شهوةُ الحربِ والحبِّ

2022-07-07

وليد الزوكاني

الزَّمَانُ مُوغِلٌ في الشَّيْخوخَةِ

في جُيوبِهِ العَميقَةِ جثثٌ لم تَسْتَضِفْها المَقابِرُ

قَادَةٌ منْ ورقٍ،

ملائِكَةٌ، شَياطينُ

آلِهةٌ تزْحَفُ من مَعابِدِها ليْلًا كديدانٍ نَهْمَةٍ

طَبَقٌ من أبرياءَ بِآمالٍ ذابِلَةٍ

لِشاي المَساءِ.

في جُيوبِهِ صَلِيلُ السِّنينِ البَعيدَةِ

ومَسابِحُ الأيَّامِ القادِمَةِ

وأنا أنْصِتُ،

يدي جَريمَةٌ لم تَكْتمِلْ بَعدُ،

في عُنُقي دَمٌ.

العَجوزُ المَطْويَّةُ كمِنْديلٍ أسْودَ في الزَّاويَةِ

حَفَرَتْ ذاكِرَتي بِنَابِها الوَحِيدِ

يَخْرجُ من رَأْسي أصْدِقاءُ مَيْتونَ

يُنادُونَنِي لِألعَبَ مَعَهُمْ في مَدَارِجِ الغَيْبوبَةِ،

ومن جِرارِ الطُّفولَةِ

تَخرجُ الحكاياتُ الموحِشَةُ وتَرْكُضُ خَلْفي.

من مياهِ عَيْنِي

يَومَ كانَ القَمَرُ طائِراً ذهَبِيّاً

يُعَشِّشُ في أشجارِ قَلْبي،

أنْسُلُ ما تَبَقَّى من صَبَايَا،

أزَيِّنُهُنَّ وأعشقُهُنَّ من جَديدٍ

يَلْفُفْنَ جَسدي بالأسَاطيرِ

يَقُدْنَني إلى هاوِيَتي

أحارِبُ أشْبَاحَهُنَّ،

في كُلِّ مَقْبَرَةٍ جَيْشٌ

والكَواكِبُ خَشْخَشَتْ بالضَّوءِ

مثْلَ راقِصَاتٍ جَميلاتٍ

يُشْعِلْنَ معارِكَ الثَّأْرِ بأَفْخاذِهِنَّ.

يَومَ جاءَ شُيوخٌ بأنوفٍ طَويلَةٍ

وتَدَلُّوا من عُرْوَةِ الوقتِ

ليَحْفِروا بِعِصِيّهِمْ شَرائِعَ الحَربِ،

سَلَبْتُ بعضَ الجَواري

وهَرَبتُ خَلفَهُمْ.

العَجائِزُ قَرَصْنَنِي لِأَكُفَّ عن الذِّكْريات،

ما كُنتُ أعْرِفُ أَنَّ لِحُروبِ الفاتِحِينَ كَرامات

ولِلْفُرْسانِ مَقامات

والسَّيْفَ أصْدَقُ أنْباءً من عَويلِ المَآذِنِ

ما كنتُ أعْرِفُ..

لي نِسْوَتي وجَوَاريَّ

وسِلالُ الصَّبايا الجَميلاتِ مَمْلوءَةٌ شَغَفًا وحُلِيَّا،

ولي ما تَيسَّرَ من شَهْوَةِ الحَرْبِ والحُبِّ

كي تَكْتمِلَ القَصائِدُ،

من سَيْفِ عَنْتَرَةَ انْدَلَعَتْ حُروبُ القَبائِلِ

وفي خَصْرِ عَبْلَةَ عاشَتْ كُلُّ الجَواري،

المُؤْمِنَاتُ آمناتٌ في قَوافِلِ الجُنْدِ

لكنَّ عَبْلَةَ سَتَظلُّ مُشْرِكَةً

رَيْثما تَكْتمِلُ القَصائِدُ بِالكَرِّ والفَرِّ

ويَتقَلَّدُ الأمَراءُ وِسامَ السَّبايا الجَميلاتِ.

هل رَأَيْتُم

كيفَ يُرَبّي الخُشُوعُ النَّمْلَ الشَّرِسَ بِآباطِ الخاشِعينَ

ويُفْلِتُهُمْ كالزَّنَابيرِ فينا؟

هَكَذا تَلِدُ المَقابِرُ مُدُناً

وشاهِدَةُ القَبْرِ تَعْلو رايَةً أو ناطِحَةَ سَحاب.

لا تُشْهِرِ السَّيْفَ في وجْهِ قاتِلٍ فَتُوقِظَ الفِتْنَةَ

أَتِمَّ بهِ ذَبْحَ الضَّحيَّةِ

لِنَنامَ قَلِيلا في مَوْتِها

وقُلْ: يَهْبِطُ اللهُ منَ الأبَدِيَّةِ إلى يأسِنَا

فَيَرْحَمَ، ويَعْفوَ، والسَّلام.

ما كنتُ فارِساً مثْلَ هذا اليَوْمِ

أُدَحْرِجُ روحي خَلْفَ النُّجومِ البَعيدَةِ.

لي نِسْوَتِي وجَوارِيَّ

وسِلالُ الصَّبايا الجَميلاتِ مَمْلُوءَةٌ

شَغَفًا وحُلِيَّا

ولي ما تيَسَّرَ

من شَهْوَةِ الحُبِّ والحَرْبِ…

كي تَكْتَمِلَ القَصِيدَةُ.

شاعر سوري







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي