إدارة الأمن بعد الحرب..سياسة التغيير المؤسسي في القطاع

2022-06-16

غلاف الكتاب

لويس ألكسندر بيرج*
ترجمة وعرض: نضال إبراهيم


أصبحت المساعدة الأمنية أكبر عنصر مؤثر في جهود بناء السلام الدولية وتحقيق الاستقرار وأداة أساسية للاستجابة للحروب الأهلية والتمرد. لا يقوم المانحون وقوات حفظ السلام بتدريب وتجهيز القوات العسكرية وقوات الشرطة فحسب؛ بل يسعون أيضاً إلى إصلاح هيكلها الإداري والرقابي. ومع ذلك، لا نعرف إلا القليل عن سبب نجاح هذه الجهود أو فشلها. هذا ما يركز عليه هذا الكتاب.

انتهت جهود إعادة هيكلة قوات الأمن في العراق وليبيا وجنوب السودان وتيمور الشرقية وجمهورية الكونغو الديمقراطية إلى قتال بين الفصائل، وساعدت جهود مماثلة في ليبيريا وسيراليون والسلفادور وموزمبيق والبوسنة والهرسك على تغيير قوات الأمن ودعم السلام. ما الذي يفسر النتائج المتناقضة لجهود إعادة هيكلة قوات الأمن بعد الحرب الأهلية؟ ما هو دور التدخل الخارجي في هذه النتائج؟
نشأت الأسئلة المركزية في هذا الكتاب من خلال تجربة المؤلف الخاصة في العمل في برامج المساعدة الأمنية والعدالة، يقول موضحاً: «كلما زاد الوقت الذي أمضيته في هذا العمل، تساءلت أكثر عن متى وكيف تحقق المساعدة الدولية أهدافها، وكيف تؤثر الحقائق السياسية في النتائج؟».


تشير الحجج والأدلة في هذا العمل إلى إجابات لبعض هذه الأسئلة، وتقترح أن التدخل الخارجي يمكن أن يساعد، لكن مدى ونوع التأثير يعتمدان على السياق الداخلي. يعاين لويس ألكسندر بيرج في هذا الكتاب الصادر باللغة الإنجليزية، عن مطبعة جامعة أكسفورد (15 فبراير 2022) الأبعاد السياسية للحوكمة الأمنية من خلال مقارنة منهجية بين عدد من الدول، ويرى بأن مدى اعتماد صانعي السياسة في الدولة للتغييرات في إدارة ومراقبة قوات الأمن يعتمد على الديناميكيات السياسية في الداخل، وتحديداً الدرجة التي يحتاج إليها القادة لتوطيد سلطتهم.
يعتمد بيرج على مجموعة ضخمة من البيانات المرتبطة بحوكمة الأمن والبحوث الميدانية ويستخلص تداعيات جديدة تساعد على شرح تكرار الحرب الأهلية وتأثير المساعدات الخارجية على بناء السلام. كما يقدم توصيات عملية للتغلب على التحديات السياسية للتغيير المؤسسي في البلدان المتأثرة بالصراعات، ساعياً إلى شرح نجاح وفشل المساعدة الدولية في البلدان، التي مزقتها الحروب وتسليط الضوء على سياسات بناء السلام.

لماذا حوكمة الأمن؟
تعد قوات الأمن مركزية للعديد من الأهداف الأساسية للمشاركة الدولية في البلدان المتضررة من النزاعات، وذلك للحد من مخاطر الحرب الأهلية إلى تعزيز آفاق التنمية الاقتصادية وإرساء الديمقراطية. يميل صناع السياسات إلى التركيز على قدرة القوات العسكرية وقوات الشرطة لردع التهديدات. ومع ذلك، تشير الكثير من الأدلة إلى أن تأثيرات قوات الأمن على العنف الداخلي والسلام ترتبط ارتباطاً وثيقاً بطريقة حكمها، وقد تم الربط بين القوات العسكرية والشرطة القمعية أو التعسفية مع ارتفاع مخاطر اندلاع الحرب الأهلية ومدتها وتكرارها. يعلق المؤلف على ذلك بقوله: «يميل أفراد الأمن الذين يتم تجنيدهم عبر شبكات عرقية أو طائفية إلى تفاقم التوتر الطائفي وتأجيج التمرد، وتفشي الفساد والاختلاس في الشؤون المالية العسكرية والمشتريات، ما يمكن أن يزيد من تصاعد الحرب الأهلية»، مضيفاً: «ارتبطت الإجراءات التي تعزز الرقابة المدنية أو المساءلة أو التنوع في قوات الأمن بانخفاض خطر اندلاع الحرب الأهلية وتكرارها. ركزت الأبحاث المتعلقة بإنهاء الحرب الأهلية وتكرارها في المقام الأول على آثار التدابير الفورية بعد الحرب، مثل نزع السلاح ودمج الميليشيات في القوات المسلحة. يمكن للجهود المبذولة لتنويع الضباط أن تخفف من الشعور بالإقصاء وتمنع المتمردين من التعبئة. يمكن أن تسهم زيادة استجابة الأجهزة الأمنية لاحتياجات السلامة العامة في الاستقرار من خلال تعزيز شرعية الدولة.. ويُنظر أيضاً إلى قوات الأمن الفعالة والمحكومة جيداً على أنها ضرورة لمغادرة قوات حفظ السلام الدولية وتحقيق الاستقرار».
لقد عكست المشاركة الدولية في الدول المتأثرة بالنزاع هذه المخاوف بشكل متزايد، وسعت الجهات المانحة والمنظمات الدولية نطاق مشاركتها مع القوات العسكرية والشرطة من برامج «التدريب والتجهيز» التقليدية عبر مزيد من الاهتمام المتسق بالحوكمة. يعكس هذا الاتجاه التقارب بين العديد من الأهداف السياسية على مدى العقود الثلاثة الماضية. يذكر المؤلف أنه «بعد الحرب الباردة، وسعت دول الناتو اهتمامها لتعزيز السيطرة المدنية على القوات المسلحة بغية دعم الانتقال إلى الديمقراطية في أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية. في أعقاب 11 سبتمبر 2001، تحولت أولويات المساعدة الأمنية للولايات المتحدة ودول الناتو الأخرى إلى مكافحة الإرهاب، لكن العمليات واسعة النطاق في أفغانستان والعراق ركزت اهتمامها على تعزيز الحوكمة الأمنية كأساس لعمليات فعالة. خلال هذا الوقت، زادت الأمم المتحدة أيضاً تركيزها على المؤسسات الأمنية كجزء من عمليات السلام المتعددة الأبعاد. وقد دعت مراجعة لعمليات السلام التي قامت بها لجنة في الأمم المتحدة في أواخر التسعينات، والمعروفة باسم تقرير الإبراهيمي، (سمي على اسم رئيس اللجنة التي أنتجه وهو الأخضر الإبراهيمي) إلى مزيد من الاهتمام بتقوية الدولة، لاسيما مؤسسات الأمن والعدالة. للدليل على أن انعدام الأمن الذي تسببه قوى الأمن التابعة للدولة يعيق التنمية الاقتصادية».

إصلاح قطاع الأمن
يرى المؤلف أن الأهداف المذكورة أعلاه تقاربت بشكل أوضح في برامج إصلاح قطاع الأمن، قائلاً: «يُنسب مفهوم إصلاح القطاع الأمني عموماً إلى خطاب ألقته كلير شورت، وزيرة الدولة البريطانية للتنمية الدولية عام 1999، في إشارة إلى جهود المملكة المتحدة في سيراليون لدمج تمويل الأمن والتنمية لإعادة هيكلة قوات الأمن».
ويقول أيضاً في هذا السياق: «في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، نشرت لجنة المساعدة الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية سلسلة من أوراق السياسات حول إصلاح القطاع الأمني والتي دعت المانحين إلى زيادة قدرة البلدان الشريكة على تلبية مجموعة من الاحتياجات الأمنية داخل مجتمعاتهم بطريقة تتواءم مع المعايير الديمقراطية ومبادئ الحكم السليم، بما في ذلك الشفافية وسيادة القانون»، مضيفاً: «يتجذر مفهوم إصلاح القطاع الأمني في مفهوم «الأمن البشري» الذي يعطي الأولوية لسلامة ورفاه الأفراد والمجتمعات».
يذكر المؤلف أن المنظمات متعددة الأطراف تبنت مفهوم إصلاح القطاع الأمني، لاسيما في الأماكن المتأثرة بالنزاع، قائلاً: «أكدت الأمم المتحدة على مبادئ إصلاح القطاع الأمني من خلال تقرير صدر عام 2008 عن الأمين العام للأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن اللاحقة التي تنص على أن «إصلاح قطاع الأمن في بيئات ما بعد الصراع أمر بالغ الأهمية لتوطيد السلام والاستقرار. فوحدات إصلاح قطاع الأمن مكلفة ببناء «آليات قوية للحوكمة والرقابة والمساءلة»»، مضيفاً: «سلط البنك الدولي الضوء على إصلاح قطاع الأمن باعتباره أحد الركائز الثلاث للمشاركة الدولية في البلدان المتضررة من النزاعات. دعا الاتحاد الإفريقي إلى دعم «إنشاء آليات للحكم الديمقراطي والمساءلة لقطاع الأمن» كأولوية قصوى لمشاركته في البلدان التي مزقتها الحروب».
عملت الولايات المتحدة والمانحون الآخرون أيضاً على توسيع نطاق اهتمامهم بالحوكمة الأمنية، على الرغم من أنهم لم يتبنوا دائماً مفاهيم إصلاح القطاع الأمني، ويعلق على ذلك بالقول: «أدرج معظم المانحين الأوروبيين مبادئ إصلاح القطاع الأمني رسمياً في سياسات المساعدة الإنمائية والأمنية بحلول أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، على الرغم من تعرضهم لانتقادات بسبب عدم اتساق الاهتمام بهذه الأهداف.

ترسيخ الاستقرار السياسي
يركز المؤلف في معظم فصول الكتاب على أن الحوكمة الأمنية تنعكس في صراعات نهائية على السلطة السياسية، قائلاً: «بينما تسعى النخب الحاكمة إلى إقامة سلطتها أو الحفاظ عليها، فإنها تواجه تحديات وضغوطاً من مصادر متعددة من داخل أحزابها وائتلافاتها، ومن الفصائل والأحزاب المتنافسة، ومن الجمهور، وأحياناً من قوات حفظ السلام الخارجية والجهات المانحة. تدور هذه المنافسات داخل وحول مؤسسات الدولة، لاسيما حول قوات الأمن. عندما تكون المؤسسات الرسمية ضعيفة، تميل النخب الحاكمة إلى الاعتماد على الممارسات غير الرسمية لإدارة التحديات السياسية الداخلية؛ وما هو مؤكد أن ممارسات الحوكمة الأمنية غير الرسمية، بما في ذلك التوظيف والتعيين الحصريين، والتسلسل القيادي غير الرسمي، والتخصيص الانتقائي للموارد، وضعف المساءلة، يضمن أن تظل قوات الأمن موالية لها وتخدم مصالحها السياسية».
يؤكد المؤلف في الفصل الأول من الكتاب أن «إضفاء الطابع المؤسسي على الحوكمة الأمنية، من خلال اعتماد وإنفاذ قواعد رسمية لتعيين الموظفين وتوسيع الرقابة المدنية وتعزيز المساءلة، من شأنه أن يحسن من فعالية قوات الأمن، لكنه قد يهدد أيضاً أسس سلطة النخب الحاكمة».
يعرّف المؤلف في الفصل الثاني أولاً مفهوم الحوكمة الأمنية بمزيد من العمق، ثم يحدد كيف تؤثر الشبكات السياسية ومصادر الإيرادات في قوات الأمن، بالاعتماد على نظريات تشكيل الدولة والعلاقات المدنية العسكرية، ثم يعاين كيف تختلف أدوار وتأثير الجهات الخارجية باختلاف الديناميكيات السياسية الداخلية.
يتتبع المؤلف في الفصول التالية كيفية تأثير الشبكات السياسية ومصادر الإيرادات على الحوكمة الأمنية ومدى تفاعلها مع المساعدة الخارجية في ثلاثة بلدان ما بعد الحرب الأهلية.
يركز المؤلف في الفصل الرابع على تأثيرات الشبكات السياسية في البوسنة والهرسك، ويقول عن ذلك: «بعد اتفاق السلام، ظلت الأحزاب القومية المتماسكة مهيمنة سياسياً في ولايات قضائية منفصلة، وسيطرت على قوات عسكرية وشرطية منفصلة، وعارضت إعادة الهيكلة. في أوائل عام 2002، أدى الانقسام في أحد الأحزاب الحاكمة إلى فتح باب الإصلاح الدفاعي. مع انقسام الحزب داخلياً، سعت النخب الحاكمة للحصول على دعم خارجي لتحييد المتشددين داخل حزبهم، واستولت الجهات الفاعلة الخارجية على هذه الفرصة للتفاوض على إصلاح الدفاع. عرقل السياسيون إصلاحات مماثلة للشرطة، مع ذلك، ظلت شبكاتهم المتماسكة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بفصل قوات الشرطة.
ويسلط الضوء على تيمور الشرقية في الفصل الخامس وتحديداً على آثار الإيرادات غير المقيدة من خلال مقارنة الشرطة الوطنية في 1999-2005 وفي 2006-2010. يقول عن ذلك: «انتهى النضال الذي دام عقوداً من أجل استقلال تيمور، باستفتاء عام 1999، ونشر عملية سلام تابعة للأمم المتحدة، وإنشاء دولة مستقلة في عام 2002. مكنت في البداية الشبكات المجزأة والإيرادات المحدودة، الأمم المتحدة من التأثير في تطوير الشرطة. ومع ذلك، فإن الإطار الزمني القصير والاهتمام المحدود بأنظمة الرقابة ترك الشرطة عرضة للضغط السياسي. كما سعت شبكة متماسكة لممارسة نفوذها وبدأ ريع النفط في التدفق، واشتدت التوترات ثم اندلع العنف بين الفصائل داخل قوات الأمن. من عام 2006 إلى عام 2010، وزع حزب حاكم جديد ريع النفط لحشد الدعم والسيطرة على قوات الأمن. ساعد هذا النهج على تحقيق الاستقرار، لكنه منع الرقابة والمساءلة وقوض النفوذ الخارجي».
يقدم المؤلف في الفصل السادس مجموعة من بيانات حوكمة الأمن في فترة ما بعد الحرب، تتضمن مقاييس مفصلة للحكم على القوات المسلحة في جميع الدول التي عانت الحرب الأهلية من 1960 إلى 2012. ثم يحلل العلاقة بين الظروف السياسية الداخلية وحوكمة الأمن قبل الانتقال إلى معاينة التفاعل في المساعدة الدولية مع الظروف المحلية. يعلق على ذلك قائلاً: «على الرغم من أن التحليل الإحصائي لا يمكنه إثبات العلاقة السببية، فإنه، إلى جانب دراسات الحالة النوعية، فإنه يوفر دليلاً قوياً على أن السياسة الداخلية - خاصة الشبكات والموارد - تشكل حوكمة الأمن حتى في البلدان ذات التدخل الدولي النشط».
يعرض المؤلف في الفصل الأخير الاستنتاجات الرئيسية للدراسة والآثار المترتبة عليها بالنسبة للنظرية والسياسة والممارسة. يلخص أولاً النتائج التجريبية ويناقش الرؤى النظرية المتعلقة بالتغيير المؤسسي وبناء السلام والمساعدة الدولية، ثم يتحول إلى الآثار العملية والسياساتية. يستكشف أيضاً كيف يمكن لبرامج المساعدة الدولية أن تتغلب بنجاح على التحديات السياسية لحوكمة الأمن، ويرى أن المساعدة الأمنية يمكن أن تساعد على إحلال السلام بعد الحرب الأهلية، لكنها محفوفة بالتحديات، فضلاً عن أن دراسة الدور السياسي للفاعلين الخارجيين يلقي الضوء على إمكانيات وحدود المساعدة الدولية في البلدان التي مزقتها الحروب.

* لويس ألكسندر بيرج أستاذ مساعد للعلوم السياسية بجامعة ولاية جورجيا. يركز في أبحاثه على أسباب ونتائج الصراع العنيف والجريمة في البلدان النامية، وآثار برامج المساعدة الأمنية الدولية وبناء السلام. عمل في برامج بناء السلام والمساعدة الأمنية في عدد من الدول، وعمل مستشاراً للأمم المتحدة والبنك الدولي وحكومة الولايات المتحدة. وهو حاصل على دكتوراه من جامعة جورجتاون، وماجستير من جامعة برينستون، وبكالوريوس من جامعة براون.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي