في ظل اقتصاد مُنهَك.. إلى أين وصلت مساعي أردوغان لإنعاش الليرة التركية؟

الأمة برس - متابعات
2022-06-14

الليرة التركية تراجعت كثيراً خلال الأشهر الأخيرة (ا ف ب)

نشر موقع «ميدل إيست آي» تقريرًا أعدَّه يوسف سلمان أنانك، المهتم بالشؤون التركية، ناقش فيه تداعيات الاقتصاد التركي المُنهَك والجهود التي يبذلها الرئيس رجب طيب أردوغان وحكومته لإنقاذه، مشيرًا إلى تراجع الليرة التركية في الأشهر الأخيرة مرةً أخرى، في ظِل ارتفاع تكلفة المعيشة في المقابل.

يستهل الكاتب تقريره بالإشارة إلى استمرار انخفاض الليرة التركية انخفاضًا مُطردًا مقابل الدولار الأمريكي، إذ تعادل قيمة الدولار الواحد حاليًّا أكثر من 17 ليرة، وهو أدنى مُعدَّل وصلت إليه الليرة خلال الأشهر الستة الماضية. وفي العام الماضي، انخفضت قيمة الليرة بنسبة 22%، ويُعد سعر الصرف الحالي أعلى بنحو 100% مما كان عليه في هذا الوقت من العام الماضي. وفي الوقت ذاته، ارتفع مُعدَّل التضخُّم السنوي إلى أكثر من 70%، وهو أسوأ مُعدَّل وصله منذ عام 1998.

وغالبًا ما يُنظر إلى رفع أسعار الفائدة بوصفه إحدى أدوات خفض التضخُّم، غير أن الحكومة التركية تُصرُّ على إبقاء أسعار الفائدة منخفضة وتعزيز الصادرات بوصفها طريقة لإدارة الأزمة، ولكنَّ العجز التجاري لا يزال يستمر في النمو في ظِل ارتفاع أسعار الطاقة على صعيد عالمي. وردًّا على ذلك، اتَّخذت الحكومة التركية عدة إجراءات، إلى جانب أدوات مالية جديدة، في محاولة لخفض هبوط الليرة وتقليل عبء التضخم.

أسعار الفائدة

يشدِّد التقرير على أنه أصبح من الحقائق المعروفة أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحكومته يعترضون بشدة على رفع أسعار الفائدة، على الرغم من انخفاض قيمة الليرة وارتفاع مُعدَّل التضخم وارتفاع حجم التعامل بالدولار في حسابات الإيداع.

وتعتقد الحكومة التركية أن النموذج الاقتصادي التركي يستطيع أن يدير التضخُّم المتزايد من خلال اتخاذ خطوات لحماية أصحاب الدخل المنخفض والمتوسط. وفي الوقت الحالي، يُبقي البنك المركزي التركي سعر الفائدة عند 14% بينما يبلغ مُعدَّل التضخم أكثر من 70%.

ومع أن البلدان الأخرى التي تواجه انخفاضًا في مُعدَّلات التضخم تختار رفع أسعار الفائدة، تعتقد الحكومة التركية أنه من الممكن تنمية الاقتصاد والحفاظ على انخفاض أسعار الفائدة. وكان وزير المالية والخزانة، نور الدين نبطي، قد أوضح أن التضخُّم سينخفض في العام المقبل، وهو ما يُمكِّن تركيا من خفض أسعار الفائدة.

ووفق التقرير، ومع استمرار المعارضة وكثير من الاقتصاديين في مطالبة الحكومة التركية بزيادة أسعار الفائدة حتى تتفادى هبوط الليرة، استبعد أردوغان هذه الخطوة في خطاب ألقاه يوم الاثنين الماضي، مشدِّدًا على أن «هذه الحكومة لن ترفع أسعار الفائدة».

وبدلًا من ذلك، طرح أردوغان سببين لارتفاع تكاليف المعيشة: وهما ارتفاع حجم التعامل بالدولار في حسابات الودائع واعتماد تركيا المفرط على الواردات. كما وعد الرئيس التركي مرارًا بأن حكومته ستتخذ الخطوات اللازمة لحماية المواطنين من أصحاب الدخل المنخفض ومنع تحويل حسابات الودائع بالليرة مقابل الدولار.

ولبلوغ هذه الغاية، ضاعفت الحكومة التركية الحد الأدنى للأجور في يناير (كانون الثاني)، وحصل موظفو الدولة على زيادة بلغت قرابة 30% في رواتبهم، فضلًا عن الوعود التي قطعتها الحكومة بتوفير زيادة أخرى في يوليو (تموز).

وعلاوةً على ذلك، بحسب ما يضيف التقرير، استحدثت الحكومة إجراءً في ديسمبر (كانون الأول) يهدف إلى وقف تحويل الودائع داخل تركيا إلى الدولار من خلال ضمان أن حسابات التوفير بالليرة ستحصل على العائد ذاته مثل أسواق البورصة. وإذا انخفضت أسواق البورصة إلى ما دون أسعار الفائدة الرسمية، فسيظل المستثمر يحصل على عائد سعر فائدة رسمي. وتمثَّل الهدف من هذا الإجراء في جذب مستثمرين من دون زيادة أسعار الفائدة.

ووفقًا لبيانات البنك المركزي، فعلى الرغم من اتخاذ هذه الإجراءات، ارتفع مُعدَّل المُدَّخرات بالعملة الأجنبية في البنوك التركية بواقع 80% منذ يونيو (حزيران) 2021، بزيادة تبلغ 15% عن الليرة. ونجح هذا الإجراء في مساعدة الليرة على اكتساب قيمة بلغت نحو 30% واستقرارها لما يقارب ثلاثة أشهر. غير أن الغزو الروسي لأوكرانيا والزيادة اللاحقة في الأسعار العالمية للمواد الغذائية والسلع مرةً أخرى أدى إلى التعجيل بانخفاض الليرة.

وفي نهاية المطاف، أعلنت وزارة الخزانة والمالية التركية مساء الخميس أن المستثمرين سيستمتعون «بالسندات المحلية المُقيَّدة بدخل شركات حكومية» من دون تقديم مزيد من التفاصيل حول كيفية عمل هذا النظام. وبعد هذا البيان، تأرجحت الليرة بين مكاسب وخسائر تصل إلى 2%، ولكنَّ الدولار استعاد سعره السابق حتى ظهر يوم الجمعة.

ارتفاع قيمة العملات الأجنبية

وينوِّه التقرير إلى أن قيمة الليرة انخفضت بواقع 22% منذ يناير، كما تعرَّضت لتقلُّبات قوية في أسواق البورصة الأجنبية. وتعتقد الحكومة التركية أن الليرة الضعيفة تُتيح فرصة أمام البلاد حتى تزيد صادراتها بعد أن أصبحت أكثر قدرة على المنافسة، وأن اقتراب تركيا من الأسواق الدولية، مثل أوروبا، يوفِّر ميزة أخرى لجهات التصدير في البلاد في خِضمِّ الارتفاع العالمي في أسعار وسائل النقل.

وجاء ارتفاع قيمة الدولار مقابل الليرة بسبب مجموعة من المشكلات والسياسات في الاقتصاد التركي ونتيجة لها أيضًا. وتسبَّب ارتفاع مُعدَّل التضخم وزيادة العجز التجاري في كثير من المشكلات الأخرى، بما في ذلك الزيادة الكبيرة في تكلفة الأغذية الأساسية وأسعار المنازل، والتي بدورها دفعت الحكومة إلى اتخاذ تدابير، مثل خفض مُعدَّلات الرهن العقاري للراغبين في شراء منازل لأول مرة وزيادات رواتب موظفي الدولة مرةً أخرى. ومع ذلك، لا يزال ضُعف الليرة يعني زيادة العجز التجاري في الوقت الذي تتجاوز فيه واردات تركيا صادراتها.

وفي مايو (أيار)، وفقًا لمعهد الإحصاء التركي، بلغت الصادرات 18.97 مليار دولار، ولكنَّ الواردات بلغت 29.65 مليار دولار. ومنذ بداية هذا العام، استمرَّت الفجوة بين الواردات والصادرات في الاتساع. وعلاوةً على ذلك، يرى الكاتب أنه في ظل تسبُّب الحرب في أوكرانيا في انخفاض عدد السائحين القادمين إلى تركيا، وهي أحد الطرق الرئيسة لتوفير العملة الصعبة داخل البلاد، سيزداد هذا العجز بصورة أكبر بحلول نهاية الصيف.

كما أدَّى انخفاض الليرة بصورة مطردة إلى ارتفاع مُعدَّل مقايضات الائتمان في حالات التخلف عن السداد حاليًّا في تركيا. ويشير هذا الأمر إلى مستوى المخاطرة في البلاد فيما يخص المستثمرين. وتُعد مقايضات الائتمان في حالات التخلف عن السداد لخمس سنوات حاليًّا عند أسوأ مُعدَّل منذ عام 2008، وهو ما يزيد من صعوبة اقتراض الأموال بسعر معقول.

ارتفاع التضخم

ويؤكد الكاتب أن مُعدَّل التضخم في تركيا يرتفع باطراد. وفي مايو، وصل هذا الارتفاع إلى ذروته عندما بلغ 73.5%، وهو أعلى مُعدَّل وصله منذ عام 1998. ويرجع ارتفاع مُعدَّل التضخم هذا إلى انخفاض قيمة الليرة وزيادة أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية، وهو ما يُذكِّرنا بالأزمات الاقتصادية التي عصفت بتركيا في تسعينيات القرن الماضي.

ومع ذلك، وعلى الرغم من هذا الارتفاع، أعلن أردوغان أن التضخُّم يتجه نحو الانخفاض، مُلقيًا باللوم في هذه المشكلة على الأزمة العالمية. وأضاف الرئيس التركي أن حكومته «ستبحث عن طُرق كفيلة بتخفيف عبء تكلفة المعيشة»، مُجدِّدًا التزامه بنموذجه الاقتصادي. ويعتقد أردوغان أن التعزيز المتوقع للإنتاج سيعجِّل بانخفاض مُعدَّل التضخم.

وفي الوقت ذاته، أكَّد نبطي أن هذا النموذج يساعد الشركات المُصنِّعَة والمُصدِّرة وليس أصحاب الدخل المنخفض. وعقب استقبال نبطي لانتقاداتٍ لاذعة، أصدر وزير الخزانة تصويبًا لبيانه أوضح فيه أن السياسات الاقتصادية الحالية تهدف إلى تشجيع الاستثمار والإنتاج والصادرات والتوظيف من أجل توفير الرفاهية لكل فئة من فئات المجتمع، بما في ذلك أصحاب الدخل المنخفض.

ويستدرك كاتب التقرير قائلًا: غير أن الإنتاج يرتبط ارتباطًا وثيقًا باستيراد البضائع والسلع الأساسية. وفي ظل افتقار تركيا إلى أي احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي أو النفط، تضطر أنقرة إلى أن تدفع أسعار الطاقة والسلع الأساسية العالمية بالدولار في وقت تكون فيه الليرة عند أضعف نقطة لها.

ولا تقتصر أهمية النفط والغاز الطبيعي على كونهما ضروريين للمصانع في البلاد، ولكنهما ضروريان للمزارع أيضًا، ولذلك يؤدي ارتفاع الأسعار العالمية إلى ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية المُنتجَة محليًّا.

وفي مايو، أوضح معهد الإحصاء التركي أن متوسط الارتفاع السنوي في أسعار المواد الغذائية بلغ 91.63%، و107.62% لوسائل النقل. وفي الحقيقة، بلغ سعر لتر الديزل 6.8 ليرات في يونيو 2021 ويبلغ سعره حاليًّا 27.89 ليرة، وهو ما يُمثِّل زيادة بنسبة 300%.

ويرى الكاتب أنه تماشيًا مع ارتفاع التضخُّم، تضاعف سعر مواد البناء أيضًا، وهو ما جعل تركيا تواجه إحدى أسوأ أزماتها العقارية في العقود القليلة الماضية. ووفقًا لتقرير نشره البنك المركزي التركي في أبريل (نيسان)، تضاعفت أسعار المنازل خلال عام، فضلًا عن ارتفاع أسعار إيجار العقارات.

وأثارت هذه الزيادات الكبيرة في الأسعار قلق الشعب التركي بصورة بالغة، وردًّا على ذلك، استحدثت الحكومة التركية نظام قروض رخيصة جديد للأشخاص الذين يشترون منازل لأول مرة، تلك المجموعة التي تواجه أحد أصعب التحديات. ويختم الكاتب تقريره بالإشارة إلى أن الحكومة التركية أكَّدت أن أي زيادة في إيجارات العقارات حتى 1 يوليو 2023 كانت مُقيَّدة بنسبة 25%، في محاولة للحد من ارتفاع هذه الإيجارات.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي