الشاعرة المغربية أسماء بنكيران: المرأة أضافت لـ«الزجل» لكن ليس بمستوى الرجل

2022-07-05

حوار: محمد الديهاجي

برز اسم أسماء بنكيران- أستاذة للغة الإنكليزية في المغرب- منذ بداية الألفية الثالثة، شاعرة زجالة في الساحة الثقافية المغربية. حاصلة على شهادة تكوين الدراسات المعمقة في علوم الاتصال والتواصل جامعة باريس الثالثة. وقد شاركت في العديد من اللقاءات الشعرية في كل من المغرب والمنامة وباريس والبحرين وتولوز وتونس. لها ديوان شعري زجلي بعنوان «حر لكلام». ومن خلال هذا الحوار، نقترب أكثر من المشهد الشعري الزجلي في المغرب من دينامية ملتبسة أحيانا تجعل كل مهتم بهذا الفن يطرح السؤال التالي: فن الزجل في المغرب إلى أين؟ فيما يلي نص الحوار.

تعيش القصيدة الزجلية اليوم في المغرب، منذ بداية تسعينيات القرن العشرين، رواجا كبيرا من حيث الكم والنوع، الشيء الذي جعل الزجل يكسب رهان الانتماء إلى الشعر المغربي رسميا، بله يتبوأ مكانة مرموقة تضاهي صنوه الفصيح. فما تقييمكم للمشهد في ظل هذا التدافع؟

استطاعت القصيدة الزجلية المغربية أن تحقق لنفسها رواجا معتبرا داخل المشهد الثقافي المغربي، كما استطاعت أن تتبوأ لنفسها مكانة مرموقة يشهد لها في الساحة العربية، بفضل أسماء شعرية وازنة يحسب لهم ألف حساب. هذا الإنجاز يعود لعدة عوامل نذكر منها على سبيل المثال: الملتقيات والمهرجانات المتزايدة التي أصبحت تحتفي بالزجل في مختلف ربوع المملكة. الطبع والنشر، اللذان لعبا دورا مهما في نشر الزجل والتعريف به، ومن ثمة الترويج له. الإعلام بأنواعه المكتوب والمسموع والمرئي، الذي ساهم، هو الآخر، بشكل كبير في إيصال الزجل إلى البيوت والأماكن النائية. ثم لا ننسى دور الإنترنت الذي زاد في توسيع الخريطة الزجلية ليتضاعف عدد الزجالين (الإناث منهم والذكور) الذين أصبحوا يكتبون القصيدة الزجلية بمستوى عال، مستفيدين من تجارب الشعراء الذين سبقوهم، والذين أسسوا لهذا الفن، أقصد الرواد. تطور القصيدة الزجلية المغربية، شكلا ومضمونا، جعلها تكسب رهان الانتماء إلى الشعر المغربي؛ بل جعلها تعانق التجارب العربية الأخرى وكذا العالمية وهي تنفتح على مضامين جديدة باشتغالها على أسئلة كبرى فلسفية منها وصوفية، وبتناولها لثيمات جديدة من قبيل: الحياة والموت والضوء والمرأة والمرآة والإنسان والعقل، وثيمات أخرى تناولها الشعر العالمي مثل الماء والجسد والحرف، وغيرها من الثيمات التي أضافت الكثير لهذا الفن، ما جعله يسمو ليضاهي كما تقول في سؤالك الشعر الفصيح. وهذا التطور نلمسه خاصة عند رواد هذا الجنس، الذين يعود لهم الفضل الكبير في الرفع بالقصيدة الزجلية الحديثة لمستوى يشرف الشعر المغربي أمثال: الزجال أحمد لمسيح، الزجال إدريس أمغار مسناوي، الزجال والباحث مراد القادري والمرحوم محمد الراشق. النص الزجلي عند هؤلاء أصبح يؤسس لرؤيا تغرف أَوْ تمتح من الثقافات الأخرى، كما أشرت سابقا، بحضور مكثف للموروث الثقافي الشعبي والمحلي والعربي والعالمي بتوظيف الأسطورة وشخوص تاريخية بكل تجلياتها الجمالية والوجدانية. يمكن القول إذن إن الزجل المغربي الحديث أصبح زجل رؤية ورؤيا بوعي وامتياز.

نسجل في الفترة الأخيرة حضورا قويا ووازنا للمرأة – الزجالة، علما أن هذا الرافد الشعري كان منذ نشأته الأولى حكرا على الرجل فقط. فهل استطاعت الزجالة المغربية فعلا أن تشكل إضافة نوعية للزجل المغربي؟

تصعب الإجابة بدقة على هذا السؤال، لأنني من جيل الشباب حديث العهد بالتجربة ومع ذلك لن أخفي تأثري كأي شاعرة تتلمس خطوها الأول، بتجربة رواد الزجل في المغرب أمثال: الزجال أحمد لمسيح والزجال إدريس أمغار المسناوي والزجال مراد القادري والمرحوم محمد الراشق. يحدث أن يحصل لي تناص بين تجربتي المتواضعة وكتاباتهم التي قطعت أشواطا مهمة. بمعنى آخر أجد نفسي في قصائدهم وكأنهم يكتبون بلساني؛ بل أكثر من هذا أحس بأنهم ينتزعونها من أعماقي، هذا من جهة، أما من جهة أخرى، وحتى لا أبتعد عن سؤالكم، أعترف بأنني قرأت لمجموعة كبيرة من الزجالات المغربيات، كما جمعتني بهن مناسبات ثقافية عديدة، وأنصت لتجاربهن الشعرية، لكنني في الحقيقة لم أتفاعل معها بتاتا، عدا تجربة الزجالة نهاد بنعكيدة، التي شدت انتباهي بتميزها، خصوصا على مستوى استدعاء عوالم تخييلية ذات صلة بعالم الكتابة والحرف. قد تكون هناك أسماء نسائية متألقة أخرى،  لم تجد مكانتها بعد في الساحة الثقافية، فتعذر عليها فرض صوتها في المهرجانات، لهذا يستوجب البحث عنها وتشجيعها وإعطاؤها الفرصة للوجود أكثر لإبراز صوتها الشعري. كما يجب على كل مهتم بهذا الشعر الوقوف إلى جانبها. ولم لا تنظم ورشات للكتابة، حتى نرقى بقصيدة الزجل. وللخروج من هذا السؤال المتعلق بالمرأة الزجالة يمكن القول: نعم استطاعت المرأة أن تخوض غمار الكتابة في كل الأجناس الأدبية، ومن الممكن أن تكون قد أضافت للزجل من خلال الاهتمام به ككتابة، لكن ليس بمستوى شقيقها الرجل.

لقد قطعت القصيدة الزجلية المغربية أشواطا مهمة وهي تعانق مجموعة من الثيمات، كما سبق أن أشرت إليه، وهي توظف الرموز والأقنعة، التناص، الانزياح، الاستعارة، الصورة الزجلية بلغة مكثفة تثري معجمنا الدارجي المتجدد بالدلالات والمفردات النقية، ما يجعل المعنى يرتقي، ومدلولات الصورة تتوسع برؤية تستشرف أفقا أكثر بهاء وخصوبة.

إذا كان الزجل المغربي من جهة الإبداع قد حقق تراكما باديا للعيان لدرجة أنه أصبح ينافس الشعر الفصيح في اللقاءات والمهرجانات، وعلى مستوى النشر والطبع، فإنه على مستوى المواكبات النقدية، ما يزال مُغيّبا بشكل كبير. فهل هذا يعود إلى تخوُّف النقاد من اقتحام هذا المجال الجديد؟ أم لأن المؤسسة الرسمية ما زالت في حيرة من أمرها بخصوص مسألة الاعتراف؟ أم هو فعلا إقصاء مقصود؟

ليس الزجل وحده من يشكو من قلة المتابعة، بل كل الفنون يمكن القول إنها لم تأخذ حقها بما يكفي. النقد حاضر لكن بشكل متردد. مع ذلك يمكن أن نذكر أربعة كتب نقدية تناولت بالدرس والتحليل بعض التجارب الزجلية، وفتحت بذلك بابا كان الجميع ينتظر أن يُفتح. يتعلق الأمر بكتاب نقدي للزجال مراد القادري الذي تناول فيه تجربة الزجال أحمد لمسيح. وكتابان نقديان تناولا بعمق بعضا من أعمال الزجال إدريس أمغار مسناوي، أعني بهما كتاب الناقد محمد بوستة، وكتاب الناقد محمد داني. أما الكتاب الرابع فهو للناقدة لبابة، تناولت فيه أحد دواوين الزجال محمد مومر، دون أن ننسى كتابا قيما يحمل مفاتح الزجل والملحون، ألا وهو كتاب «القصيدة» لعباس الجراري الذي عرفته الساحة الثقافية مع مطلع السبعينيات من القرن المنصرم. وقد عرفت الجامعات المغربية مناقشة ثلاث أطروحات على الأقل لنيل الدكتوراه في الزجل، يتعلق الأمر بأطروحة الزجال مراد القادري، وأطروحة محمد ناجي بوجدة، وأطروحة عمر العسري في البيضاء.. دون أن ننسى الأنطولوجيات: الأولى أصدرها بيت الشعر في المغرب، والثانية أصدرتها الزجالة نهاد بن عكيدة، والثالثة أصدرها الزجال والباحث توفيق لبيض عن التجربة النسائية والتي قدم لها الزجال إدريس أمغار مسناوي. ومع ذلك يبقى الزجل في حاجة لأكثر من متابعة ولأكثر من كتاب نقدي حتى تأخذ التجارب الأخرى حقها. ومع ذلك أقول إنه إذا كانت دراسة الزجل تستعصي على البعض، فربما يعود ذلك في نظري لأسباب ثقافية. ذلك أن الدخول لهذا الميدان يحتاج من صاحبه أدوات نقدية حديثة وثقافة واسعة، ينطلق صاحبها من الملحون ليصل للقصيدة الحديثة، التي تمثلها عدة تجارب. لا بد من الانطلاق من الأسس ليأخذ الناقد فكرة شمولية عن هذا الفن قبل أن يقف على ما وصلت إليه التجارب الحديثة من تراكم يدعو للبحث والقراءة.

من المؤكد أن القصيدة الزجلية الحديثة تطورت، ولا أحد يمكنه أن ينكر ذلك. لقد قطعت القصيدة الزجلية المغربية أشواطا مهمة وهي تعانق مجموعة من الثيمات، كما سبق أن أشرت إليه، وهي توظف الرموز والأقنعة، التناص، الانزياح، الاستعارة، الصورة الزجلية بلغة مكثفة تثري معجمنا الدارجي المتجدد بالدلالات والمفردات النقية، ما يجعل المعنى يرتقي، ومدلولات الصورة تتوسع برؤية تستشرف أفقا أكثر بهاء وخصوبة. وإن لوحظ غياب النقد أو تأخره عن مواكبة جل ما يكتب، فإننا نظل مع ذلك متفائلين، لأن المستقبل قد يحمل أسماء جديدة ستعزز مسيرتنا وستدفع بالكوكبة إلى المزيد من التطور، يكفي أن نذكر اليوم اسم محمد الديهاجي لنطمئن على هذا الشعر. كما أشيد بانفتاح الجامعة على الزجل، الذي يعتبر خطوة لا بد من تسجليها والوقوف وقفة اعتراف لما تحققه بعض شعب اللغة العربية وآدابها في هذا الصدد. فهناك أطروحات جامعية أخرى لنيل الدكتوراه حول قصيدة الزجل، تعدها مجموعة من الطلبة في كل من القنيطرة والبيضاء وأكادير وغيرها..

في الأخير أتمنى صادقة أن يدخل الزجل مقرراتنا التعليمية، لأن ما تحقق اليوم من تراكم إبداعي في فن الزجل، أمر لافت للنظر ويفرض على الجهات المسؤولة في القطاع التعليمي بكل أسلاكه الانفتاح أكثر على هذا الشعر.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي