سورة السيرة

2022-06-21

أحمد برقاوي

كلما أفرغتْ ذاكرتي

وتحررتُ من بعض الممض فيها

امتلأت بالأمض

وكلما غاب الفرح عن ذاتي

وراح في سبات طويل

أيقظه التداعي حين تمر من أمامي السماء

فينابيع الحياة لا تلقي بالاً لما أريد

عبثاً تحاول الممحاة نزع الخطوط السوداء من النفس

ولا تقرب الممحاة من الواحة الخضراء

خوفاً من الفناء

أيها العدم الحائم في دائرة الوجود

متشبثاً بأظافرك الوحشية

بتلابيب الذاكرة

هلا تواريت في الليل

عن وسادتي

كي أستصبح بأحلام وردية

تمنحني الرغبة في الفرح صباحاً

واستقبال الشمس التي لا يراها أحد غيري

هناك أشواق على الأرصفة لا تمل من الانتظار

وتلويحة نسيت ذاتها

وسكنت الأفق والفضاء

أيتها الأقفال التي تحرس القلوب المسجونة

من أن تطير في رحلة إلى من تحب

ما يسكن القلب

جني بيده خاتم سليمان

أسرار الذاكرة مثقلة بالقلوب وبالهموم

لا سر في الذاكرة

إلا ما نما شجراً في الذات

تستسقيه أمطارها

وحده شجر الذاكرة المختبئ في واحات الهوى

ممطر

يسقي ذاته من ذاته

والجذور تعزف موسيقى البقاء

بلا توقف وتأفف

أسبق الزمن كي أرى ما سيكون

ويلحق بي زمن كان

يناشدني أن لا أرميه في سلة نفايات العمر

أقهقه مندهشاً:

من قال بأني سيد على مشيئتي والزمان

لا الخواء وليد مشيئتي

ولا الامتلاء

أنا واحد ولست اثنين

فكيف لي أن أنفصل :

آمراً ومأموراً

ما أنا الذي ألقى البذار في ذاتي

هي الريح حملتها إليّ دون أن أدري

والشجر الذي أينع أينع دون أن أدري

ذاك الكائن الصندوق الخشبي

الذي يرتب أشياءه ليحفظها

خاوٍ من أناه

أنا المبعثر في البلاد

يتراءى للخلق بأني كثير

وأنا الواحد الذي يظهر

ويكتب سيرة الفيض

لا كما يشاء .

ونسير

على صِرَاط متعرج من الآمال

نسير

نخلق المعاني كي تخلقنا المعاني

وندري أن السقوط إلى الهاوية

قاب قوسين أو أدنى

رزنامة نحن على حائط الحياة

ذبول يتوإلى

والأيام كما السنون وهم من الوجود الساكن قلب العدم

والأزمان مِدىً تلهو بطعن الجسد الجموح

ثم تهديه لصمت الأبد.

لا زمن يمضي ولا زمن يأتي

ولا زمن يقيم

ظنٌ هو الشروق وظن هو الغروب

والعقل ينحت الغايات من صخور العبث

لينسينا الدروب إلى اللاوجود

هو الزمن كذبتنا الكبيرة

نحاور الكون السرمدي

والسرمدي يهزأ بالبدايات

ويسخر بالنهايات ومنا

والأزل هو الأبد

والأبد هو الأزل .

أخرج من لا معنى الزمان إلى غاب الحياة

لأعود إليّ

إلى رحلتي الآتية من رحلتي الغائبة

إلى نَعماتي ولاءاتي

إلى ما أريد وما لا أريد

وأسألني: أي الصوى تدل على دربك الطويل يا غريب

واغبط ذاتي التي تضحك مقهقهة

وتقول لأناي الذي لا يرسو على حال:

عن أي الصوى تبحث يا غريب

فما أكثر دروبي على هذه الأرض

وأرفع كأس الخمرة احتفالاً بالحياة

منشدا، غير مكترث بأنياب العدم،

باخوس أنا يا عشتار

٭ ٭ ٭

كلما نظرت خلفي

وتراءت لي رحاب العدم ورائي

وآثار أقلام الأولين وريشاتهم وأقواس النصر

وقصورهم

عدتُ إلى التساؤل عن معناي ومعناهم

وسخرت من الأفق الذي أمامي.

وكلما ذهبت بعيداً في الحلم

ثملاً من شدة الفرح

يسلمني ساعي الزمن رسائل من نيتشه سارتر وآبائه وأجداده

رسائل أعرف المخطوط فيها

وكتبت للخلق ما يبزها

فأرميها في سلة نفايات الأسئلة القابعة قرب منضدتي

سلتي المملوءة بآلاف الرسائل

المرسلة لي من آيام سقراط

وأستمتع بالشك وألعاب العقل

لكن يقيناً واحداً كاف ليسلبني فرح الاحتفال بالوجود

لم أكن مرة بحاجة لأبي العلاء

وهيدجر كي يدلاني على الطريق

ورغم أن الأفق يغريني دائماً ويمنحني الرغبة بالوجود

لكن يكفي أن أنظر ورائي نظرة واحدة

كي أرى وجه اليقين المطلق:

العدم

فأكف عن التساؤل عن معناي ومعنى الخلق .

أكاديمي وشاعر فلسطيني سوري







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي