المصري أيمن عبد العزيز: المغرب يحتاج لتقديم صور بديلة تظهر وجهه الحقيقي

2022-06-14

حاوره: عبدالله الحيمر

كان أدب الرحلة علامة فارقة قديما، حيث كان أدبا أنثروبولوجيا، يضم مختلف أنواع الثقافة الإنسانية. فن موغل في الزَمنِ بدأ عربيا مع امتداد فضاء الإمبراطورية الإسلامية، حيث مكننا ذلك النسق التاريخي من قراءة رحلات ابن بطوطة (التي ترجمت إلى نحو 50 لغة) وابن جبَیر وابن فضلان، ورحلات ليون الافريقي. لقد وجد الرحالة العرب، الترحال فرصة لإبراز جوانبهم الإنسانية أيضا وفرصة لانعكاس تصوراتهم لكل ما يرونه عن أنماط الحياة الاجتماعيّة والنظم السِياسية، وتَلاقُحِ الحضارات وتحالف ثقافاتها. في هذا الحوار نحاول الاقتراب من روح هذه الرحلة المعاصرة في الزمن المغربي الحديث، مع الصحافي المصري أيمن عبد العزيز، صاحب كتاب «المغرب بعيون مصرية»..

كيف تقيّم كتابك «المغرب بعيون مصرية» كتوثيق أنثروبولوجي للمشارقة نحو المغرب؟

أستطيع أن أقول الآن بعد مضي فترة من الزمن كافية للتقييم والمقارنة مع تجارب الآخرين، إن هذا الكتاب يمثل عملا جادا ومعاصرا في التعرف بشكل مبدئي على المغرب، والتعريف به ونقل صور منصفة لهذا البلد الجميل، إلى مصر والمشرق العربي، من خلال تقديم تصور معرفي مبني على المعايشة الواقعية والتجربة الشخصية الحية، من وجهة نظر ثقافية مصرية بطبيعة الحال، ودون اعتماد على الكتب والمعلومات والاقتباسات التاريخية التي تفتقر للحياة والروح، مقابل تمثلات وصور نمطية قديمة ومشوهة، وظالمة في أغلب الأحوال، ولا تأخذ في الاعتبار مطلقا ما عليه المغرب بالفعل كبلد ومجتمع وكثقافة بشكل حقيقي وواقعي ومعاصر.

بعيون رحالة مصري معاصر، كيف رأيت المغرب الحديث، من حيث الهوية المتعددة والتراث والطقوس والوعي والثقافة؟

المغرب يتميز بميزات جغرافية وتاريخية فريدة، جعلته بلدا متعدد الجذور والموارد الثقافية وصاحب حضارة كبيرة تتبدي ملامحها في كل مدنه، وفي ثقافة شعبه التي تعكس كل ذلك التاريخ المتعدد الطبقات والمؤثرات، ومنحه ذلك سمات فريدة فهو بلد تقليدي محافظ، وفي الوقت نفسه في قلب الحداثة والعصرنة، فمن ناحية المعمار تجد فيه المدن العتيقة أو التاريخية وتجد فيه العمارة العصرية، ومن ناحية الثقافة والهوية فهو بلد عربي وأمازيغي، افريقي وذو سمات أوروبية أيضا بكل ما لهذه الروافد الثقافية من ملامح فكرية وطقوس ثقافية وفنية واجتماعية ودينية واقتصادية. لكن أكثر ما يميز البلد كمكان وكثقافة هو، أنه بلد يتجسد فيه التاريخ حيا أمامك في لحظة واحدة عندما يتماهى السكان بأزيائهم التقليدية مع المكان، خاصة أيام الجُمَع في المدن العتيقة في مشهد بديع، وعلى مستوى الثقافة والوعي الحضاري لا تغيب أبدا تلك المؤثرات المتجاورة في الشخصية المغربية، وفي السياق الحياتي المعاش.

وكيف كان السفر في الزمن المغربي تخييلا وواقعا؟

السفر منحني فرصة الالتقاء والتعرف على الشخصية المغربية التي أراها شخصية متحضرة ومثقفة، بحكم واقعها التاريخي والجغرافي، منفتحة ومتأثرة بكل ما مرّ بها من مؤثرات ثقافية وحضارية، وأرى أن هناك التقاء وتشابها كبيرا بين المغاربة والمصريين في عدة صفات منها، أن كليهما في الأساس نتاج حضارة زراعية، بما تعكسه من مكونات بشرية متشابهة يغلب عليها الطيبة والكرم، المرح والانفتاح، وحب الحياة والفكاهة، إن كان المغرب يبدو لي بحكم جغرافيته ومساره السياسي أكثر انفتاحا، مقابل جنوح المحافظة والانغلاق لمصر، خاصة خلال ثلاثة أرباع القرن الماضي.

وماذا عن شهادتك كمصري عن المغرب، خاصة بعد اكتشافه والكتابة عنه؟

المغرب بلد كبير ومتنوع، لذلك تجد فيه أحيانا وللوهلة الأولى بعض المظاهر التي قد تبدو متناقضة. فهو مثلا بلد محافظ، ثقافيا ودينيا، لكنه أيضا بلد عصري ومنفتح، بلد ثري بموارده الطبيعية والاقتصادية، لكنه أيضا مجتمع طبقي بشكل واضح، وفيه الكثير من ملامح الفقر خاصة في الأطراف البعيدة والمنسية، لكن مع التعمق أكثر في المعرفة نجد أن الصورة المتداولة عن هذا البلد يشوبها الكثير من القصور والتجني في الحكم عليه، ولذلك أظن أنه ضحية لغياب إعلامي أكثر إنصافا في التعبير عنه وتقديمه للآخرين، خاصة في المشرق، بصورته الجميلة والواقعية، دون التوقف عند بعض السلبيات التي لا يخلو منها أي بلد، ومن يسعى لاكتشاف المغرب دون تأثر بالأفكار المسبقة، فسيعجبه للغاية ويصبح بالنسبة له اكتشافا عجيبا ومثيرا، سواء على مستوى المكان أو على مستوى البشر. ولذلك فالمغرب يحتاج لتقديم صور بديلة تظهر واقعه ووجهه الحقيقي، مقابل تلك الصور المبتذلة المتداولة عنه، وهو ما أحاول التعبير عنه، سواء في لقاءاتي الإعلامية، أو في كتابي الأول بعنوان «المغرب في عيون مصرية.. أسطورة المكان والنساء والتاريخ الحي» وكتابي الثاني، قيد الطبع حاليا، بعنوان «المغرب من قريب.. يوميات صحافي مصري».

وكيف ستكون الرحلة الثانية لصورة المغرب في كتابك المقبل؟

في كتابي المقبل، الذي يركز على تجربتي كمراسل صحافي في المغرب عام 2018 وما بعدها بقليل أستكمل في جانب منه مشاهداتي عن المغرب، مع بعض الاختلافات في تلك التجربة الثانية، فقد أصبحت أكثر ألفة وتفاعلا مع المكان والبشر وهو ما منحني خبرة وقدرة أكبر على الاشتباك مع المجتمع واكتشافه والنفاذ للمزيد من تفاصيله والكتابة عنه، لكن بالروح الأمينة والمحبة نفسها، وبتصوير واقعي أيضا لتلك التفاصيل والأحداث.

صورة المشرق العربي في كتابات الرحّالة المغاربة خلال القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، التي اتخذت من مصر أنموذجا، وأسهمت إلى أبعد حد في تكوين صورة مصر والمشرق في المخيال المغربي. هل أثرت هذه الكتابات في رؤيتك للمغرب والمغاربة أثناء كتابك الأول عن المغرب؟

أعتقد أن عفوية التجربة الأولى جعلتني محظوظا في أنني لم أطلع على كتابات رحلية كثيرة، خاصة القديم منها، فلم أتأثر بتلك النماذج السابقة في كل إشكالياتها أو انحيازاتها، لكنني قرأت قليلا جدا من الكتب الرحلية وبعض نصوصها المنشورة في تقارير المراسلين الصحافيين جعلتني ألمس فارقا جوهريا في تلك النصوص وهو، أن الكثير منها مصطنع يغلب عليه استدعاء وحشو نصوص سبق نشرها في كتب التاريخ أو الأدب والشعر على حساب القيمة المعرفية للنص الرحلي المنبثقة من طزاجة التجربة الذاتية والتفاعل الإنساني الحي للكاتب، وعندما قررت الكتابة آثرت بشدة أن تكون كتاباتي مبنية على المعايشة والتجربة الحية التفاعلية مع البشر والأحداث في الأماكن التي زرتها وكتبت عنها.

كيف ترصد حضور أدب الرحلة في المرحلة المعاصرة، وخصوصية هذا الفن في عصر الرقمنة، والتحديات المتعلقة به؟

للأسف الشديد هذا الفن الأدبي الفريد لا يحظى بما يستحقه من اهتمام وعناية رغم أهميته الأدبية والمعرفية الكبرى في التعرف على ثقافات وجغرافية وتاريخ وحضارات شعوب البلدان الأخرى. وعلى الرغم من أنه فن أدبي شامل يضم داخله فنونا أدبية أخرى مختلفة (القصة بأنواعها، الشعر، الرواية، الحكاية، السيرة) كان للثقافة العربية الإسلامية فيه باع كبير وخبرة متراكمة عبر القرون الماضية، لكن الاهتمام به قل وتراجع بشكل كبير مقابل الفنون الأدبية الأخرى الأقل فائدة من الناحية المعرفية والإبداعية كالرواية على سبيل المثال، والمفارقة الكبيرة هنا أننا برعنا في أدب الرحلة قديما عندما، كان السفر أبعد والانتقال أصعب، بينما تراجع اهتمامنا بأدب الرحلة بقيمته الفنية والمعرفية وقد بات الانتقال وقطع المسافات أسهل وأيسر، فمع أن العالم أصبح أصغر وأقرب لكن من ناحية أخرى بات السفر أكثر كلفة، وباتت تأشيرات السفر أصعب وأعقد، وهي معوقات لم تكن بالصعوبة ذاتها كما هي الآن، وقل الاهتمام بتدوين الرحلة ونقلها للآخرين في ثوب معرفي وأدبي مفيد وممتع، بالإضافة إلى التكلفة المتزايدة لعملية نشر وتعميم النصوص الرحلية، ورغم أن هناك الآن قنوات ومواقع إلكترونية على السوشيال ميديا، تحاول الاهتمام بالرحلة وتنقلها بالكاميرا لكن أغلبها يتسم بالسطحية ولا تتوافر فيها عناصر الفن الأدبي الرحلي من جدية المحتوى، وجمالية الأسلوب ودقة المعلومة والوصف والتوثيق، كما أن أهداف تلك المواقع تجارية وربحية صرفه على حساب القيمة المعرفية.

تبقى تجربة مؤسسة ارتياد الآفاق، كمؤسسة عربية ترعى أدب الرحلات وتمنح جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة، كدعم رمزي لقيمته الفكرية والثقافية لهذا النوع من الأدب. أهو بنظرك التقييم الحقيقي لهذه التجربة المعرفية في إنعاش أدب الرحلة عربيا؟

دون شك تعتبر تجربة مؤسسة ارتياد الآفاق كمؤسسة عربية لرعاية ودعم أدب الرحلة تجربة رائدة ومتميزة تهدف إلى أن تعيد بعض الاهتمام الواجب بهذا الفن الأدبي المهم، لكنها تبقى محاولة وحيدة وفي حاجة إلى التوسع والتكرار في بلدان كثيرة برعاية حكومية ومؤسسية ثابتة وطويلة لاستعادة الدور المعرفي والفني شديد الثراء لهذا الفن الأدبي الفريد المظلوم كثيرا.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي