أمريكا وكوريا الجنوبية تريدان الحوار مع كيم.. لكنه لا يجيب الهاتف!

الأمة برس - متابعات
2022-07-02

رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ (ا ف ب)

نشرت مجلة «فورين بوليسي» تقريرًا أعده روبي جرامر، مراسل المجلة الأمريكية المهتم بالشؤون الدبلوماسية والأمن القومي، يستعرض فيه أسباب عدم استجابة كوريا الشمالية لمطالبات واشنطن وسول بإجراء مباحثات، موضحًا أن سول وواشنطن تعهَّدتا باستعدادهما لإجراء مباحثات مع كوريا الشمالية التي تجري تجارب نووية، ولكنهما لم يتلقيا أي رد من بيونجيانج.

«في أي وقت وفي أي مكان»

يشير الكاتب في بداية تقريره إلى أن كوريا الجنوبية وحلفاءها في واشنطن يرون أن ثمَّة عبارة مُعيَّنة تُحدِّد النهج الذي تتبعه سول في التواصل مع كوريا الشمالية، وهو: «فعل أي شيء في أي وقت وفي أي مكان».

وكانت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن قد أوضحت بعد مرور وقت قصير على توليها مقاليد حكم الولايات المتحدة أنها مستعدة لبدء مباحثات مع كوريا الشمالية بشأن برنامج تصنيع الأسلحة النووية في أي وقت وفي أي مكان ومن دون وضع شروط مُسبقة. والآن، تنتهج إدارة الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول الأسلوب ذاته، وآية ذلك أن كوون يونج سي، وزير التوحيد الكوري الجنوبي، أشار إلى أن بلاده مستعدة للتعاون مع مسؤولي كوريا الشمالية «في أي وقت وفي أي مكان». ولكن هناك مشكلة واحدة: وهي أن كوريا الشمالية لا تستجيب لدعوات إجراء مباحثات.

وبعد أن انتهت القمتان الرفيعتا المستوى اللتان عُقدتا بين الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون من دون إحداث أي انفراجة دبلوماسية، أوقفت بيونج يانج جميع وسائل التواصل مع واشنطن وسول فعليًّا. وطوال ذلك الوقت، تعمل بيونج يانج على توسيع نطاق اختبارات إطلاق الصواريخ الباليستية، ومن المتوقع بشدة أن تُجري اختبارًا آخر للأسلحة النووية في الأشهر المقبلة، ما أدى إلى زيادة الضغوط المفروضة على واشنطن وسول من أجل إيجاد طريقة تهدف إلى التصدي للتهديد المتزايد الذي تُشكِّله كوريا الشمالية التي تتمتع بقدرات نووية.

وأبرز التقرير تصريح مسؤول كوري جنوبي رفض التحدث بصورة رسمية: «نفعل كل ما في وسعنا، ولكن يجب أن تستجيب كوريا الشمالية». وأضاف: «على الرغم من مرور عشرين عامًا، لم يتغير شيء حقًا سوى أن ترسانتهم أصبحت أكبر وأقوى».

هل تستعد بيونج يانج لإجراء حوار؟

وبحسب التقرير، هناك شعور في سول وواشنطن على حدٍ سواء بأنه من المرجَّح ألا تكون كوريا الشمالية مستعدة لإجراء مباحثات إلا بعد الانتهاء من اختبارها الذي طال انتظاره لسلاح نووي آخر، بحيث تتعاون من جديد مع أعدائها انطلاقًا من موقع قوة، وإن كان هذا التصور لا يستقر إلا في أذهان سكان كوريا الشمالية.

وهناك عامل آخر يدفع المسؤولين في كوريا الجنوبية والولايات المتحدة إلى الاعتقاد بأن كوريا الشمالية ليست مستعدة للمشاركة في أي حوار رئيس حول برنامج أسلحتها النووية، وهو أن البلاد تواجه صعوبات في القضاء على صراعاتها الداخلية؛ إذ تعاني كوريا الشمالية من جفاف تاريخي يستنفذ إمداداتها الغذائية الضعيفة، فضلًا عن تفشِّي جائحة كوفيد-19 المُدمِّرة. ولم تستجب بيونج يانج حتى الآن لأي عروض تُقدمها سول أو واشنطن من أجل تقديم مساعدات إنسانية أو توفير لقاحات كوفيد-19.

ونقل التقرير تصريح دانا كيم، الخبيرة في شؤون كوريا الشمالية لدى مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، والتي أفادت أنه: «إذا كانت كوريا الشمالية تولي تطوير أسلحتها اهتمامًا أكبر من اهتمامها بشؤونها الداخلية، فلن يمنحها هذا التفكير حافزًا كبيرًا للانخراط في حوار مع الولايات المتحدة أو [كوريا الجنوبية]».

وكانت كوريا الشمالية قد أطلقت بالفعل 31 اختبار صاروخ باليستيًّا هذا العام، لتُحطِّم الرقم القياسي السابق لعدد اختبارات الصواريخ الباليستية الذي يبلغ 25 اختبارًا عام 2019، وسيصل عدد اختبارات إطلاق أسلحة نووية إلى 7 اختبارات إذا تمكَّنت بيونج يانج من إطلاق اختبار نووي جديد، وهو ما يُظهر تقدمًا مطردًا في توسيع نطاق برنامج أسلحتها النووية على الرغم من بذل المجتمع الدولي قصارى جهده لوقفه.

ووفقًا لمقابلات أُجريَت مع مسؤولين وخبراء كوريين جنوبيين في سول، تضع هذه الأوضاع سول وواشنطن على حدٍ سواء في مأزق كبير، ولكنَّ هذا لا يعني إحراز أي بلد من البلدين تقدُّمًا.

تطلُّعات كورية جنوبية

ووفقًا للتقرير، تتطلَّع إدارة يون الجديدة إلى توسيع نطاق تعاونها الأمني مع الولايات المتحدة، بما في ذلك زيادة التدريبات العسكرية مع القوات الأمريكية التي انخفض مُعدَّلها في عهد إدارة الرئيس الأمريكي السابق ترامب.

وأوضح مسؤولون كوريون جنوبيون أن واشنطن وسول تعملان على إعادة تنشيط المجموعة الاستشارية لإستراتيجية الردع المُوسَّعة، وهي مجموعة تتألف من خبراء من كلا البلدين وتعمل على تقييم كيفية ردع كوريا الجنوبية والدفاع عنها أمام الأسلحة النووية التي تمتلكها كوريا الشمالية. وفي ظِل حكومة يون المحافظة، كشفت كوريا الجنوبية النقاب عن خطط تهدف إلى توسيع نطاق قدراتها العسكرية وشراء أنظمة دفاع جوي أمريكية والاستمرار في تطوير أنظمة دفاع صاروخي خاصة بها، والتي يُطلَق عليها «نظام الدفاع الجوي والصاروخي الكوري».

وفي الوقت ذاته، مارست الولايات المتحدة ضغوطات على كوريا الجنوبية واليابان حتى يزداد نطاق تعاونهما في مجالي الدفاع والأمن على أساس ثلاثي، على الرغم من التوترات السياسية بين البلدين فيما يتعلق بمظالمهما التاريخية. وقد التزمت الدول الثلاث بتشديد القيود الاقتصادية على كوريا الشمالية من خلال الحفاظ على فرض عقوبات دولية مُدمِّرَة.

وينقل الكاتب تعليق دانا كيم التي تعمل في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية على هذا الأمر، حيث رجَّحت أن: «قنوات التواصل المباشر مع كوريا الشمالية قد تكون في حالة سُبات حاليًا، ولكن تعزيز التعاون الثلاثي يرسل رسائل واضحة وقوية للغاية إلى بيونج يانج».

ومع ذلك، هناك شعور في بعض الدوائر السياسية في كوريا الجنوبية يفيد أن كبار المسؤولين في الولايات المتحدة لا يركزون بما يكفي على التهديد الذي تُشكِّله كوريا الشمالية، نظرًا لانشغالهم في ملف الحرب الدائرة في أوكرانيا والتنافس الجغرافي والسياسي على نطاق أوسع مع الصين.

وتتضّمَن الانتقادات المُوجَّهَة إلى إدارة بايدن أنه على الرغم من عرضها إجراء مباحثات «في أي وقت وفي أي مكان»، فإنها لم تضع خارطة طريق مُفصَّلة لما تنطوي عليه هذه المباحثات. غير أن النقطة المقابلة لهذا النقد تعود إلى نقطة البداية: وهي أن أفضل الخطط الموضوعة لن تحقِّق نجاحًا إذا لم تُعرب كوريا الشمالية عن اهتمامها بإجراء مباحثات.

ما جدوى العقوبات المفروضة؟

ويبرز التقرير ما قاله مسؤول أمريكي رفيع المستوى سابقًا، طلب عدم الكشف عن هويته أثناء حديثه عن المداولات الداخلية في إدارة بايدن: «يتطلب إجراء الحوار مشاركة الجانبين وليس أحدهما دون الآخر، ويتلخص الأمر في حقيقة أن مسؤولي كوريا الشمالية لم يبذلوا جهدًا مماثلًا للجهود التي بذلناها».

وهناك تساؤلات تتعلق بجدوى فرض عقوبات على كوريا الشمالية. وعلى مدى عقود، وجدت بيونج يانج أو ما يُطلَق عليها المملكة المنعزلة (في إشارة إلى أي بلد يعزل نفسه عمدًا أو مجازًا أو فعليًّا عن باقي دول العالم) طرقًا لتفادي فرض عقوبات دولية وربط خزائنها بالعملة الأجنبية، على الرغم من أن واشنطن بذلت قصارى جهدها للحفاظ على اتخاذها خطوات استباقية.

وقد تزداد صعوبة هذا الأمر نظرًا لتوتُّر العلاقات بين واشنطن وبكين، في ظِل الدور الكبير الذي تضطلع به الصين في دعم اقتصاد كوريا الشمالية والدرجات المتفاوتة التي تُمكِّن بكين من إبطال مفعول العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية. وهناك حقيقة تفيد أنه في ظِل فرض عقوبات فعلية على اقتصاد كوريا الشمالية، لا تملك واشنطن أو حلفاؤها مزيدًا من الخيارات للضغط على الرئيس الكوري الشمالي كيم جونج أون.

ويختتم الكاتب تقريره مستشهدًا بما ذكره مون تشونج إن، كبير مستشاري الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي سابقًا ورئيس مجلس إدارة معهد سيجونج حاليًا، الذي قال: «لا أرى حقًا مجالات أخرى يمكن إضافتها إلى قائمة العقوبات المفروضة على بيونج يانج».







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي