بالأسماء التي نقشها الدمع على طين البيت

2022-06-07

علي صلاح بلداوي

1

يا وارثَ الغجرِ في تيهٍ أبديِّ

على تيهكَ الرّبابةُ، مخضَّبة بنحيبها

وعلى غربتِكَ الأناشيدُ تُتلى من فم العذراء

يا صفوة الشّاردين من النكبة إلى نكبةٍ أُخرى

يا خيرَ من تعثَّر بظلِّه ولوَّثَ ثيابَهِ ِببِركةٍ يأنسُها القمر

على لهاثِكَ سكون الطّرقات

وعلى عمائِكَ القناديل.

2

عائدٌ من طوافٍ بدأَ بجسدي

وانتهى برأسي

يُدارُ بهِ على كؤوسِ مدنٍ تَسكَرُ بالحجارة،

عائدٌ من سَبيٍ على ظَهرِ ناقةٍ لم تخرج من بين صخرتين

وإنَّما من بين كابوسٍ ولهاث.

هاربٌ من سيوفٍ تُريد أن تأخذني إلى طُفوفٍ

خُضتها مراراً ولم يبقَ ما يكفي من الدَّمِ كي تُبلِّلَ به لَمَعانها

من رملٍ يُقيِّدُني، وحوافرَ تكتبُ على ظهري صَهيلَها.

في خطوتي تَعبُ أمَّةٍ لم يغمض لها جفن

وفي تنهيدتي حبرٌ

أُدوِّنُ به يأسَ مجرّة وحدي.

3

مُخطِئٌ في خطوةٍ غفرانُها ذائبٌ في السّراب

هي خطوة الماشي إلى حتفهِ في منامه 

فيما يعيق طريقه حبلٌ ممدود من أُفق إلى أفق

وشوكٌ ببلاغة يتربّص بثيابه.

مُخطِئٌ في ظنونٍ شفاعتُها مطحونة في رحىً دارت عليها أممُ الواهمين قبلي

وكانت حصيلتهم خطوة أُخرى إلى المهالك.

مُخطِئٌ لأنِّي فتحتُ النافذة

وكان ذنبي أنّي رأيتُ.

4

هو الماشي وحدَه دائماً

وخلفه باص الفناء

تصعدُ إليه النازلاتُ من رأسٍ مهشَّمٍ بالرغبةِ

ومنقوعٍ بالندَم.

خطوةٌ... فتصعدُ امرأةٌ تتلو سهامها في جسدهِ الخاوي

ويصعدُ رجلٌ يحملُ شتائمه التي زرعها تحت لسانهِ القصير

وتصعدُ مدينةٌ تطلب خرابها بلا نقصان.

خطوةٌ

فيصعدُ البئرُ المردومُ ودلاؤُه الباكية

يصعد الفانوس يتعثَّرُ بنورٍ مستعارٍ من زيتٍ قليل

والمسمارُ يهذي أحلام الحجارةِ وساكنيها.

خطوةٌ أُخرى

فتقرأ المفاتيح التي تدار باليدِ الراجف رنينُها على القفل المنقوع بماء الورد

يدخلُ بيته وصدى خطوةٍ خاويةٍ تطرق صمته العليل

ينام برأسٍ فارغٍ

وسريره على عدمٍ ما

يطفو.

5

هم نادَوه بأسمائِهِ كلِّها

بالتي نقشتها أعينهم الدامعةُ على طينِ البيت

بالتي زخرفتها انتظاراتُهم على حجرٍ يقرأ عليهم رهبةَ المكان

والتي اخترعوها فصارت حُسنى مكتوبة في دفتر الأبد.

هم رفعوا أكفَّهم مشدوهين

نصف غرقى

يتنفَّسون من أصابعَ تعزف على الأفق

استغاثاتها.

هم رفعوا أعناقهم عالياً:

نحن ضحايا مصائرَ عمياءَ ونداءاتٍ يائسة

دع حبالكَ تَتَدلّى

فأعناقنا مشرئبَّةٌ إليك

وبين الناس

نمشي مشنوقين.

6

خذ هؤلاء الذين هدّموا بيتي

لأنَّ دولتهم العادلة لا تُبنى إلّا بحجارةٍ من خرابي

وحكموا عليَّ بالصمت

لانَّ أحكامهم مُنزَّلة ولا جدال فيها

ثم ألقوا عليَّ رعباً من زعيقٍ وبُصاقٍ ونداءات

فصرتُ صنماً يرتعش في ثباته،

يخاف في نظرته الجامدة

وحسرةً عليه أن يبكي وهو يرقبهم يشرِّدون حماماتهِ وينهشون بفؤوسهم أشجاره.

لم أطلَع من صخرة

ولم أُذكَر في كتاب

لكن، أستحقّ أن تُهلِك هؤلاء من أجلي.

7

الذي جاء بكَ إلى هُنا يعلمُ أنَّ عمركَ مسفوحٌ ويجري

من فمِ حياةٍ مقتولةٍ لا تعنيك بشيء

ولا يخفى عليه أنَّ ساعات وصحائف ومدن وأهل يُقيِّدونكَ

على جَذعٍ ملعون

فيما يستريح الذباب الجوّاب في الآفاق على طرف أنفكَ

ويرغمكَ أن تغمضَ عينيكَ وتصهلَ بوجه جرأته القاتلة

فتلفتُ لأجلِكَ كلُّ الخيول الجريحة التي لم تزل تعدو في خنادق مطرَّزةٍ بالرماح

وجماجم الأوَّلين.

الذي جاء بكَ ينظر جيِّدًا إلى الطير في داخلك

إنَّهُ حبيسٌ ومهموم

ويغصُّ بالهديل الذي يسمعه من آخرين

يعبرون

ولا يعنيهم كيف ستفتح قفص وجودكَ اللعين

وكيف ستخطو على الريح بأجنحتكَ البريئة

لهذا لستَ وحدكَ

أنت معه ينظر إليكَ كلَّما أردتَ أن تنتحر بالرَّملِ وترمي بجثَّتكَ في الخرائط

هو معكَ كلَّما طَلعتْ في يديكَ زهرة

وأوقفتَ بها نزيفك.

8

توضَّأتُ بانتظاركَ حتّى لا تكون لهفتي باطلة

وأسلمْتُ وجهي لقلقٍ لا أعرف غيره.

لا قِبلةَ لي

أنا حيثما أولّي وجهي

ثمَّةَ غيابكُ، ناصع الوجه

وكيفما أُصلّي

فأنا مخذول، ولا حِيلة لي غيرُ ذلك.

شاعر من العراق







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي