أين المقعد الخلفيّ؟

2022-06-30

جو قارح

الآن،

وبينما الأشجار تهرب نحو الوراء،

أسمع صوتي بوضوح،

أشعر بكل حفرة يسقط فيها،

وهل من أذن دافئة تضمض له جراحه؟

في المقعد الخلفيّ،

الحياة تمرّ أبطأ من المعتاد،

تراها من بعيد،

تزحف على طول الخطّ المقابل،

ولا تصادف أمامها حائطًا تصطدم به،

أو ضوءاً تغفو في نوره،

أو غروبًا بريئًا تفرح لفرحه.

في المقعد الخلفيّ،

تجلس كلماتي بجانبي،

نسافر معًا،

حاملين الفضاء الشاسع في كوب كلام ضيق،

كوب قديم مهترئ،

ورثة الأمس الثمينة،

نعود،

مرغمين على تأمل النافذة نفسها،

الشمس، الهواء، الغيوم والطرقات المجردّة نفسها،

الرصيف العجوز الذي لم يتغير،

غبار الهواء الناشف،

كأنّ قساوة المقاعد الخلفية لا تكفينا.

أرجوك إجلسني قرب السّائق،

دعني أنفرد في معاتبة السماء،

في رجم الأفق بنظرات شاحبة،

لا أشعر برغبةٍ  قوية في الإسراع،

ولا في الوصول قبل الجميع،

فالطرقات جميعها لا تؤدي إلّا للطريق،

وهذه المشاهد الهاربة من كلا الجهتين،

أعرفها جيّدًا،

وأميّزها عندما تعبرني،

بعد أن أعبرها،

أعرفها جيّدًا،

فأناديها بأسمائها،

تلك المسافة الخالية اسمها: "ليلي"،

وذاك المعبر الضّيق "لحظات ضعفي"،

أما تلك الطّريق الهادئة،

حيث يشق فيها الضوء دربه بنفسه،

ولا يُسمع إلّا الضّجيج الضّروريّ،

فلا أميّز ملامحها بعد،

بل،

بالرّغم من كل حواسي وحدسي الثّاقب،

أترك لمشاعري التّائهة حقّ تقرير مصيرها

***

إن لم ترني على خطّ العودة،

حاملة رزمة أعذار،

شمسًا مركّبة على هوائي،

وسيجارةً لففت فيها غروبي،

فذلك لا يعني أنني لستُ عائدًا.

يصعب عليّ العودة من الباب الواسع،

من قمة جبل،

أو من عشاء فاخر،

فأنا من الرّصيف،

من عملاته الصّعبة،

لا أتحلّل لا تحت الوقت،

ولا فوق حجارته العجوز،

من الرّصيف،

وإليه أعود،

كل مرّة بوجه مختلف،

أعرض من سابقه،

لدرجة أنني أشعر أنّ وجهي سماء،

أو عرض بحر تحت الشمس يلتمع.

إن لم ترَني على خطّ العودة،

لا تخف،

قد تكون رحلتي انتهت قبل بدايتها،

وزاد الطّريق نسيته دون إذن،

فماذا أقول لخطواتي؟

أأمشي لأمشي،

أم لأترك مكانًا للآخرين ليتيهوا؟

أأعبر لأعبر،

أم لأشرح للعابرين مساوئ الانتظار؟

أأتوقف لأتوقف،

أم لأخاف من المجهول أكثر فأكمل الطريق؟







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي