيرتيه في عالمي المحاماة والسياسة.

تلقى تعليمه في كولومبو بالمدرسة الإعدادية الملكية، ثم في الكلية الملكية حيث كان أحد أصدقائه وزملاء صفه أنورا بندرانايكه ابن رئيسة الوزراء (يومذاك) سيريمافو بندرانايكه – أول امرأة تتولى رئاسة حكومة في العالم.

بعدها التحق ويكريميسنغه بمعهد الحقوق في جامعة سيلان (سيلان هو الاسم القديم لسريلانكا)، وهي التي تعرف اليوم بجامعة كولومبو. وإثر تخرّجه أكمل امتحانات معهد سيلان للحقوق، وأدى يمين ممارسة مهنة المحاماة عام 1972.

المسيرة السياسية

غير أن شغف رانيل ويكريميسنغه بالسياسة، وهو سليل أسرتين لهما خبرة طويلة في حقول الإدارة والسياسة والإعلام، اجتذبه إلى الحياة السياسية حيث انخرط في الحزب الوطني المتحد (الـ«يو إن بي»).

هذا الحزب العريق أسس عام 1946، ويعد منذ الاستقلال إحدى القوتين الرئيسيتين في البلاد، وهو يمثل تيار يمين الوسط ويستقطب الفئات البورجوازية والثرية ورجال العمل. وفي مواجهة الحزب الوطني المتحد، منذ مطلع عقد الخمسينات نشط حزب قوي التصق طويلاً بأسرتي بندرانايكه وراجاباكسا وحمل عبر السنين بضعة أسماء أشهرها «حزب سريلانكا الحرية» (سريلانكا فريدوم) ولقد أسس هذا الحزب المعروف حالياً باسم «حزب تحالف الحرية الشعبي في سريلانكا» سولومون بندرانايكه عام 1951، وقاده إلى الحكم عام 1956 قبل اغتياله. وعلى الأثر تولت الزعامة الحزبية ولاحقاً رئاسة الحكومة أرملته سيريمافو، وهو محسوب أيديولوجياً على تيار يسار الوسط الاشتراكي، ويحظى بقاعدة سنهالية بوذية قومية كبيرة.

رجل اليمين المعتدل

تدرّج ويكريميسنغه صعوداً في صفوف الحزب الوطني المتحد، وشغل عدداً من المسؤوليات الحزبية إلى أن نجح في دخول البرلمان عام 1977. وعلى الأثر عيّن نائباً لوزير الخارجية في الحكومة التي ترأسها جونيوس جاياواردينه، زعيم الحزب واحد كبار «دهاته». ولم يطل الوقت حتى رقّعه جاياواردينه وسلمه منصب وزير شؤون الشباب والتشغيل في أكتوبر (تشرين الأول) 1977، وكان يوم ذلك أصغر الوزراء سناً في تاريخ سريلانكا. وخلال 3 سنوات، أي في عام 1980، أصبح وزيراً للتربية والتعليم.

في رئاسة الحكومة

بعدها، في عهد الزعيم الجديد للحزب الوطني المتحد راناسينغي بريماداسا، أسند إلى ويكريميسنغه منصب وزير الصناعة عام 1989، وفي العام نفسه قاد كتلة حزبه في البرلمان. وعلى صعيد رئاسة الحكومة، تولى ويكريميسنغه رئاسة الحكومة 6 مرات بين 1993 - على أثر اغتيال بريماداسا في تفجير انتحاري كبير نفذه تنظيم «نمور التاميل» - و1994، ثم بين 2001 و2004، وبين 2015 و2018، وبين 2018 و2019، ثم منذ مايو (أيار) من هذا العام... قبل انتخابه بالأمس رئيساً للجمهورية.

خلال هذه الفترة كان الصراع محتدماً بين الحزبين التقليديين الكبيرين، كذلك كانت الاضطرابات الدامية تقض مضاجع الساسة، فبعد اغتيال بريماداسا، اغتيل خلفه غاميني ديساناياكي في نوفمبر (تشرين الثاني) 1994 أثناء مشاركته في حملة الانتخابات الرئاسية، وعلى الأثر عيّن ويكريميسنغه زعيماً للحزب.

وفي العام 1999 رشحه الحزب الوطني المتحد لرئاسة الجمهورية إلا أنه خسر المعركة أمام زعيمة حزب «سريلانكا الحرية» تشاندريكا بندرانايكه كوماراتونغا، ابنة الرئيسة بندرانايكه. ثم خسر مجدداً الانتخابات الرئاسية التالية أمام ماهيندا راجاباكسا، الذي تولى زعامة الحزب (بعدما صار «تحالف الحرية الشعبي») خلفاً لكوماراتونغا. وكان راجاباكسا بعد شغله رئاسة الجمهورية بين 2005 و2015، قد عاد ليشغل منصب رئيس الحكومة في عهد رئاسة شقيقه الأصغر غوتابايا راجاباكسا في نوفمبر 2019. ولقد سبقه إلى الاستقالة في مايو الماضي وغادر تحت ضغط الغضب الشعبي، وبعدها، أسندت رئاسة الحكومة لويكريميسنغه.

غير أن مغادرة ماهيندا راجاباكسا لم يوقف الاحتجاجات والاضطرابات، بل دفع تفاقم الوضع الرئيس غوتابايا إلى الاستقالة بدوره، ومغادرة البلاد. ومجدداً، وقع الاختيار على غريمهما السياسي المخضرم، فانتخب لرئاسة الجمهورية.

الصين... والأزمة الاقتصادية

إبان فترة حكم الشقيقين راجاباكسا، ازداد بوضوح نفوذ الصين السياسي والاقتصادي سريلانكا. ولئن كان سوء الإدارة والفساد السياسي والمالي لعبا دوراً محورياً في الأزمة المستحكمة الراهنة، فإن علاقة أسرة راجاباكسا – في نظر المراقبين الغربيين – مع الصين ورطت سريلانكا وأثقلت كاهلها.

إذ يقول مراقبون غربيون وهنود تابعوا لسنوات تطور الأمور أن ما عادت سريلانكا قادرة على سداد ديونها الخارجية بسبب العجز عن دفع قيمة خدمة الدين المستحق للصين. ويشير هؤلاء المراقبون أن بكين موّلت في سريلانكا، كما موّلت في أماكن أخرى من العالم، بينها عدد من الدول الأفريقية مشاريع بنية تحتية عديمة الجدوى.

وفي حالة سريلانكا بالذات، استغلت بكين صداقتها لماهيندا راجاباكسا لتوقيع اتفاق لبناء ميناء هامبانتوتا والمطار المجاور له في بلدة ماتالا إبان فترة حكمه. وفيما بعد، على أثر تولي مايتريبالا سيريسينا - خليفة ماهيندا - السلطة، حاول الرئيس الجديد الحد من اعتماد سريلانكا وسكانها البالغ تعدادهم نحو 22 مليون نسمة على الصين، إلا أن الحال انتهى به إلى منح ميناء هامبانتوتا للصين بموجب عقد انتفاع مدته 99 سنة، مع وجود بند يمنح بكين حق تمديد العقد 99 أخرى.

وهنا يجدر التذكير بأن فريق العمل الذي يتابع وضع سريلانكا في صندوق النقد الدولي، والذي كان في سريلانكا خلال الفترة الأخيرة، عاد إلى مقر الصندوق في واشنطن من دون التوصل إلى أي اتفاق.

وحول هذه النقطة، ثمة من يشير إلى أن الدوائر المالية العالمية من واقع اطلاعها على دقائق الأزمة، ما كانت متفائلة بقيام حكومة مستقرة تستطيع تنفيذ برنامج صندوق النقد الدولي. والمعروف على نطاق واسع في أوساط خبراء الاقتصاد أن أي مساعدة من الصندوق أو البنك الدولي تكون في العادة مرفوقة بشروط صارمة لضمان ألا يساء إدارة الأموال أو يساء التصرف بها. لكن مقابل ذلك، الجميع يعرف – وبالأخص، القوى العالمية الكبرى مثل الصين - أهمية موقع سريلانكا الجغرافي على أحد أهم طرق الشحن في العالم، وهو ما يعقد الاستخفاف بأمرها، وقد يحول تماماً دون ترك دولة بهذه الأهمية الإستراتيجية تنهار. وكانت «الشرق الأوسط» قد نشرت ما قاله الدكتور غانيشان ويغنارجا، الزميل غير المقيم في معهد دراسات جنوب آسيا في جامعة سنغافورة الوطنية، عن الوضع «وهو أن سريلانكا ستحتاج إلى ما يتراوح بين 20 و25 مليار دولار أميركي خلال السنوات الثلاث المقبلة من صندوق النقد الدولي وكيانات متعددة الأطراف، ودول صديقة أخرى لجعل اقتصادها في وضع جيد، وتحقيق نمو». وتابع ويغنارجا موضحاً «إلى جانب مساعدة صندوق النقد الدولي، ثمة حاجة إلى تمويل عاجل من الهند والصين والدول الغربية، ليس فقط لتلبية الاحتياجات الأساسية للشعب مثل الوقود والغذاء والدواء، بل أيضاً للمساعدة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي».

دين خارجي ضخم

وعلى صعيد متصل، تفيد الأرقام بأن حجم الدين الخارجي لسريلانكا يبلغ حالياً 51 مليار دولار. ووفقاً لسلطات كولومبو، يتوجب عليها سداد 8.6 مليار دولار من الدين الخارجي عام 2022. ولكن نتيجة لنفاد العملة الأجنبية من البلاد بحلول مايو الفائت، تعذر على السلطات السريلانكية سداد المستحق عليها من الديون للمرة الأولى.

والحال، أنه منذ ذلك الحين توقفت كل الواردات، وحدث نقص كبير في الوقود والغذاء والسلع المعيشية. وحسب المصادر الاقتصادية الهندية، فإنه عندما لجأت حكومة كولومبو إلى صندوق النقد الدولي، كانت الأوضاع في سريلانكا قد وصلت إلى الحضيض، وباتت البلاد تعيش على منح ومساعدات مقدّمة من «جارتها» الأكبر الهند. ووفق هذه المصادر، بلغت المنح والمساعدات الهندية خلال الفترة الممتدة بين يناير (كانون الثاني) ويونيو (حزيران) الفائتين 3.5 مليار دولار. ولكن مع هذا لم تتمكن الحكومة من تلبية الاحتياجات الأساسية للشعب السريلانكي، من وقود للمركبات إلى الطعام، مروراً بالأدوية التي تحتاجها في المستشفيات الحكومية، وسط تضخم في أسعار السلع الغذائية بلغت نسبته 56 في المائة.


الحزب الوطني المتحد... في سطور

-الحزب الوطني المتحد في سريلانكا، حزب محافظ معتدل يتموضع على يمين وسط الساحة السياسية.

-أسس الحزب في سبتمبر (أيلول) 1946.

-تولى السلطة (منفرداً أو متحالفاً) لمدة 38 سنة من أصل 74 سنة من الاستقلال.

-كان القوة المهيمنة على الساحة السياسية في الفترات: من 1947 إلى 1956، ومن 1965 إلى 1970، ومن 1977 إلى 1994، ومن 2001 إلى 2004، ومن 2015 إلى 2019.

-أبرز قادة الحزب: ددلي سينانياكه، وجونيوس جاياواردينه، وراناسينغي بريماداسا وأخيراً رانيل ويكريميسنغه.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي